مسكينة هي الخراف، محكوم عليها أن تذبح دائماً دون ان يكون لها حق الاعتراض، أو حتى اظهار الألم، تماماً مثل كثير من الشعوب المغلوبة على أمرها.
حظ الخراف ليس سيئاً مع الجزارين فقط بل مع عوامل الطبيعة أيضا، وحالها يدعو للشفقة مقارنة بحيوانات أخرى متجبرة كثيرة.
قبل أيام ظل خروف مصري تحت انقاض عمارة مدينة نصر المنهارة لمدة تزيد على 40 ساعة، انشغل عنه الجميع باخراج البشر، صاحبه الذي وضعه أسفل العمارة كي يذبحه خلال عيد الأضحى نسيه تماما بفعل الكارثة، وعندما أخرجوه حياً، تعرض للذبح بعدها بأيام قليلة خلال العيد تطبيقاً لمقولة «تعددت الأسباب والموت واحد» أو «من لم يمت بانهيار العمارة مات بساطور الجزار».
في مقابل استسلام الخراف أو الاغنام لقدرها المحتوم نجد الأمر مختلفاً مقارنة بالجاموس مثلاً.. مواطن مصري آخر ولكن هذه المرة من بورسعيد، اشترى جاموسة كي يضحي بها، ونظراً لخوفه على صحة هذا الحيوان الضخم من الامطار الغزيرة والبرد القارس أو السرقة، لم يتركها اسفل العمارة او في مكان يليق بها، وقرر الرجل في حركة غير مسبوقة أن يصعد بها ويستضيفها داخل شقته الموجودة بالدور الرابع في حي المناخ بالمدينة، ونفذ فكرته فعلاً بمساعدة اسرته وجيرانه..
لم تمض ساعات حتى أصيبت الجاموسة بحالة شديدة من الهياج وعاثت في الشقة تدميراً، ولانها حيوان يعشق الحرية ولا يقبل بالاستسلام، قررت القفز من شرفة الشقة لتسقط على مواطن غلبان شاء حظه العاثر أن يمر من أمام عمارة هذا الرجل الذكي! فأصيب المسكين بشبه ارتجاج في المخ!
ما فعلته الجاموسة لا يفعله كثير من مواطني العالم الثالث الذين رضوا بالاعتقال والحبس في «شقق الحكومة وبناياتها»، تمهيداً لذبحهم بوسائل مختلفة قد لا يكون الساطور فقط احداها!
نبقى مع الخرفان فهي على الأقل لا تضر أحداً، ويضرب بها المثل في الوداعة واللطف والاستسلام لدرجة انه اذا اردت اهانة شخص ونعته بالجبن ناديته بالخروف.
هذا الخروف المسكين تحول إلى أزمة داخل معظم البيوت العربية والاسلامية قبل وخلال عيد الاضحى.. الجميع يتمنى تطبيق السنة النبوية بشراء أضحية.
لكن وبفعل الحالة الاقتصادية المتردية لغالبية هذه الشعوب تحول الأمر الى كابوس مخيف لهذه الطبقات المطحونة وبدأنا نسمع عن مشكلة سنوية عنوانها الدائم هو أزمة الخرفان مع قدوم العيد حيث تطارد المواطن محدود الدخل في كل مكان من المنزل للعمل، بل وصلت الى الانترنت بعد قيام موقع مصري كبير بوضع خدمة «خروف اونلاين» بحيث يصلك الخروف للمنزل عبر الشبكة بعد ان تطلب كل ما تريده من مواصفات!
في الامارات شاهدنا كيف أن بعض التجار يستغلون المناسبة لتحقيق اكبر قدر من الارباح باعتبارها مناسبة لا تتكرر الا مرة سنوياً حيث وصل سعر الخروف الى 700 درهم ويشاركهم في ذلك الجزارون او اللحامون حيث يطلب بعضهم 100 درهم نظير قيامه بعملية الذبح، والتقطيع وهو مبلغ يساوي سعر خروف او «علوش» في بلدان اخرى.. في البحرين قفز سعر الخروف العربي وكذلك المستورد من سوريا ليصل الى 70 ديناراً، وفي السعودية يبلغ متوسط السعر 500 ريال.
لكن الوضع في دول عربية أخرى كثيرة يتجاوز «استغلال التجار والجزارين» الى سوء الوضع المالي للدرجة التي دفعت البعض الى شراء الخروف بالتقسيط أو نسيان الأمر تماماً والتضحية بدجاجة كما حدث في مصر، الذي قفز فيها سعر الخروف الى حوالي 750 جنيها «حوالي 100 دولار»، وتحولت تجارة الاغنام فيها الى اكثر المشروعات ربحية.
الامر نفسه بالنسبة للشراء بالتقسيط على دفعات سنوية حدث في تركيا والغريب ان عميد كلية الشريعة في جامعة مرمرة باسطنبول سبق له ان افتى بجواز ان تكون الاضحية فرخة او بطة او حتى ديك للفقراء غير القادرين مثيراً ضجة لم تشهدها البلاد، فتصدى له غالبية العلماء مؤكدين ان الاضحية سنة وليست فرضاً أو واجباً، لكن اذا قام بها المسلم وجب عليه الالتزام بقواعدها الصحيحة .
والا اصبحت صدقة موضحين ان الاضحية يجب ان تكون خروفاً او ماعزاً أو ضأناً وعمرها عاماً أو بقر وإبل وعمرها عامان، رغم ان فتوى حديثة للازهر اكدت انه يجوز التغاضي قليلاً عن عمر الاضحية اذا كانت صغيرة السن لكنها كثيرة اللحم بفعل تطور انواع الاعلاف.
ورغم صعوبة الأحوال الاقتصادية في مصر وتركيا وبلدان اسلامية كثيرة بما فيها حتى الصومال، فان حال الخرفان هناك افضل حالاً مقارنة بالوضع في العراق وهو ما يؤكد أن الاحتلال لم يدمر البلد فقط بل طال الحيوانات ايضا.. غالبية الشعب أصبحت عاطلة عن العمل وسعر الخروف قفز من 30 الف دينار قبل الاحتلال إلى 200 الف بعده «الدولار يساوي 1250 ديناراً تقريبا» والسبب الرئيسي هو تصديرها لدول الجوار.
الوضع برمته لخصه مواطن عراقي في رده على سؤال لصحف عن نوع الاضحية فقال له: «لا املك منزلاً ولا عملاً، واللحم لا اتذوقه الا مرة كل ثلاثة شهور مثل كثير من الناس، وأنت تسألني الآن عن نوع الأضحية؟! سيدة اخرى قالت انها ستذبح فرخة وتوزع بعضاً منها على الجيران مطلقة شعاراً مؤلماً بالقول «لقد ولى زمن ذبح الخراف».
ومثلما الناس مقامات فالخرفان كذلك، وهكذا فالمسلمون في كل أوروبا مطالبون بابداء اكبر قدر من الاحترام والمعاملة الطيبة للخروف حتى يحين أجله من ضرورة المبيت في مكان مخصص او حظيرة وليس في الهواء الطلق، وأن يذبح في مسلخ مرخص وعلى يد مختص وليس أسفل المنزل، أما اطرف ما يمكن تصوره فهو المشكلة التي تواجه احياناً بعض مسلمي السويد وعددهم 400 الف شخص..
هؤلاء وبعد ذبح الاضحية وتطبيقاً للسنة بتوزيعها الى ثلاثة اقسام متساوية ثلث للأسرة وثلث للأقارب وثلث للفقراء، لم يجدوا فقراء يوزعون عليهم الأضحية، والسبب ان السويد خالية من الفقراء لانه حتى العاطلون عن العمل يتلقون مرتبات ثابتة من الحكومة تكفيهم الشهر بأكمله، ولذلك فغالبية الاضاحي في السويد ومعظم الدول الاسكندنافية تجد طريقها لبعض البلدان العربية والإسلامية الفقيرة.
الكلمات السابقة بأكملها ليست رثاء فقط للخراف وتعاطفاً معها، فهي في النهاية حيوانات خلقت كي تذبح وتؤكل، لكن مايثير الشجن هو أن بعض القوى الخارجية بدأت تتعامل معنا كعرب ومسلمين كخراف.
ليس في الأمر هزلاً، فالكاتبة الأميركية آن كولتير قالت في نوفمبر قبل الماضي «ان الاميركيين لا يرغبون في ان يكونوا محبوبين من المتزمتين المسلمين، نحن نرغب في أن نرى هؤلاء أمواتاً، فقبل 57 عاماً كان اليابانيون يكرهوننا، لكن بضعة قنابل ذرية القيناها عليهم، حولتهم الى اناس لطفاء مثل الخرفان»!!
تلك هي بالنص كلمات الكاتبة الأميركية التي تريدنا أن نكون لطفاء مثل الخرفان، نتحرك لقدرنا وذبحنا راضين ومبتسمين، والا فبضع قنابل نووية ستعالج امرنا!
هل انتهى زمن الخرفان وولى كما قالت السيدة العراقية العاجزة عن شراء أضحية، أم فعلاً دخلنا في هذا الزمن، قبل ان نعيش مرحلة «الديك الرومي» التي دشنها الرئيس الأميركي جورج بوش في زيارته السرية لبغداد وثبت فيما بعد أنه ديك بلاستيك شأن كل سياسات الاحتلال في كل زمان ومكان.
الخشية الأكبر أن يستمر بنا التدهور لنصل الى زمن ومرحلة النعاج!!
وكل عام وانتم بخير