مؤكد أنك تابعتَ من قبل أحداث فيلم يتحدّث عن شخص يفقد ذاكرته لسببٍ ما، لكن بالرغم من نسيانه كافة تفاصيل حياته، إلا أنه لا يزال يتحدّث بنفس اللغة، ولم تُمح تفاصيل اللغة الأم من ذاكرته.
حتى عندما ينسى الناس كل شيء (بما في ذلك هويتهم الحقيقية) خلال معاناتهم من فقد الذاكرة؛ سواء كان فقدان قصير المدى أو طويل المدى، إلا أنهم نادرًا ما يميلون إلى نسيان لغتهم الأم، ما دفع الكثيرين للتساؤل عن السبب، والعلم له تفسيره في هذا الخصوص.
لماذا لا يميل مرضى فقد الذاكرة إلى نسيان لغتهم الأم؟
عند الحديث عن فقدان الذاكرة، فإن هناك أنواع عديدة من هذا الخلل تعتمد على مكان التلف الحاصل في الدماغ. على سبيل المثال، في حالة “instance- mental block” أو العائق العقلي، والتي تحدث غالبًا لكبار السن، يتضرر الفص الجبهي من الدماغ، ما يجعل عقولنا فارغة. أما فقد الذاكرة الناتج عن صدمة أم مرض الزهايمر، فإنه مرتبط بشكلٍ مباشر بالكيمياء المتغيرة بالدماغ، ما يتسبب بتلف خلايا المخ. مع ذلك، فإن معظم أنواع فقدان الذاكرة مرتبط بالذاكرة العرضية episodic memory وليس الذاكرة الدلالية semantic memory.
وتُشير الذاكرة العرضية إلى مكان الحدث وموعده، وهي ذاكرة مرتبطة بمجموعة من التجاربة الشخصية الماضية التي حدثت في مكان وزمان معيّنيْن. أما الذاكرة الدلالية، فهي مرتبطة بمعرفة الكلمات ومعانيها. وفي حالة تعرّض شخص لفقدان ذاكرة عرضية بينما ذاكرته الدلالية سليمة، فقد ينسى أنه يُحب تناول التفاح، لكنه لن ينسى ما هي التفاحة في الواقع.
منطقتي Broca و Wernicke
قد يظن البعض أن “الكلام والخطاب” مرتبط بالذاكرة، لكنهما يختلفان عن بعضهما البعض في الواقع. في حين أن إنتاج الكلام يعتمد على جزأين من الدماغ يُعرفان باسم: منطقة “بروكا” أو منطقة “السيطرة على الكلام”، ومنطقة “ويرنيك” أو منطقة “تحديد فهم الكلام”، بينما لا تعتمد الذاكرة عليهما.
وفي حالة فقد الذاكرة، لا تتأثر ذاكرة العضلات وكيفية عملها، مما يُساعد الناس على إنتاج الأصوات. لذلك، يبقى بإمكان الناس استخدما لغتهم الأم، مع ذلك، لن يكونوا قادرين على فهم الكلمات الجديدة أو تلك التي عرفوها حديثًا ولم يستخدموها مطلقًا.
فقدان القدرة على الكلام Aphasia
من ناحية، تلعب منطقة “بروكا” دورًا بارزًا في معالجة بناء الجملة والعلوم النحوية للكلام. ومن الناحية الأخرى، تعد منطقة “ويرنيك” مهمة لفهم معنى الكلام. ونسيان اللغة من الحالات النادرة التي يُمكن أن يتعرّض لها مريض فقد الذاكرة في حالةٍ تُعرف باسم Aphasia، وتعني عدم القدرة على الكلام أو فهم اللغة المكتسبة.
وقد يؤدي فقدان الذاكرة الناتج عن صدمة إلى حالة Aphasia في بعض الظروف. وقد تُسبب هذه الحالة إصابة الشخص بـ “expressive aphasia” وتعني فقدان القدرة على استخدام الكلمات والجمل التعبيرية. أو قد تُسبب حالة تُعرف باسم “receptive aphasia”، وتعني فقدان الشخص القدرة على استخدام وفهم الكلام معًا.
وبشكلٍ عام، فإن فقدان القدرة على الكلام ليس نوعًا شائعًا من أنواع فقد الذاكرة. ذلك لأن تخزين اللغة عمومًا يتم في الذاكرة طويلة المدى. حيث لا ينسى المريض لغته تمامًا، ويتوقف ذلك بشكلٍ أساسي على الأعصاب التالفة ومقدار الضرر الحاصل في الدماغ.
ومن نوادر الأمراض المتعلقة بفقد الذاكرة، ما حصل مع عدد قليل جدًا من مرضى فقدان الذاكرة، أن يستيقظ شخصٌ ما بعد حادث أو غيبوبة وقد نسي لغته الأم وبدأ يتحدّث لغة أخرى مختلفة بطلاقة! حدث هذا الأمر مع رجل من فلوريدا يبلغ من العمر 61 عامًا استيقظ من غيبوبته بعد ستة أشهر، وكان يتحدث السويدية فقط! حتى أنه عرّف عن نفسه بهوية مختلفة تمامًا ونسي شخصيته الحقيقية. يُعرف هذا النوع من فقدان الذاكرة باسم “Transient Global Amnesia”، ويمتاز بعدم قدرة الشخص على تذكر أحداث حياته الأخيرة، ما يجعله يخلق هوية جديدة لنفسه معتمدًا على ذكريات قديمة للغاية. حيث عاش مايكل في الثمانينيات في السويد وتعلم لغتها، لذلك تحدّثها بطلاقة بعد إفاقته من الغيبوبة.
في الختام، فإن الفهم الإنساني للغة أعمق مما نتصوّر، والحاجة الإنسانية للتعبير عن نفسها حاجة بدائية لدرجة تُمكّنه من التواصل من الآخرين بفعالية دون الحاجة لاستعمال الكلمات في بعض الظروف!