هذه باقة جديدة من النوادر والمُلح في التاريخ والأدب انتقيتها لكم كما ينتقي أحدكم لبيته طيِّب الثّمر، اتمنى أن تجدوا فيها ما تأنسون به وتستفيدون منه.
-1-
حتى تجوع ببطن غيرك !
في (كتاب القضاة): قال سهل بن علي: كنت ألازم خير بن نعيم القاضي وأجالسه وأنا يومئذ حديث السن. وكنت أراه يتجر في الزيت، فقلت له: وأنت أيضاً تتجر؟! فضرب بيده على كتفي ثم قال: (انتظره حتى تجوع ببطن غيرك) فقلت في نفسي: كيف يجوع إنسان ببطن غيره؟ فلما ابتليت بالعيال إذا أنا أجوع ببطونهم.
-2-
قصة قولهم: كُفيت الدعوة
أصل هذا المثل: (كفيت الدعوة) أن بعض المُجَّان نزل براهب في صومعته، وساعده على دينه، وجعل يقتدي به، ويزيد عليه في صلاته وصيامه؛ ثم إنه سرق صليب ذهب كان عنده، واستأذن لمفارقته، فأذن له، وزوده من طعامه. ولما ودعه قال له: (صحبك الصليب) على رسم لهم فيمن يريدون الدعاء له بالخير. فقال له الماجن: (كُفيت الدعوة. .) فصار مثلاً لمن يدعو بشيء مفروغ منه.
– مجمع الأمثال للميداني
-3-
حجبت عني ضوء الشمس
قيل أن الإسكندر المقدوني سمع بديوجانس الحكيم الزاهد، فأراد أن يراه، فرحل إلى مدينة قورنته لرؤيته، فلما وصل ودلّوه عليه، وجده جالساً أمام الشمس في مكان رحب لوحده، فاقترب منه وقال: أنا الملك الإسكندر !
فأجاب: وأنا ديوجانس
قال الإسكندر: أما تهابني ؟!
فأجاب ديوجانس: وهل أنت طيّب أم سيء ؟
قال الإسكندر: بل إني طيب ومحبوب.
فأجاب ديوجانس: ومَن الذي يهاب الطيب !
فقال الإسكدنر: إني يا ديوجانس أعلم بحاجتك إلى أمور كثيرة، وأكون مسروراً إذا وُفِّقتُ لقضائها.
فأجاب ديوجانس: إذا عاهدني الملك على قضاء ما أرجو عرضت عليه ما شِئت.
فقال الإسكندر: لك عليّ ذلك العهد.
فأجاب ديوجانس: تَـحَـوَّل من هذه الجهة، فقد حجبت عني ضوء الشمس !!
-4-
استشهاد نادر في محله
خرج المجنون ( قيس بن الملوح ) مع أصحاب له يمتار من وادي القرى فمر بجبلي نعمان فقالوا إن هذين جبلا نعمان وقد كانت ليلى تنزلهما قال فأي ريح تهب من نحو أرضها إلى هذا المكان فقالوا الصبا فقال والله لا أبرح حتى تهب الصبا فأقام في ناحية من الجبل ومضوا فامتاروا له ولهم ثم أتوا فحبسهم حتى هبت الصبا ورحل معهم وفي ذلك يقول:
أيا جبلي نعمان بالله خَـلِّـيا … نسيم الصبا يخلص إلي نسيمها
فإن الصبا ريحٌ إذا ما تنسمت … على نفس مهمومٍ تجلت همومها
ويروى في ذلك أنه كان لأحد كبار الوعّاظ زوجة أسمها ( نسيم الصبا ) فاتفق أنه طلقها فحصل له عند ذلك ندم، فحضرت في بعض الأيام مجلس وعظه وجلست عند زاوية النساء، فحين رآها عرفها، فاتفق أنه جاءت امرأتان وجلستا أمامها فحجبتاها عنه فأنشد في الحال:
أيا جبلي نعمان بالله خليا … نسيم الصبا يخلصْ إلي نسيمها !!
-5-
جار أبي حفنيفة
قيل: إنه كان لأبي حنيفة جار إسكاف ( صانع الأحذية ) بالكوفة يعمل نهاره أجمع فإذا جنه الليل، رجع إلى منزله بلحم أو سمك فيطبخ اللحم أو يشوي السمك ويشرب معه الخمر فإذا دب فيه السُّكر أنشد:
أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا … ليوم كريهةٍ وسداد ثغرِ !!
ولا يزال يشرب ويردد هذا البيت إلى أن يغلبه السكر وينام، وكان الإمام أبو حنيفة يصلي الليل كله، ويسمع حديثه وإنشاده، ففقد صوته بعض الليالي فسأل عنه فقيل: أخذه العسس ( شرطة الليل ) منذ ثلاثة أيام وهو محبوس.
فصلى الإمام الفجر وركب بغلته ومشى واستأذن على الأمير فقال: أئذنوا له، فلما دخل على الأمير أجلسه مكانه وسأله عن حاجته ؟
فقال: لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ثلاثة أيام فأرجو أن تأمر بتخليته.
فقال: نعم، ثم أمر بتخليته؟
فركب الإمام وتبعه جاره الإسكاف فلما وصل إلى داره قال له أبو حنيفة: أترانا أضعناك ؟
قال الرجل: لا بل حفظت ورعيت جزاك الله خيراً عن صحبة الجوار ورعايته ولله عليَّ أن لا أشرب بعدها خمرا.
فتاب من يومه ولم يعد إلى ما كان عليه.
-6-
موعظة للفرزدق
أخاف وراء القبر إن لم يعافني … … أشد من الموت التهاباً وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائد … … … عنيف وسوّاق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى … … إلى النار مغلول القلادة أزرقا
يقاد إلى نار الجحيم مسربلاً … … … سرابيل قطران لباساً محرقا
-7-
جعلتني عجوزا في محراب !
رُويَ أن عبد الله بن أبي السمط أنشد بين يدي المأمون أبياتاً يمتدحه بها، فلما انتهى عند قوله:
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلاً … بالدين والناس بالدنيا مشاغيل
قال له المأمون: ما زدت على أن جعلتني عجوزاً في محراب، وبيدها سبحة!!
أعجزت أن تقول كما قال جرير في عمر بن عبد العزيز:
فلا هو في الدنيا مُضِيعٌ نصيبَه … ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله
-8-
صاحب النفس الأبية
قرأت هذا الخبر الجميل فأحببت أن أنقله لكم، وهو مذكور في كتاب الحديقة لمحب الدين الخطيب وهو بالمناسبة يكون خال الشيخ علي الطنطاوي رحمهم الله جميعاً، فإليكم الخبر :
دخل عمارة بن حمزة على أمير المؤمنين المنصور وقعد في مجلسه _ وكان ذا عزَّةٍ وثروة ونفس أبيَّة _ فقام رجل، وقال: مظلوم يا أمير المؤمنين، فقال: من ظلمك؟ قال: عمارة بن حمزة غصبني ضيعتي، فقال المنصور: يا عمارة قم فاقعد مع خصمك، فقال: يا أمير المؤمنين ما هو لي بخصم، إن كانت الضيعة له فلست أنازعه فيها، وإن كانت لي فقد وهبتها له، ولا أنزل عن مقام شرَّفني به أمير المؤمنين لأجل ضيعة !
-9-
إخلاص لا يخطر على بال
ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أنَّ أبا الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي لم يُظهر شيئاً من تصانيفه في حياته، وجمعها في موضع، فلما دنت وفاته، قال لمن يثق به: الكتب في المكان الفلاني كلها من تصنيفي، وإنما لم أُظهرها لأني لم أجد نية خالصة، فإذا عاينت الموت، ووقعت في النزع، فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها وعصرتها، فاعلم أنه لم يُقبل مني شيء منها، فاعمد إلى الكتب، وألقها في دجلة، وإن بسطت يدي، فاعلم أنها قبلت.
قال الرجل: فلما احتضر، وضعت يدي في يده، فبسطها، فأظهرت كتبه !
بقيَّةُ أقوامٍ من الغُرِّ لو خبتْ .. لظلَّت معدٌ في العلا تتسكعُ
إذا قمرٌ منها تَغَوَّرَ أو كبا .. بدا قمرٌ في جانبِ الأفقِ يلمعُ
-10-
من قصص الأمثال
– أوسعتهم سبأ وأودوا بالإبل ..
ذكر الميداني في (مجمع الأمثال): أن رجلاً من العرب أغير على إبله فأخذت، فلما توارَوا صعِد أكمة وجعل يشتمهم، فلما رجع إلى قومه سألوه عن ماله فقال: أوسعتهم سباً وأودَوا بالإبل. يضرب لمن لم يكن عنده إلا الكلام.
—
(( أسعد بمتابعتكم لما أغرّد به في تويتر .. من هنا > ))
شكرا لك اخي الفاضل فقد استمتعت جدا جدا واتمنى منك المواصلة …
بارك الله فيك ياأخ طلال على هذا الموضوع إلى الأمام والله معاك في أمان الله