تُصاب الغربان بالذعر لدى وفاة أحد أفرادها، ولطالما أثار تصرفها تجاه هذا الأمر تساؤلات كثيرة، حيث إنها تلتف حولها وتبدأ بالصراخ والنعيق بصوت عالٍ. لكن ذلك يعدو أكثر من كونه طقسًا جنائزيًا أو حدادًا على الموتى!
تدرك الغربان مسألة الموت جيدًا على عكس بعض الحيوانات الأخرى. صحيح أن هناك بعض الحيوانات التي قد تدرك وفاة أحد أفرادها، ومنها: الفيلة، والشيمبانزي، وطائر العقعق، وطائر الجاي. لكن الاختلاف أن الغربان لا تدرك مسألة الموت فقط، إنما تحاول معرفة المزيد حول الأخطار المحتملة المهددة لحياتها.
فقد وجد بحث أن هذه الطيور قادرة على تذكر حيوان أو إنسان كان بصحبة غراب ميت، كما وجد البحث أنها قادرة على تمييز الصقور التي تحمل موتاها من الغربان عن الطيور الأخرى. ولفهم أعمق لذلك، أجرت جامعة واشنطن دراسة لرصد تصرفات الغربان حين وُضعت غربان محنطة محشوة في المنطقة التي تتغذى بها تلك الغربان.
وتمت الدراسة عبر ثلاثة سيناريوهات خطيرة: شخص مقنَّع يحمل غرابًا ميتًا، ومقنَّع آخر يقف بالقرب من صقر جاثم، وشخص ملثم آخر يقف بالقرب من صقر جاثم مع غراب ميت. وفي الحالات الثلاث كانت الطيور محنطة. وكان هدف الأقنعة معرفة كيف تستطيع الغربان تمييز الناس، وكان هناك متطوعون مختلفون في كل أسبوع. وفي 96% من الحالات كانت ردة الفعل هي ذاتها.
الطائر الذي سيقوم باكتشاف الطائر الميت يقوم بإحداث فوضى ويجتذب من 5 إلى 11 طائرًا آخر. وستستمر الفوضى والغوغاء من 10-20 دقيقة، ثم يخف ذلك تدريجيًا وتغادر الغربان المكان.
وقد وجدت الدراسة أن ردة فعل الغربان تكون قوية حين ترى إنسانًا وصقرًا مع الغراب الميت أكثر من ردة فعلها تجاه شخص يحمل غرابًا ميتًا، أو وجود شخص بالقرب من صقر. وهذا يشير إلى أن الغربان تكون أكثر حساسية تجاه الغربان الميتة حين تراها مع حيوانات مفترسة مألوفة. وبعد مرور 6 أسابيع استمرت تلك الغربان باستجابتها للشخص الذي ترى أنه تهديد لها.
وقد ربط العلماء قدرة الغربان على إدراك حادثة الوفاة للغربان الأخرى، بمستويات ذكائها. فحمام الصخور بالكاد لاحظ وجود حمامة ميتة أمامهم. كما أن الغربان كانت غير مبالية لوجود تلك الحمامة، وأن الفوضى التي أطلقتها كانت بسبب البشر برفقة الغربان الميتة والمفترسات المشتبه بها.
فوجود غراب ميت يخبر الغربان الأخرى أن ذلك المكان خطر، ويجب زيارته مع الحذر. والأصوات العالية التي تصدرها تلك الطيور قد تكون وسيلة لمشاركة المعلومات مع بقية أفراد الجماعة. فالحيوانات التي تعيش في مجموعات اجتماعية تكون لديها مهارات إدراكية أكثر تطورًا.
وتشير الدراسة إلى أن الغربان لا تلاحظ وتتفاعل مع حادث الموت، لكنها تتعلم سريعًا لربط المخاطر والتهديدات من البشر الذين يظهرون بالقرب من الغربان الميتة، حيث يتم تمييزهم بصوت نعيق مختلف للإنذار. وخلاصة القول أن الغربان تدرك تمامًا ما هو الموت، وتخاف منه!
وقد أثبت بحث سابق أن الغربان لديها ذاكرة قوية لتذكر وجوه البشر. فقد استطاعت بعضها تذكر الأشخاص الذين كانوا يقفون إلى جانب الصقور. وتُعرف عن الغربان أنها أذكى الطيور، لكن بعض العلماء يرون أن درجة ذكائها مشابهة لدرجة ذكاء الأطفال أو الثدييات.
وأظهرت تجربة لجامعة كامبريدج أن الغربان بإمكانها أداء مهمات طفل بعمر 3 أو 4 أعوام يجد صعوبة فيها. فقال العلماء أنه على الرغم من وجود اختلاف كبير في تركيبة العقل، إلا أن الغربان والرئيسيات تستخدم نفس الأدوات العقلية، بما فيها التخيل وتوقع أحداث مستقبلية محتملة وذلك لحل المشاكل المشابهة.
وقد أثبتت تجارب أن بإمكان غربان كاليدونيا استخدام ثلاث أدوات للحصول على الطعام. كما وجدت الدراسة أنه بإمكان الغربان استخدام الحجارة لرفع مستوى المياه في وعاء وذلك من أجل الوصول للديدان العائمة.
المصدر
لنا في قصة ابني آدم عليه السلام مع الغراب وكيف دله على دفن أخيه خير دليل على أن الغراب له رهبة ووقفات عجيبة مع الموت والقصة مذكورة فيالقرأن الكريم