هذا المقال مخصص للكبار فقط والذين يتحملون مشاهد الرعب التى سأرويها فيه نقلا عن مصادرها دون أى مسؤولية عليَّ فإلى المشهد الأول: «لم يمض سوى يومين فقط على التحاق الجندى الأميركي جورج أندرياس بوجانى بوحدته العسكرية للعمل مترجما ومحققا مع القوات الأميركية الخاصة فى العراق حتى حدث ما لم يكن فى حسبانه، فقد شاهد جثة قتيل عراقى داخل حقيبة لنقل الموتى، وكانت جثة القتيل العراقى مقطعة إلى جزأين تقريبا، وكان بها فجوة كبيرة.
فى حين تحول صدر الرجل القتيل إلى مجرد قطع من اللحم، لم يتحمل بوجانى المشهد، لكنه حاول عدم التفكير فيه، لكن بعد ساعات قليلة عاد المشهد إلى ذاكرته بل هاجمه المشهد بعنف، فأصابت بوجانى حالة من الرعشة والقيء، فحاول أن ينام لكن النوم هرب منه، فاعتقد بوجانى أنه على حافة الأنهيار العصبى، فعرضت حالته على أطباء نفسيين تابعين للجيش فنصحوا بأن ينقل من وحدته الخاصة إلى وحدة عسكرية أخرى مهامها أقل ضغطا للأعصاب.
حتى يتخلص من نوبات الذعر التى يتعرض لها، وعندما كاد بوجانى يبدأ فى تنفيذ النصيحة قام قائده المباشر بتوبيخه وإهانته أمام جنود أقل منه رتبة، ونزع منه أسلحته وأعاده إلى أميركا للمحاكمة أمام محكمة عسكرية بتهمة من أخطر التهم التى يمكن أن توجه لجندى أميركى فى ساحة المعركة وهى تهمة الجبن، وهذه التهمة قد تصل عقوبتها إلى الأعدام»، هذه القصة ليست من نسج الخيال بل نشرتها صحيفة بريطانية رصينة ودقيقة هى صحيفة الأندبندنت فى عدد الأثنين 12 يناير الجارى 2004.
وفى عدد 13 يناير من مجلة نيوز ويك الأميركية ظهرت صورة لضابطة أميركية ترتدى الزى العسكرى أخذت مساحة قرابة الصفحتين من المجلة حيث ارتسمت على وجه الضابطة كثير من القصص والمعانى التى يصعب شرحها، إلا أن الصحفيين الأميركيين اللذين أعدا التقرير رود نورد لاند وتى ترنت جيفاكس لم يمهلانا كثيرا لنفكر فيما أقدمت عليه إدارة تحرير المجلة فى وضع تلك الصورة بذلك الحجم الكبير فى مجلة تعتمد على الكتابة أكثر من الصورة.
فقد بدأ التقرير بقصتها «السيرجنت كيم إيمرز تدرك الآن لماذا لم يكن والدها يتحدث عن الفترة التى قضاها جنديا فى فيتنام، وهى بدورها لا تعتقد أنها ستبوح بالكثير عن تجربتها خلال الحرب حين تعود من العراق حيث تتمركز مع فرقة المشاة الرابعة فى بعقوبة، كانت أسوأ لحظة بالنسبة إليها، عندما تعرضت قاعة الطعام التى ترتادها إلى قذيفة هاون فى قاعدة اللواء الثالث خلال وجبة للعشاء، وتقول»: لقد فقدت أعصابى، ومع ذلك فإن عائلتها لم تسمع بالحادثة حتى الآن.
كانت قاعة الطعام عبارة عن مبنى مزود بسقف من القماش، أحدثت قذيفة الهاون ـ وهى واحدة من تسعين قذيفة تعرضت لها إيمرز خلال خدمتها فى العراق منذ أكتوبر 2003 ـ أحدثت حالة من الهلع حين تدافع الجنود خلال محاولتهم الخروج من الباب، وقد نقلت إيمرز إلى إحدى وحدات علاج التوتر القتالى والتى تنتشر بين صفوف الجيش الأميركى فى العراق للعلاج.
لكن السيرجنت جانيس سميث التى تتمركز فى إحدى أسخن المناطق داخل المثلث السنى والتى تتعاطى حبوبا لمعالجتها من التوتر والقلق حتى تستطيع العودة للحياة الطبيعية تقول:
لا أعلم إذا كان بمقدروى العودة للحياة الطبيعية بعد الآن، من الصعب عليك ألا تشعر بالتوتر حين يموت الجنود من حولك بشكل يومى. أما الكابتن غلين بالمر فقد روى بعض القصص لكن أكثرها رعبا كانت أسوأ لحظة بالنسبة إليه حين كان يعطى التنفس الأصطناعى من خلال الفم لضابط أصيب برصاص قناص حين كان جالسا فى المقعد الخلفى لسيارة الهمفى العسكرية، واصل بالمر النفخ فى فم الضابط.
لكنه فجأة شعر بالرعب حينما سمع صفير أنفاسه تخرج من ثقب فى رأس الضابط الضحية، ويقول بالمر الذى يعمل قسا فى الجيش الأميركى «لايزال من الصعب علي التخلص من ذلك الطعم» إنه طعم الموت من فم شخص تحاول بث الحياة فيه، ويضيف بالمر الذى عاش مرحلة الكوابيس إن لديه ذكريات لن يتمكن من محوها على الأطلاق «لقد دفنت أطفالا رضعا ممن وجدوا فى مرمى النيران.
وأمسكت بأيدى جنود جرحى بينما كان الأطباء يحاولون إنقاذ أعينهم وأرجلهم لكن الأصعب بالنسبة لى كان محاولة إعادة التنفس للضابط الجريح الذى قضى فى ميدان المعركة» ومن التوترات التى يعانيها الجنود الأميركيون فى ميدان المعركة ـ حسب تقرير نيوزويك التهيج المفرط والحاجة للتبول بشكل متكرر والأسهال، والشعور بالتنميل فى الأطراف.
وعدم القدرة على النوم وفقدان الشهية والوزن ورغم أن كثيرا من الجنود يعالجون فى ميدان المعركة إى أنه حسب نيوزويك فقد عزل ما مجموعه 583 جنديا حتى بداية يناير 2004 فى العراق أو أعيدوا إلى ديارهم لتلقى العلاج من جراء الأضطرابات النفسية الكبيرة التى يعانون منها، لكن آخرين لا ينتظرون العلاج وإنما يقررون الانتحار.
أحمد منصور