كان للعلاج النفسي في الماضي سمعة سيئة، حيث كان يتم تعذيب المرضى وحبسهم في السجون وجلدهم، واحتجازهم في أماكن غير صالحة للاستخدام الأدمي، ومع بزوغ فجر القرن التاسع عشر بدأ يزداد عدد المرضي، وبدأ التقدم البحثي في هذا المجال، والسعي لكي يحصل هؤلاء المرضى على حقهم في العلاج والمعاملة الأدمية، وسنعرض لك أغرب الحقائق عن الأطباء النفسيين في القرن التاسع عشر، وسنسلط الضوء على أولئك القلائل الذين حاولوا حقا مساعدة المرضى النفسيين.
المصحات النفسية
خلال بداية القرن ال 19 أزداد عدد السكان بشكل ملحوظ وأصبحت المدن أكثر ازدحامًا، وتحول المرض العقلي من العقاب الروحي من الله إلى قضية اجتماعية. واستجابت المجتمعات المحلية ببناء المزيد من المؤسسات لمعالجة تلك الأعداد المتزايدة، على سبيل المثال في إنجلترا ارتفع عدد المرضى من 10000في عام 1800 إلى عشرة أضعاف ذلك في عام 1900، وكان ذلك لعدة أسباب منها التقدم وزيادة الضغوط، وتزايد عدد السكان أكثر وأكثر وزيادة التعصب للسلوك التخريبي، ومع ازدهار أعداد المصحات، بدأت حكايات التعذيب القاسية وسوء المعاملة.
زيادة الأبحاث
في القرن التاسع عشر نتيجة لزيادة المصحات النفسية والعلاجات الجديدة أدى ذلك إلى زيادة أولئك الذين يرغبون في البحث في الطب النفسي؛ لمعرفة أسباب إصابة بعض الناس بالجنون، من بينهم الطبيب توماس ويليس الذي درس في أكسفورد، الذي صاغ مصطلح علم الأعصاب، وسعى لتحديد الوظائف العقلية التي تختص بها أجزاء معينة من الدماغ، ويليس افترض أن الجهاز العصبي المركزي تعتمد على عمليات خاصة بالأرواح الحيوانية، أو الوسطاء الكيميائيين بين العقل والجسم، وقام طبيب آخر في هذا الوقت، وهو أرشيبالد بيتكيرن، الذي درس في هولندا، بمعالجة المرضى المصابين بأمراض عقلية، ويُقال بأنهم عانوا من أفكار خاطئة ناجمة عن الأنشطة الفوضوية لتلك الأرواح الحيوانية المضطربة؛ والتي بدورها تعمل على تغذية العضلات لإنتاج حركات المشوشة والغير منضبطة في الأطراف، أما اليوم نحن نعلم أن الدماغ لا يحتوي على الأرواح الحيوانية، وأنها لا تسبب المرض العقلي، ولكن ما يُسبب المرض العقلي هو خلل في التوازن الكيميائي في الدماغ.
الاضطراب العصبي
اليوم عندما يعاني شخص من اضطراب عصبي، فإنها تشير إلى ارتفاع ضغط الدم، ومشاكل في القلب، وصعوبة في التنفس، وما إلى ذلك، أما في القرن التاسع عشر، الاضطرابات العصبية كانت تشير إلى الأعصاب المحطمة، والانهيار العصبي، والإرهاق العصبي، فالأعراض لا تشمل مشاكل في القلب أو صعوبة في التنفس. ولكن بدلا من ذلك، شعور بالفراغ واليأس، والوسواس والركود، واللامبالاة، وكان الاضطراب العصبي هو مرض يصيب فقط علية القوم وأعلاهم منزلة، وقد ظهرت العيادات الخاصة لعلاج هذا المرض، حيث يمكن للأغنياء الذهاب إلى المنتجع الصحي للتعافي منه.
المس الأحادي monomania
كان القرن التاسع عشر مليئًا بالعلماء الذين يسعون إلى إيجاد الأسباب والأجوبة عن سبب إصابة المرضى العقليين بالمس، حيث يعتقد الأطباء عادة أن الجنون هو عيب في العقل، وعدم قدرة الشخص على الفهم العقلاني الواقع. مع ارتفاع البحث والدراسة، جاءت جان اتيان إسكيرول بفرضية لمحاولة تفسير المونومانيا أو المس الأحادي؛ هذا الهذيان الجزئي الذي يعاني فيه المريض من التصورات الزائفة، فهذه التصورات الخاطئة يمكن أن تكون أوهام، وهلوسة، أو قناعات خاطئة، فالمس ليس بسبب غيبة العقل، ولكنه بسبب وجود فكرة خاطئة، على سبيل المثال، يمكن للمرضى المصابين بأمراض عقلية أن يعانوا من الأوهام والهلوسة، وهذه هي التي تقنع المرضى بواقع غير صحيح، وقد وضعت إسكيرول تشخيص المونومانيا لشرح اضطرابات جنون العظمة، وقدمت مونومانيا الأساس اللازم للعلماء والأطباء لاكتشاف مفاهيم مثل الهوس والمرض النفسي.
المرضي النفسيين في الهند
استعمرت بريطانيا العظمى العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم؛ وكانت الهند واحدة منهم، وخلال القرن ال 19 تزايد عدد المرضى العقليين في أوروبا والولايات المتحدة والهند أيضا، اعتبر المستعمرون والسلطات البريطانية أنفسهم أعلى درجة من السكان المحليين، وكانوا غير راغبين في تقاسم المرافق معهم، وتم نقل المرضي النفسيين الهنود إلى المؤسسات العامة البالية، ولقد أرسل الجراح هاتشينسون تقرير للمفتش العام، موضحا الحاجة إلى مساحة أكبر وظروف صحية أفضل من هذه المصحات، وأوضح أن السكان كانوا مكتظين بالفعل ووصل عددهم من 138 إلى 151 دون مباني أكبر لاستيعاب هذا العدد المتزايد كما ذكر هاتشينسون بأن المباني غير صالحة للاستخدام الأدمي، وفعل هتشينسون ما في وسعه لمحاولة جعل حياة هؤلاء المرضي أفضل قليلا.
فراسة الدماغ
الطبيب النمساوي فرانز جوزيف غال هو مؤسس علم الأعصاب الحديث، وهو من وضع علم Phrenology العلم الذي يدرس العلاقات بين الشخصية وشكل الجمجمة، حيث أن شكل الجمجمة يؤثر على السلوك؛ فقام غال بدراسة الرياضيين والنحاتين والبحث عن القواسم المشتركة بين الأشكال من جميع جماجمهم؛ ولكنه واجه مشاكل كبيرة في نظريته، حيث استند في ادعاءاته على سلوك واحد فقط، كما أنه بحث عن الحالات التي تتفق مع فرضيته وتجاهل تلك التي تناقضه، لكنه هو من وضع الأسس لأطباء الأعصاب في العصر الحديث.
دوروثيا ديكس
في القرن ال 19 شهدت دوروثيا ديكس معاناة المرضي النفسيين في المصحات والسجون، وسعت إلى فضح وحشية حبسهم، وبعد نضالها في بوسطن، ووجدت حلفاء أقوياء منهم القس ويليام إلري تشانينج، وفي عام 1841 بدأت السفر إلى جميع أنحاء ماساتشوستس، وفحص الظروف التي يعيش فيها المرضى هناك، وجدتهم يعيشون في أقفاص وخزائن ومكبلين بالسلاسل والأقفال، وأجسادهم عارية ويتم جلدهم، وبحلول يناير 1843 سعت إلى زيادة التمويل لهذه المؤسسات، ومع ذلك، كانت صوتها الوحيد الذي يسعى للحصول على التعاطف والمساعدة لهؤلاء الناس؛ لكنها لم تستسلم، وفي نهاية المطاف أصدرت الدولة تشريعات لتوسيع تلك المصحات، ولكنها لم تتوقف عند هذا الحد، فقد ذهبت للضغط على المسؤولين من أجل علاج أفضل للمرضى العقليين في العديد من الولايات؛ ففي الوقت الذي كان يُعامل المرضى أسوأ من الحيوانات، دوروثيا ديكس كان صوتهم وقاتلت من أجلهم.