رسائل المجموعة

شهادة عن جدارة – قصة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
====================
(( شهادة عن جدارة))

-" (مها) .. هل تسمعيني .؟!".
أيقظني سؤالها.. فقلت:-
-" أجل ..".
-" هل ستحضرين .؟!".
-" بالتأكيد .".
وأنهيت بعدها المكالمة .!
هذه رابع صديقة يعقد قرانها لهذه السنة ..!
فرحت لها من كل قلبي .. فهي بالنسبة لي أكثر من أخت ..
كثيرًا ما تقاسمنا أفراحنا وأتراحنا معًا .. هي مكمن سري وأنا موطن ثقته
إذًا لم جثم الحزن على قلبي فجأة .؟!. لم وُئدت الفرحة في نفسي .؟!
أهي الغيرة ..!!.. أيكون الحسد ..!! لا .. لا يمكن !
بل هي الغيرة ..نعم .. أغار منها .. وأحسدها أيضًا ..!
كلهن تزوجن عداي أنا ..!
كلهن يتحدثن عن غدوهن ورواحهن إلى أسواق الذهب ومحال الأثاث ..
كلهن يتباهين بسفراتهن في شهر العسل ..
كلهن .. صديقات الطفولة .. زميلات الدراسة .. وحتى بنات الجيران ..!
كلهن .. إلا أنا ..
حبيسة جدران أربعة .. تؤنسني كتبي .. وينادمني مصباحي ..
سمئت الأنين .. ومقارعة الأسى ..
لِمَ تأخر القطار .. هل أضاع طريقه .؟! أم أنا من ضل طريقه .!!.
أجيبيني ..
لقد سرت خلفك حتى أضناني التعب.. جاهدت وناضلت حتى نلتك .. سهرت حتى تعتلي صدر غرفتي..
حتى يقال الدكتورة .. الأستاذة ..
آآآه .. لم أقصد الرفض القاطع ..!
كل الذي أردته هو التأجيل فقط ..
أن ينتظر ..!!!
-" أكرهك .. أكرهك ..".
صرخت بها وأنا أنتزع الكابوس من على الحائط ..
حطمتها .. دستها بقدمي .. علّي أرتاح ولو قليل
لم أعد قادرة على التماسك ..
إني أضعف .. أنهار ..!!
ولأول مرة .. استسلمت لبكاء مرير..
====================
عادت للبكاء ثانية ..
لابد أنها دعوة أخرى لحفل زفاف ..!
يا إلهي ..!!
إنها تنهار أمامي .!
زهرتي الصغيرة تذبل .!!
لا يمكن أن أفقد ابنتي الوحيد بهذه البساطة .. يا إلهي ..! ساعدني ..
ليس باستطاعتي تركها تنوح وحيدة على سريرها ..!!
دفعت باب غرفتها وارتميت إلى جانبها .. أشاطرها البكاء ..
-" يكفي يا ابنتي .. يكفي .. لقد أهلكت نفسك ببكائك هذا ..".
سالت دموعها حرى على صدري .. تنشج بحرقة ..
لم تكن تفصح عن كل هذه الآهات الحبيسة .. تأبى أن أراها – أنا أمها ..!! – باكية ..!!
-" أمي .. لا أريد الشهادة .. لا أريد المال .. لا أريد شيئًا .. فقط .. دعيني أكون كالأخريات .. أمي … أرجوك .. أمـ ..".
آه يا قرة عيني ..ليس بيدي .. ليس بيدي …
ارحمي نفسك .. وكفي عن البكاء .. لقد بُحَّ صوتك ..!!
لا تحرقي قلبي أكثر .!.
كنت حمقاء .. غبية .. ظننت طوابير الخطاب لن تنقطع ..
فسامحيني يا ابنتي ..
أعمت المظاهر بصيرتي .. خِلْتُ السيارة الفارهة .. والقصور الفخمة .. والثروة الطائلة .. أساس السعادة ..!!
سامحيني يا ابنتي ..
لا أملك سوى البكاء معك .. والمسح على رأسك .. عساني أخفف من همك .!
أبقيت على مشاعري طي الكتمان .. فأنا لا أملك الشجاعة لأصرح بها .!!
أما (مها) ..فقد أعياها البكاء .. وأضناها التعب ..
فارتخت قبضتها .. وراح صدرها يعلو بانتظام ..
-" نامي يا ابنتي .. نامي .. عسى أن يكون في الغد الراحة التي ترجينها".
===================
الهدوء يعم المكان .؟!
أين ذهبتا ..!!
عدت لتوي من العمل .. وليس من عادتمها التأخر في استقبالي ..!!
-" (عائشة) .. (مها) .؟!.".
لم تجيبا .!!.. ما الأمر ..؟!
بحثت عنهما في غرف المنزل حتى سمعتها ..
-" أمي .. لا أريد الشهادة .. لا أريد المال .. لا أريد شيئًا .. فقط .. دعيني أكون كالأخريات .. أمي … أرجوك .. أمـ ..".
واحسرتي على ابنتي ..!
لا تلومي سواي .. ضيعت مستقبلك .. ودمرت حياتك .!!
ما كان عليّ أن أردّهُ لمجرد أنه موظف عادي ..
أو أنهر الآخر لأنه لا يطيق المهر الذي طلبته ..
ضيقت عليهم .. بالغت في شروطي حتى يخلو الطريق لابن عمك .!! آه من ابن عمك ..!!
وكان هذا هو خطئي .. أجل ..
أخطأت حين وافقتك على تقديم الدراسة على الزواج ..!
أخطأت عندما جاريت والدتك في مطالبها وشروطها التعجيزية .!
أخطأت لما خُدعت بالتقاليد السقيمة .. وأن (( ابنة العم لابن العم )) ..!
لكن .. لا يجدي الندم الآن ..
لن تعيد الحسرة الزمن إلى الوراء ..
انسي يا ابنتي .. انسي .. أو تناسي ..!!
صعب .!!
أعلم .. لكنه الحل الوحيد ..
-" (حسن) .. متى وصلت .؟!".
تنبهت على (عائشة) تغلق باب الغرفة وهي تنظر إلي بدهشة ..
-" قبل قليل .. كيف حالها الآن ..؟!.".
لم أرغب في تقليب المواجع .. لكن السؤال قفز رغمًا عني ..!!
-"لقد نامت لتوها .. لكن يا (حسن) .. يجب أن نفعل شيئًا لمساعدتها ..".
-" لا نملك سوى الدعاء لها بالصبر .. ولابن عمها بالهداية .. عسى أن يكف عن عبثه .. ويطلبها للزواج .. فهوا أملنا الوحيد .".
ترقرقت عيناها بالدموع .. التي سرعان ما سالت على وجنتيها ..
آه .. لا تبدئي أنت أيضًا ..
ناولتها حقيبة يدي واتجهت إلى غرفتي ..
-" والغداء .؟!".
قالتها وهي تمسح دموعها بيد مرتجفة ..
-" لا شهية لي ..!".
نعم .. لا شهية لي .. على الأقل ليس بعد الذي رأيت وسمعت ..
أتغدى ..!! .. وابنتي تجرع كاس المرارة الذي أسقيتها بيدي ..
آه .. يا رب .. لطفك بنا ..
===============
عليَّ أن أختار ثوبًا مناسبًا .. هل أرتدي الأزرق أم الأحمر .؟! ..
لقد وعدتها بحضور حفل الزفاف ..! ولم يعد أمامي أي سبيل للتراجع ..!
تأملت نفسي في المرآة .. وجب أن أكون أنيقة .. وألفت أنظارهن إلي ..
كما لا يجب أن أبدو ضعيفة أمامها .. فأن الأجمل .. والأقوى ..
لا .. لا أستطيع .. لا ..لا ..
كيف أبتسم وقلبي يحترق كمدًا ..!!
لن أحتمل رؤيتها بثوبها الأبيض .. أنا أحق منها به .. أنا .. أنا ..
ارتميت على سريري أدفن وجهي بين ذراعي .. أصبحت أنفعل بسرعة .. وأبكي كيثرًا .. يا إلهي .. لم أعد (مها) التي يستعصي على أي موقف أن يبكيها…
-" (مها) ..! ما الأمر يا ابنتي .؟!".
إنها أمي ..!!
لا .. لا يجب أن تراني باكية .!. مسحت دموعي قبل أن تراها .. والتفت إلى المرىة .. أتظاهر باستكمال زينتي ..
فقد كنت مرتبكة لا أدري ما أفعل ..!
-" (مها) .. لست مجبرة على الذهاب .. بإمكاني الاتصال بصديقتك والاعتذار منها .!".
لا .. إن فَعَلَت ذلك فستدرك (صفاء) الحقيقة ..!!
وسيشمتن بي !!!
-" لا يا أمي .. أنا جاهزة وعلى استعداد للذهاب .. وماذا عنك .؟!".
-" أجل يا ابنتي ..".
تنهَّدَتْ في يأس ..! .. آسفة يا أمي .. لكن يجب أن أحافظ على مكانتي بينهن ..!!
أخذت نفسًا عميقًا وتقدمتها مغادرة الغرفة ..
-" هيا بنا إذن .. أبي في انتظارنا ".
==============
عنيدة مكابرة كعادتها .!! .. ترفض أن يقال الضعيفة ..
تظنني لم أرها .. تظنني لم أسمع نشيجها .. إلا أني أعلم عنها كل شيء..
جاريتها .. لأعرف أين ستصل بعنادها وإصرارها على تعذيب نفسها ..!
ذهبنا إلى العرس .. وعلى الرغم من اختيارها طاولة تبعد كثيرًا عن المنصة إلا أن عينيها لم تفارقاها..
تحلم .. بالتأكيد أنها تحلم الآن باليوم الذي تجلس فيه هناك ..!
وأنا أيضًا أنتظره بفارغ الصبر .. لأقف بفخر .. لأقول انظروا.. هذا هو القمر الذي ادخرت حسنه لهذا اليوم .. قمــ ..
-" أمي ..!! لم تبكين ..؟!.".
وكيف لا أبكي ..
فكما يبدو أن هذا اليوم لن يأتي ..
ولن أفرح كبقية الأمهات ..
=============
وصلنا إلى القاعة.. فاخترت طاولة بعيدة بعض الشيء عن منصة العروس ..!
لكني لم أستطع رفع عيني من عليها .. لِمَ .. لا أدري .. حاولت .!. إلا أني فشلت ..
ولابد أن أمي قد لاحظت ذلك .. فقد شعرت بها تحدق في وجهي بثبات ..!
التفت إليها .. ويا للمفاجأة .!!
إنها تبكي ..
-" أمي ..!! لم تبكين ..؟!.".
تنبهت عليّ وقد أبديت غضبي من فعلتها..! فأخذت تمسح دموعها بصمت ..
شعرت بالأسف على حالها .. إنها تبكي حرقة عليّ ..! .. آه ما أقسى أن يبكي الناس حزنًا عليك ..
-" أمي أنا آسفة .. لم أقصد نَهْرَك .! لكني لا أحب أن أراك باكية .. كما أنك هنا في حفل عرس .. فلا يجدر بك البكاء !!".
أومأت برأسها متفهمة .. فقبّلتها على رأسها وشرعت في التسرية عنها ..
فضاعت دمعتها خلف ابتسامة رقيقة علت على شفتيها ..
-" هكذا يجب أن تكون أفضل أم في العالم .. ضاحكة مبتهجة".
ضحكت من كلامي .. فارتحت إلى أن لا غيوم تعكر الجو بيننا ..
تناولت كأس العصير .. فقد شعرت بجفاف في حلقي ..
-"(مها) .. أليست تلك صديقتك (عهود) وابنها .. ومعهم (أحلام) و(سعاد)..".
التفت إلى حيث أشارت.. بالفعل إنهن صديقات الطفولة ..
(عهود) التي تزوجت منذ خمس سنين .. ومعها ابنها ذو الأعوام الثلاثة ..!
و(أحلام) تزوجت بعد (عهود) بسنتين ..
و(سعاد) التي تمت خطبتها الشهر الماضي .. وعرسها بعد أسبوعين من الآن ..!
-" لِمَ لا تناديهن ليجلسن معنا ..؟!".
-" لا .. لا يا أمي .. !! (عهود) متبكرة ومتعالية .. و(سعاد) لا تحبني ولا أنا أحبها .".
اتسعت عيناها دهشة..
-" لكن يا (مها) .. لَمْ يكن هذا كلامك أيام الجامعة .. لقد كنت تمدحينهن لي و تحرصين على ..".
قاطعتها بعصبية واضحة ..
-" كُنت مخطئة .. لذا أرجوك يا أمي .. لا تنظري إليهن حتى لا يتعرفن عليك ويأتين إلى هنا ..".
-" (مها) .. أعلم أن غيرتك هي سبب كرهك لصديقاتك .. لكنه قضاء الله .. فلا تطلقي لسانك في غيبتهن ..".
إنها على حق ..!
لمحتنا (أحلام) فأشارت للبقية أن يتبعنها ..
فنهضت مرغمة لتحيتهن .. بينما تلهت أمي بمداعبة الصغير..
وبعد حديث قصير .. تشكّين فيه من متاعب الزواج والبيت والأولاد ..
وصلت (ريم) .. شقيقة (صفاء) .. حيت الجميع والتفتت إلي قائلة:-
-" (مها) .. (صفاء) بانتظارك .. وهي عاتبة عليك لأنك لم تأتي إليها مباشرة !".
لكزت (أحلام) (ريم) قائلة – بسخرية -:-
-" وماذا عنا .. أم أنها تتقرب من ملكة جمال المجموعة.".
ملكة جمال المجموعة ..!!
هل تعمَّدت إهانتي أم ماذا .؟!
شعرت بضحكاتهن كسكاكين تنغرز في قلبي ..!!
أظنني سأبكي ثانية ..
أرجوكن توقفن عن الضحك .. أرجوكن ..
-" (مها) ..".
رفعت رأسي ..
إنها أمي تنادي .. و(ريم) تمسك بذراعي تحثني على النهوض ..
-"اذهبي معهن يا (مها) .. ولا تقلقي بشأني .. سأبقى هنا مع (سالم) الصغير.!!".
أذهب .!!.. كيف تقولين ذلك يا أمي ..!!..
وإلى أين تريديني أن أذهب …؟!!
ألا ترينهن كيف يبتسمن في خبث .. أمي لا تتركيني لهن ..!
-" لكن ..!".
قاطعتني (سعاد) وهي تعاون (ريم) على سحبي :-
-" هيا يا (مها) .. كفاك دلالاً .. نحن أيضًا نريد أن نرى العروس..".
لم أستطع الرفض ..
سرت معهن وأنا ألقي نظرة أخيرة على أمي ..
لقد كانت سعيدة بطفل (عهود) ..!
سعيدة …!!!
==============
مضى على عرس (صفاء) شهران أو أكثر ..
وأنا على ما أنا عليه ..
وإن شئتم الصدق ..
فأنا أعتقد أن القطار لن يمر على المحطة الواحدة مرتين ..!
بل واثقة ..
فأنا قد نلتها عن جدارة ..
..
وبنظرة أخيرة على غرفتها قبل أن نغادر .. نرى أنها أعادت شهادتها الجامعية إلى مكانها .. وقد خطت عليها بخط عريض ..
عـــــــــانس .
=======
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :
-" أكثرهن بركة أقلهن مهورًا ".
-" إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى