إن قُمت عن طريق الخطأ بإغلاق باب السيارة على إصبعك أو تعرّضت لحرقٍ بسيطٍ فيه أو ارتطمَ كوعك بالحائط، فإن أول ردة تقوم بفعلها هي مص الإصبع المصاب أو فرك كوعك. هذا السلوك الغريزي تقوم به لتهدئة وتسكين الألم، وهو أسلوب فعال للغاية في تسكين إشارات الألم مؤقتًا إلى الدماغ.
لماذا نميل إلى مص الإصبع عند تعرّضه للإصابة كأول ردة فعل؟
في القرن السابع عشر، اقترح العالِم والفيلسوف “رينيه ديكارت” وجود مستقبلات ألم محددة في الجسم تقوم بتنبيه الدماغ عندما تتفاعل مع المحفّز. مع ذلك، لم تتمكّن أي دراسة من تحديد المستقبلات بشكلٍ فعّال في أي مكان في الجسم والتي تستجيب فقط للمنبهات المؤلمة.
“لورن مندل”، أستاذ علم الأعصاب والسلوك في جامعة ستوني بروك في نيويورك، يقول: (يُمكنك تنشيط ألياف عصبية معيّنة يُمكن أن تؤدي إلى الألم، لكن في ظل ظروف أخرى، فإنها لا تفعل ذلك). بمعنى آخر، نفس الألياف العصبية التي تحمل إشارات الألم تحمل أيضًا أحاسيس أخرى.
في عام 1965، اقترح اثنان من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، باتريك وول ورونالد ميلزاك، ما أطلقا عليه نظرية التحكم في بوابة الألم، والتي في معظمها، صحيحة حتى يومنا هذا. مندل، الذي يُركّز بحثه على بيولوجيا الأعصاب للألم والذي يعمل مع كلا الرجليْن في دراسات الألم الخاصة بهما، يُوضح أن أبحاثهم أظهرت أن الشعور بالألم هو أكثر حول توازن المحفّزات على أنواع مختلفة من الألياف العصبية.
كانت الفكرة في أن بعض الأياف التي زادت من المُدخلات كانت تلك التي فتحت البوابة، والأخرى التي قلّلت من المدخلات أغلقت البوابة. يقول مندل: (إذًا لديك فكرة أن بوابة التحكم بالألم تجلس عبر مدخل الحبل الشوكي، ويُمكن أن يكون ذلك مفتوحًا وينتج عنه ألم، أو يُمكن إغلاق البوابة وتقليل الألم).
وكانت نظرية التحكم في البوابة قد تم إعادة بلورتها عام 1996 عندما اكتشف عالم الفيزيولوجيا العصبية إدوارد بيرل أن الخلايا العصبية تحتوي على مستقبلات ألم خاصة بها، وتُعطي هذه الخلاية إشارة لتنبيه الدماغ عندما تتعرّض لأذية في النسيج. وتنقسم هذه الخلايا إلى نوعيْن من الألياف العصبية – كبيرة وصغيرة – فالألياف الكبيرة مسؤولة عن التنبيهات العصبية غير المسببة للألم، أما الألياف الصغيرة تنقل معلومات عن مسبب الألم.
وقد أُثبِتت هذه النظرية عبر تمرير تيار كهربائي مختلف الشدة عبر الخلايا العصبية. وعندما كان التيار منخفض الشدة، تم تنبيه الألياف العصبية الكبيرة أولًا، ومع رفع شدة التيار، تم تنبيه الألياف الأصغر فالأصغر. وبتطبيق ذلك على جسم الإنسان كما شرح “ميندل”، إن مرّ تيار كهربائي منخفض الشد عبر جسم الإنسان، ستُدرك الخلايا العصبية وجود منبّه كهربائي لكنك لن تشعر بالألم. ومع زيادة شدة التيار حتى تصل إلى عتبة التنبيه المُسبب للألم، سيُخبرك جسمك على الفور بأنّ هذا المنبّه مؤلم.
بهذه الطريقة يمكننا الآن فهم أن الأياف العصبية الكبيرة هي من تقوم بإغلاق بوابة الألم، والألياف الصغيرة تؤدي إلى فتح هذه البوابة عند تحفيزها.
والآن بعد أن فهمتَ الطريقة التي تتعامل به خلاياك العصبية مع مسببات الألم، يُمكنك أن تفهم السبب المباشر خلف ميلنا إلى مص الإصبع أو فرك الطرف المُصاب، مثل كوعك عند ارتطامه بالحائط، للتخفيف من الألم. فهذه الطريقة تقوم ببساطة بتحفيز الألياف الكبيرة لتقوم بعكس الألم، وذلك بتقليل الإشارات العصبية الخاصة بالألم الناتجة عن العضو المصاب التي تحملها الألياف الصغيرة، بالتالي تقوم بإغلاق بوابة الألم وخفض هذا الشعور.
في حين أن هذا السلوك الغريزي غير مجدٍ مع الإصابات الخطيرة، لكن الأفضل أن تضعه في حسبانك عند تعرّضك لكدمة أو إصابة بسيطة في إصبعك!
اقرأ أيضًا:
لماذا نقوم بـ فرك العينين حين نشعر بالإرهاق؟
لماذا نقوم بتحريك أيدينا عندما نمشي؟