قليلون هم الذين سمعوا باسمها رغم إنجازها البطولي الذي عجز الكثيرون عن فعله! فهي شخصية إنسانية بارزة تركت بصمة واضحة في الوقفات الاحتجاجية للسعي إلى السلام، إنها كونسبسيون بيتشيوتو المعروفة أيضا باسم كونسبسيون توماس، السيدة التي فارقت الحياة الأسبوع الماضي في العاصمة الأمريكية واشنطن تاركة خلفها إرثا مهما في التاريخ الإنساني.
ناشطة السلام الأسطورية التي خيّمت أمام البيت الأبيض منذ عام 1981م وكانت شخصية معروفة للغاية كأحد المحتجين من أجل تحقيق السلام خاصة في العالم الثالث. فقد ظلت توماس متمسكة بالتخييم في خيمتها لثلاثة عقود ونصف من أجل دعم الإنسانية والدعوة لمحاكمة الظالم.
لمحة تاريخية عن كونسبسيون توماس
يتيمة في صغرها وتولى جدها تربيتها في إسبانيا. وصلت “كوني” إلى نيويورك عام 1960م حيث عملت كموظفة استقبال لملحق تجاري تابع للحكومة الإسبانية، ثم تزوجت من مهاجر إيطالي بعد سنوات قليلة، وبعد سنوات قليلة وفي عام 1973م، قامت وزوجها بتبني طفلة يتيمة صغيرة تُدعى أولغا. وبعد أن لاحظت “كوني” الميول الجنائية والإجرامية لزوجها دخلت في نزاعات طويلة معه انتهت بإرسالها إلى مصحة نفسية، ثم خسرت حضانة ابنتها بعد إطلاق سراحها وانتهى بها المطاف في واشنطن حيث انجذبت وبقوة إلى القضايا الكبرى.
انضمت “كوني” إلى جماعة مناهضة لتطوير الأسلحة النووية اتخذت من باحة البيت الأبيض مقرا لها، هناك التقت بناشط آخر مناهض للأنشطة الإرهابية والنووية ويُدعة “وليام توماس” والذي عسكر معها أمام البيت الأبيض لمدة 25 عاما قبل أن توافيه المنية عام 2009م. وبعد وفاته، حافظت “كوني” على معسكرها الاحتجاجي بمساعدة عدد من الناشطين الآخرين الذين انضموا لها من وقت لآخر وباتت تُعرف بشهرة توماس لتأثرها الكبير برفيقها في الاحتجاج. وتعتبر وقفة كونسبسيون توماس الاحتجاجية الأطول في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
وكما قالت “كوني” خلال مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز: “لعبت لعبة القط والفأر لأكثر من ثلاث عقود مع شرطة البيت الأبيض الأمريكية التي تحظر على المتظاهرين النوم على ممتلكاتها”. كما قالت أنها تعرضت مرارا للاعتداء والضرب إما من أشخاص عشوائيين أو تعمد دهسها من قبل سيارة أجرة مجهولة، كما ادّعت أنها تعرضت لمضايقات من أفراد يتبعون لجهاز الخدمة السرية الأمريكي.
في سبتمبر 2013م، قامت الشرطة بتفكيك خيمة الاعتصام خاصتها لحجة أنها تُركت عن طريق الخطأ غير مأهولة لفترة من الزمن، لكنها بقيت متمركزة في موقعها حتى عادت خيمتها لها. خلال فترة احتجاجها، تحملت كونسبسيون العواصف الثلجية الباردة وموجات الحرارة الشديدة والأمطار الغزيرة. كما أنها عاصرت عدد من الرؤساء وهم رونالد ريغان، جورج بوش، بيل كلينتون، جورج دبليو بوش، باراك أوباما، لكن وعلى الرغم من أن خيمتها كانت دائما موجودة، لم يقم أحد من الرؤساء بالتحدث معها أو اعترف بمساعيها الجادة للسلام.
لكن جهودها لوحظت بالتأكيد خارج البيت الأبيض. فعلى مر السنين، كانت “كوني” ركنا ثابتا في العاصمة الأمريكية وحصلت على اهتمام السكان المحليين والسياح على حد سواء. كما ظهرت في فيلم “ميشيل مور” الوثائقي، 9/11 فهرنهايت” الذي أكسبها المزيد من الشهرة. وفي عام 2011م، تم تكريمها من قبل صندوق شفيق نادر لتطبيقها أعلى معايير حماية حرية التعبير بموجب الدستور.
بعد أن رحلت كونسبسيون توماس عن هذا العالم، يذكر أصدقاؤها ورفاقها في الطريق كيف كانت في آخر أيامها، فعلى الرغم من تدهور وضعها الصحي، إلا أنها كانت مصرة على عدم كسر احتجاجها الأمر الذي اعتبره البعض حماقة وآخرين شجاعة وبطولة. وفي اليوم التالي من وفاتها، العديد من الناس تركوا باقات الزهور مكان خيمتها لتقديم التعازي والاحترام لهذه المرأة المناضلة التي حملت هم المظلومين والمقهورين في العالم خاصة في بلاد المسلمين، ولم تجد وسيلة أفضل من الاحتجاج أمام منزل صُناع القرار في العالم. فكل التحية لروحك يا كونسبسيون توماس، فقد قدمتِ للعالم ما عجز عن تقديمه الكثيرين.
اقرأ أيضا:
احتجاج مميز ضد إفراط الإنسان في استغلال المساحة العامة