الجزء الثالث
كان رحلتنا إلى زلمسي مهددة بالإلغاء بسبب عدم تمكننا من حجز سكن مناسب ، اقترحت على هاني اقتراحاً أحمد الله على أنه لم يوافقني الرأي فيه ، كنت أقول تلافياً لمشكلة السكن ، يمكننا زيارة زلمسي في الصباح والعودة في الليل ويساعدنا في ذلك طول فترة النهار حيث أن الشمس على تغيب إلا عند التاسعة إلا ربعاً ، ونحن نتحاور في ذلك كنا نتصفح موقع المسافرون العرب وهو الموقع الذي لا يمكن أن نستغني عنه أبداً طوال رحلتنا ، لفت انتباهنا موضوع كتبته إحدى العضوات المنتسبات للمنتدى حيث امتدحت فندقاً مشابهاً إلى حد ما اسلوب الفندق الذي سكنا فيه بمدينة " سالسبيرغ " ، المالك هو موظف الاستقبال وأبناءه وأشقائه هم العاملين فيه ، أعجبتنا صوره كثيراً وقررنا حجز غرفة مطلة على البحيرة الشهيرة في زلمسي .
في صباح اليوم التالي قمنا بعمل إجراءات الخروج من فندق سالسبيرغ ( اسمه pension gerl ) ، طلبنا سيارة تاكسي للتوجه إلى محطة القطار لقطع تذاكر سفر إلى زلمسي ، سائق التاكسي قدم اقتراحاً قد يبدو مقبولاً جدا ، اقترح أن يقوم بإيصالنا مباشرة بسيارته ( الفان ) إلى زلمسي بنفس أجرة القطار ، بحسبة بسيطة مع هاني من خلال حساب تكلفة التاكسي إلى المحطة وحمل الشنط وشراء تذاكر والانتظار ربما أكثر من ساعة حتى تحرك القطار ثم أخذ تاكسي آخر عند الوصول وجدنا أن السفر مع صاحبنا سيكون أوفر وأسهل ، يكفي عناء حمل الشنط والتنقل بها داخل القطار .
الطريق جاوز الساعة قليلاً وحينما دخلنا إلى الفندق قابلنا مالكه بكل سعادة كبيرة ، إلى درجة أن هاني عندما دخل الفندق ليتأكد من الحجز بادره صاحبنا بقوله ( أنت هاني ؟ ) .. كان سعيداً أن الحجز كان بالانترنت لأنه لم يدخل الخدمة للفندق إلا حديثاً ، الفندق كان رائعاً في الخدمة والموقع حيث يقع في مكان استراتيجي مطلاً على البحيرة الشهيرة والقمم الثلجية .
عندما دخلنا الغرفة توجهت إلى الشرفة مباشرة للتمتع بالمنظر الجميل ، قلت لهاني " يكفي أن أجلس في هذه الشرفة طوال مدة بقاءنا في زلمسي " ، تفاجأت بهاني يدخل الغرفة ويعود بكرسي آخر وهو يقول " اليوم مافيه طلعة .. يكفي هالمنظر " !
لن تنلام في البقاء حينما تكون شرفة غرفتك تطل على هذا المنظر
هذا الريف .. ولا بلاش !
أحضرت جهاز اللاب توب قرب الشرفة ليتمازج صوت فيروز مع جمال هذا المنظر الساحر ، بقينا طويلاً دون أن نتحدث ، لا تسمع سوى صوت الكاميرات حيث بقينا أن وهاني نصور المنظر الجميل ، وأنا الآن أكتب هذه الأسطر أتذكر ذلك المنظر بشكل أشبه مايكون بالحلم وأقول .. هل كنت هناك فعلا ؟
مضى وقت طويل ونحن جالسون في الشرفة ، كما يقولون " احلوت الجلسة " ، هاني تكفل – كعادته – في صنع كوبين من الشاي .
بعد فترة رغبنا في زيارة القرية والتجول بها ، تفاجأ بعدم وجود محطة باصات قريبة من الفندق ، قال المدير والمالك ، لا يوجد أصلاً شبكة للباصات لأن القرية صغيرة ولا تستحق ذلك ، في حال رغبتكم بزيارة الجهة الاخرى من القرية يمكنكم أخذ تاكسي من نوع آخر .. تاكسي بحري !
التاكسي البحري الذي ينقلك للضفة المقابلة
تجولنا في الجانب الآخر من المدينة رغم أن الشمس بدأت تميل للغروب ، أعجبتني شوارع زلمسي وهدوءها الكبير وطقسها الرائع الذي يميل للبرودة ، أو لنقل أنه يتحول إلى طقس بارد بعد غروب الشمس .. وحتى أكون أكثر صراحة .. فهو يتحول إلى طقس بارد جداً بعد التاسعة .
لقطة خارجية للفندق
الغرف من الداخل كانت مقبولة جداً
فندقنا الجميل لم نكن نتخيل موقعه بهذا الشكل
ألم أقل لك ستتعب من كثرة المناظر الجميلة ؟
قضينا طوال اليوم في التجول في البلدة الساحر ثم تناولنا وجبة بسيطة في أحد المطاعم قبل أن نعود إلى الفندق بالتاكسي البحري الذي ستستمتع به كثيراً وهو يشق بحيرة زلمسي بهدوء ، في اللبي الخاص بالفندق البسيط وفر صاحبه جميع وسائل الترفيه البدائية منها والحديثة ، فكما ستجد الألعاب البسيطة مثل الأونو وغيرها فوق ركن خاص بالألعاب ، تتوفر أيضاً شبكة انترنت سريعة لاسلكية .
جانب من شوارع زلمسي البسيطة جدا
بينما كنا جالسين نتصفح الانترنت مر صاحب الفندق بجولة تفقدية كعادته ، حاولت ملاطفته وفتح باب للحديث بيننا وبينه فقلت له " الجو بارد جداً في هذه القرية " رد بجواب بسيط مع ابتسامة سخرية " وش رايك يعني .. أنت في قمم جبال أوروبا هل كنت تتوقع أن الطقس سيكون حاراً ؟"
علق هاني على مداخلتي " والله من زين السواليف بعد يا أحمد ".
في اليوم التالي أفطرنا في الفندق معتمدين على الكروسان ومربى الفراولة ، فيما بقية الوجبات كانت جميعها تتضمن لحم خنزير ، والبيض قد نفذ على حد قول المسؤولة عن المطعم .
هاني وإطلالة على بحيرة زلمسي
عدنا إلى الغرفة وإلى التمتع بالمنظر الجميل الذي تطل عليه شرفة الفندق رغم أن الجو كان يميل للبرودة ، للأسف كان تأخرنا في الاستيقاظ من النوم قد فوت علينا رحلات الباصات السياحية إلى المناطق المحيطة بزلمسي ، لذلك فضلنا ركوب التاكسي البحري والانتقال إلى الضفة الأخرى والبحث أي فعالية نقضي بها نهارنا .
قف إشارة حمراء .. قطار يقطع الشارع !
قال لي صديقي وأنا ألتقط هذه الصورة : ودك يجي قطار وراك ويطيرك !
فضلنا المشي على أطراف البحيرة وشراء تذاكر لمدينة ميونخ الألمانية ( محطتنا الرابعة ) ، بينما نحن نقترب من محطة القطار وجدنا لوحة بعنوان ( ميني قولف ) ابتسم هاني وطالبني بالتحدي ، قلت لهاني في ماليزيا لعبنا البولينج وانتهت بخسارتي بنتيجة تاريخية ، لكن الوضع الآن في النمسا سيتغير 180 درجة .
بدأنا لعب القولف وأظهر هاني احترافية كبيرة بينما واصلت مستوياتي المتدنية ، للأسف المباراة انتهت بنتيجة تاريخية أيضاً ، قلت لهاني " شكلك معك واسطة في لعبة القولف " ، رد بسرعة " متى بعمرك فزت علي " !
واصلنا المسير على أطراف البحيرة ثم جلسنا لفترة طويلة على إحدى الجلسات المخصصة على طرف البحيرة تماماً .. كانت تلك اللحظات من أجمل لحظات الاسترخاء بعد عدد من الأيام التي قضيناها في المشي الطويل والتنقل من فعالية لأخرى .
كانت هناك ( مناظير ) على أطراف البحيرة تعمل من خلال قطع معدنية لرؤية الثلوج والقمم الجليدية في الجهة الأخرى ، كنت متحمساً لهذا المنظار بشكل كبير وسبقت هاني وأنا أركض كي أكون أولاً ، وضعت قطعة ( يورو ) في المكان المخصص ولكن حدث أن المنظار لم يعمل وإنما الذي عمل هو التسجيل الصوتي الذي يعطيك نبذة عن البلدة الصغيرة ، استعجالي المبالغ فيه لم يمكنني من التفريق بين تشغيل الشريط الصوتي أو تشغيل المنظار .. وضاع اليورو في تسجيل صوتي حول زلمسي باللغة الألمانية ، بينما المنظار بقي مغلقاً رغم محاولاتي المستميتة لإلغاء التسجيل وإعادة اليورو .
قلت لهاني : كنت أسمع بعبارة منظر يجعلك تبكي ، هنا سأبكي ياصاحبي !
فندقنا يبدو بعيداً من الجهة المقابلة
كم هي جميلة تلك البحيرة في زلمسي
المياه والخضرة في كل مكان حتى في الشوارع
توجهنا بعدها لصعود التلفريك والوصول إلى أعلى قمة في الجبل ، لكن صادف ذلك اليوم وجود أعمال صيانة أجبرتنا على المشي والتعمق داخل زلمسي بشكل أكبر ، حتى بدانا نشعر بالتعب لنعود مرة أخرى إلى وسط القرية قرب المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي .
كثيرون من أصدقائي صنفوا هذه الصور بالأجمل طوال الرحلة.. قلت لهاني السبب واضح وجلي !!
رغم أننا لم نجد الصحف التي نعمل بها توزع في زلمسي ، إلا أننا كنا سعداء جداً بوجود مطبوعات عربية
اتجهنا للسوبرماركت لشراء بعض الاحتياجات ، تفاجأت بصاحبي يقرر شراء " معكرونة " وصلصة طماطم وهو يقول " ستكون وجبة عشائنا اليوم " ، نسيت أن أقول لكم أن غرف الفندق تتضمن مطبخ صغير وهو مايعطيه خاصية تفوق الفنادق المجاورة في زلمسي .
غني عن القول بأن معكرونة هاني لم يكتب لها النجاح ، حيث اكتشف لاحقاً بأنها ليست معكرونة عادية كالتي تباع لدينا في الرياض ، طعمها كان غريباً ، وزاد صعوبة معرفتنا بها بعدم وجود أي كتابة باللغة الانجليزية فوق العلبة رغم أن شكلها من الخارج يوحي بأنها معكرونة فعلا ، شكرت هاني لأنه اتبع ( الخطة ب ) حيث اشترى كرتون بيض صغير ، للتتحول وجبتنا ذاك المساء إلى بيض مقلي وشاي ليبتون لم ينقصنا سوى شطة " قودي " وخبز تميس !
المرء لا يلام بعد اجتهاده ياصاحبي …. بس لا عمرك تتعودها مرة ثانية
عند حلول المساء زادت برودة الطقس أكثر عدنا إلى الفندق لأداء الصلاة والجلوس في لبي الفندق وتبادل الأحاديث مع الزوار ومع صاحب الفندق الذي سجل ملاحظات هاني بعناية لتقوية بث الإرسال اللاسلكي لشبكة الانترنت .
( الأحيمر ) صاحب الفندق سينفذ جميع طلباتك حتى لو استدعى الامر لو تطلب وجبة مندي
عندما خرجنا عرفنا بأن الفندق تأسس في عام 1860 !!
بصراحة كنا نرغب البقاء أكثر في هذه المدينة الرائعة لمدة أكثر لكن خطة سير الرحلة تقتضي أن ننتقل في اليوم التالي إلى مدينة ميونخ الألمانية ، فإلى اللقاء قريباً في الجزء الرابع وحديث حول مدينة ميونخ .
لكم تقديري ،،
أحمد
* للتنويه سيكون هناك جزء مخصص في نهاية أجزاء الرحلة عبارة عن أسئلة وأجوبة التي تم استقبالها من أعضاء قروب أبو نواف وستتضمن لقاء فيديو كذلك تعرض للمرة الأولى *