بفضل التطور التكنولوجي الكبير، أصبح من السهل خلق هستيريا صحية بين المجتمعات المختلفة وذلك عبر استعمال الإنترنت والأجهزة الذكية للترويج لمعلومة صحية ثم وبغضون ثوانٍ معدودة فقط تصبح هذه المعلومة أكبر شائعة في الصحة العامة تشغل الرأي العام في العالم.
ونجد ذلك عندما تعلن الحكومات عن احتمالية وجود مرض معين تخشى من انتشاره وتبدأ في دراسته، فما هي إلا ساعات قليلة وتنتشر هستيريا هذا المرض حتى قبل أن يصل إلى المنطقة، ولا تعتبر هذه الهستيريا الطبية أمرا حديثا، ففي القران السابع عشر عندما أُعلن عن تفشي وباء الطاعون انتشرت العديد من المخاوف بين الناس حتى أن أغلب من مات منهم لم يمت بسبب المرض بل بسبب تملك المخاوف من الإصابة به والوسوسة القهرية التي أصابت معظم المناطق الموبوءة حتى بات الناس يموتون من تهيؤهم بإصابتهم بالمرض.
أكثر 10 مخاوف تتعلق بمفهوم الصحة العامة انتشارا في العالم
انفلونزا الطيور
انفلونزا الطيور هي أحد الأمراض التي برزت بشكل كبير وعدة مرات في التاريخ الحديث، حيث ظهرت للمرة الأولى سلالة من نوع H5N1 والتي ثبتت على كونها معدية وقاتلة للبشر، ومنذ انتشارها كان هناك قرابة 633 حالة إصابة معلن عنها منها 377 حالة وفاة معظم هذه الحالات كانت في أندونيسيا وفيتنام ومصر.
وظهرت عان 2013 سلالة جديدة من نوع H7N9 وانتشر الذعر من جديد، وأفادت تقارير صحية أن 43 حالة في الصين لقوا حتفهم بفعل الإصابة بها، لكن على ما يبدو أن هذه العدوى لم تنتشر خارج الصين وبدأ عدد الإصابات بالانحصار تدريجيا حتى لم نعد نسمع عن حالات جديدة بعد شهر أبريل لعام 2013، ما يعني أن هذه العدوى كانت بسبب فيروسات موسمية أو أن الحكومة الصينية اتخذت التدابير اللازمة للحد من انتشارها، لكن هذه الحقائق الطبية لم تمنع وسائل الإعلام من الترويج للعدوى وجعلها من أكثر مخاوف الصحة العامة انتشارا.
ظاهرة القدم والفم في بريطانيا
انتشرت هذه الظاهرة في بريطانيا في عام 2001، وشهد ذلك الوقت إعدام قرابة 6 ملايين بقرة ما تسبب بإفلاس المزارعين وخراب مزارعهم، وتم الكشف للمرة الأولى عن المرض في مزرعة للخنازير في إسكيس وسرى اعتقاد أن العدوى صادرة عن الخنازير المستوردة بطريقة غير مشروعة، وفي عام 2007 أعلن الاتحاد الأوروبي حظر استيراد لحوم الأبقار البريطانية، فسارعت الحكومة البريطانية بفرض طوق أمني على المزارع الموبوءة وعالجت المشكلة قبل إعادة محرقة 2001، لكن وسائل الإعلام بقيت تضخم المسألة تثير الرعب حتى اتخذت الحكومة البريطانية عقوبات كالغرامات والحبس بحق الصحفيين المروجين للإشاعات ووضعت حدا لإشاعات الصحة العامة.
السالمونيلا
الإنترنت ليس المسؤول الوحيد بما يتعلق بمخاوف الصحة العامة، فالصحف تلعب دورا مهما في هذا المجال، مثال ذلك ما حصل في المملكة المتحدة عام 1988 عندما أعلنت وزيرة الصحة “إدوينا كوري” عن أن البيض يحتوي على بكتيريا السالمونيلا القاتلة وكان بيانها على النحو التالي: (معظم إنتاج البيض في هذا البلد، للأسف، يتأثر الآن مع السالمونيلا) وتسبب هذا التصريح بنشر الذعر والخوف بين المواطنين، واشتهرت الوزيرة بتصريحاتها المثيرة للجدل مثل تصريح سابق لها بأن المسيحيين لا يصابون بالإيدز أبدا، في النهاية انتهت القضية واستقالت كوري بسبب تردي سمعتها والبلبلة الكبيرة التي حصلت في مجال الصحة العامة.
شراب الذرة عالي الفركتوز
لا يزال الجدل قائما حول شراب الذرة الذي يعتبر محلي صناعي رخيص الثمن يضاف للأطعمة ليجعلها ألذ مثل المعجنات، ويلقى هذا الشراب نوعا من الهجوم من قبل أشخاص يتهمونه بتأجيج مشكلة السمنة وأنه سم قاتل بطعم حلو، وبدأت مشاكل شراب الذرة مع الصحة العامة في عام 2004 عندما وجدت ورقة بحثية في مجلة أمريكية للتغذية أن استهلاك شراب الذرة وصل حتى 1000% بين عامي 1970 و 1990، وفي عام 2012 اقترحت دراسة أن آثار شراب الذرة مبالغ فيها وأن الفركتوز ليس أسوأ من السكروز المستعمل على شكل سكر المائدة.
المواد المسببة للسرطان (Carcinogens)
جاءت المخاوف من هذه المواد من مصدر غريب للغاية وهي لوحة الرئيس الأمريكي للسرطان عام 2010 حيث أصدر تقريرا كاملا عن خطر هذه المواد التي تزيد من خطر الإصابة بالسرطان والتي تتواجد في كل مكان من حولنا، في المنتجات المنزلية والغذائية والملونات والنكهات حتى في المشروبات الغازية، وتسبب هذا التقرير بهستيريا كبيرة بين المواطنين في 2010 أكثر من حجم المشكلة نفسها حتى أصدرت جمعية السرطان الأمريكية إحصائية تشير إلى ندرة الإصابة بالسرطان بفعل هذه المواد، لكن الشائعات الإعلامية لا تزال حتى اللحظة تنشر المخاوف بشأن الصحة العامة من هذه المواد.
السارس
السارس أو الالتهاب الرئوي الحاد مثله مثل انفلونزا الطيور كان أول ظهور له في الصين وتم الإبلاغ عن أولى الحالات في عام 2002 لكن الحكومة الصينية تكتمت على الموضوع حتى فبراير من عام 2003 عندما توجه الطبيب الصيني ليو جيانلون إلى هونغ كونغ لحضور حفل زفاف أحد أقاربه ونزل في غرفة 911 في فندق متروبول، حيث أصبح الطبيب مريضا وتوفي بعد فترة وجيزة بعد تشخيص إصابته بالسارس ولم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لعزله عن المحيط ما تسبب بانتقال العدوى لمعظم نزلاء الفندق الذيت تعاملوا معه حتى انتشر الفيروس في معظم أنحاء هونغ كونغ وكانت معظم الحالات من فندق متروبول، وأُعلنت حالة التأهب القصوى على جميع الأصعدة خاصة في المطارات وبلغ عدد الوفيات في الصين 648 وكان السارس درسا قاسيا للحكومة الصينية بسبب تكتمها منذ البداية على المرض.
الأغذية المعدلة وراثيا
ربما كانت مخاوف الصحة العامة عند انتشار السارس مبررة نوع ما بسبب التكتم الأول على المرض، لكن مخاوف الصحة العامة من خطر الأغذية المعدلة وراثيا زادت عن الحد المطلوب في الكثير من الدول خاصة وأن الأضرار على الصحة العامة للإنسان لم تسجل في حالات كثيرة من هذه الأطعمة.
انفولنزا الخنازير
كان هذا النوع من الإنفلونزا هدية جديدة لوسائل الإعلام والصحفيين ليملؤوا رؤوس الناس بهستيريا تهدد الصحة العامة، فقد اختلقت العديد من الصحف أرقاما مريبة ومرعبة لانتشار عدوى انفلونزا الخنازير منها موت قرابة 250000-500000 شخص بسبب الإنفلونزا العادية فما بالكم بانفلونزا الخنازير! وتبين الهدف في النهاية أنه تجاري بحت يهدف إلى إرباك الناس من خطر تضرر الصحة العامة بالفيروس والترويج للقاح فيروس H1N1 والإسراع لشراء هذا العقار مهما بلغ ثمنه!
لقاح MMR (الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية)
من جديد تفجرت المخاوف من تهديد الصحة العامة بسبب لقاح MMR الذي روّج البعض إلى ارتباطه مع الإصابة بمرض التوحد على يد “أندرو ويكفيلد” عام 1998، وقتها انتشر الذعر بين الأهالي وانخفضت معدلات التطعيم ولا تزال آثار هذه الشائعة تسيطر على الكثيرين فيما يتعلق بمخاوف الصحة العامة على الرغم من فقدان مصداقية هذه الرواية منذ فترة طويلة.
مرض جنون البقر
لعل أبرز مخاوف الصحة العامة التي شهدها القرن هي هستيريا جنون البقر الذي انتشر في منتصف التسعينات في المملكة المتحدة، ولكنها كانت فرصة مناسبة لوسائل الإعلام للتهويل حول هذه الحمى الجديدة التي تصيب البشر بعد تناولهم لمنتجات الأبقار، وعلى الرغم من سعي الحكومة البريطانية لإقناع الناس بالسيطرة على العدوى ووضع حد لانتشاره، كانت الدعاية الإعلامية للمرض ساعدت بخلق رعب بتأثير منتجات الأبقار على الصحة العامة والتي قد تؤدي للموت.
المصادر