القرووب العزيز احببت ان اشاركمم هذه القصة الجميلة من قرآتي البسيطة
بطاقة عيد
كم يزعجني ذلك الطقس الشتائي بعواصفه الثلجية ورياحه التي أشعر وكأنها منشار ينحت عظامي فيتمكن منها,, كل شيء حولي كان يغشيه الجليد وتحوطه درجات
الانجماد إلا عقلي فهو مازال محتفظاً بحرارته ليشدني إلى التفكير بدقائق الامور,, كان الوقت فجر احد ايام يناير (كانون ثاني) في دنفر كولورادو
الامريكية,, صحوت لتوي علىصوت ناعم رخيم وهو يرتل القرآن ويتلوه بشكل يبعث على الخشوع,, كان الصوت يخترق سمعي فيشدني للانصات والتأمل لتلك العبارات
البليغة واذ قال نعمان لابنه وهو يعظه ما ان طرقت سمعي الآيات,, وقل لهما قولاً كريماً وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني
صغيرا حتى هتفت بغبطة وشوق عظيمين,, انه صوت أمي,, نعم صوتها الذي اعتدت على ان أصحو على نبراته الجميلة كل يوم ومنذ طفولتي وبالطريقة ذاتها,, لم تخطىء
مرة واحدة في التخطيط لبرنامجها اليومي فهي ترتل ما تيسر من القرآن الكريم ثم تصلي الفجر وبعدها تبدأ نشاطها اليومي المضني فتطحن وتعجن وتخبز,, و,,و,,
ومع ذلك كله فهي مسرورة الخاطر,, احتسيت فنجاناً من القهوة المركزة ثم تأهبت للخروج في تلك الساعة المبكرة لكنني لم أكن اعلم الى أين,, فقط أريد ان
اخرج,, وضعت فوقي معطفي بعد ان اكتسيت دثاراً ثقيلاً من الملابس الصوفية وخرجت في جولةحول حديقة البيت فلم يكن حولي غير السكون المطبق وسكاكين البرد
القارس تنهش في جسمي مخترقة كل الطبقات السميكة من الانسجة الصوفية,
فجأة وجدت نفسي اهرب من سياط الريح لأدلف داخل البيت والتصق بالمدفأة التي لم أشعر بوهج لهيبها إلا بعد ان ذاب دمي المتجمد,, ترى ماذا أريد؟ والى أي
مكان سأذهب هذا اليوم؟ ان شيئاً ما يؤلم داخلي ويقلق تفكيري,, لعله صوت امي لامحال,, فقد آثار شجوني وأجج نار شوقي,, وجلست افكر في هذه الانسانة
العظيمة واسأل نفسي,, ترى هل اعطيتها حقها من البر؟ الله وحده يعلم مدى طاعتي لها وتأثري بها وحبي لها,, تناولت قلمي وقصاصة ورق صغيرة ثم شرعت بنظم
أبيات من الشعر سأهديها لها بمناسبة عيد الاضحى والذي سيحل بيننا بعد اسبوع من اليوم,
انتهيت لتوي من نظم قصيدة عبرت من خلالها بما يجول بخاطري مطالعها
سلام الود ابعثه سخيا
ينث بزهوه عطراً نديا
دعوت الله عودة كل عام
بأفراح تسودكم مليا
علي ان اهرع الآن لاقتناء بطاقة مناسبة اسطر في داخلها أبياتي وأهديها الىامي التي ستطير فرحاً بتلك البادرة ولاسيما وانها تعشق الشعر,, لأخرج اذاً
فالوقت صار مناسباً للخروج والمحلات التجارية فتحت ابوابها رغم ضراوة البرد وقسوته,,وها هو ولدي يتأهب للذهاب الى الجامعة,, ولحسن الحظ ان محاضراته لن
تبدأ هذا اليوم قبل ساعة من الآن,, سبقني الى السيارة ثم ركضت كمن يحاول الهرب من حيوان ضخم مفترس متجنبة ذلك البرد الموجع لادلف إلى السيارة محتمية
بدفئها,, يا له من جو,, كل شيء تحول فيه الى جليد وربما انا الاخرى سأكون كذلك اذا ما أسرعت للالتجاء الى اقرب محل يقيني شر ذلك الا وهو السيارة,,
بعد ربع ساعة من الوقت وجدت نفسي امام اكبر المكتبات لأنزل مسرعة وادلف إلى داخلها خوفاً من البرد وحرصاً على الحصول على بطاقة العيد,, أما ولدي فآثر
البقاء في السيارة بانتظاري مؤكداً علي الا أتأخر وقفت امام عرض رائع من البطاقات مختلفة الاشكال والالوان فحيرني الاختيار,, انه قرار صعب,, كل بطاقات
الدنيا لن تقدر على حمل ذرة من مشاعر حب,, كيف لا وانا سأكتب الى امي التي حملتني وارضعتني ورعتني ثم دفعت بي لخدمة جيل كامل لأحذو حذوها واعلمهم
الحب ليكون مردود ذلك حباً,, وزعت نظراتي الفاحصة مابين البطاقات باحثة عن الأجمل فلم أجد أحلى من تلك البطاقة الانيقة المزركشة بالورد الابيض
والاصفر وقد كتب عليها أمي,, أشراقة العيد تطل من عينيك عبارة رائعة ترجمتها الى العربية وتعني الكثير مقابل مبلغ زهيد,, التقطتها بسرعة فائقة وكأن حشد
من الناس ورائي يحاولون اختطافها مني أو مد ايديهم لالتقاطها قبلي,, هرعت لاسلم ثمنها وقد تراقصت الافكار في رأسي وتشابكت وتضاربت,, كلها تقول,, كم قاسية
الغربة؟ ما ان مددت يدي محاولة تسليم قيمتها حتى قرع سمعي صوت لن اتبين مصدره وان كان مدوياً,, أجننت يا أمرأة؟
طريق بينك وبين امك طويل شاق لن يبلغه البريد,, انها تستقر في عالم آخر منذ زمن بعيد,, تلفت حولي فلم أر مخلوقاً,, سحبت يدي ببطء وضعتها على عيني
محاولة ايقاف فيضان الدمع لكن تياره كان جارفاً,, وعلىغرة وجدت نفسي اشبه بطفل صغير,, كنت مصرة انها موجودة ومعي وكان قلبي يصرخ بألم,, انها هناك
تنتظرني بوجهها الباسم الجميل وبقلبها الكبير,, الكبير,, نعم انها بانتظاري!،
وسحبت يدي عن البطاقة ثم خرجت من المكتبة الكبيرة وانا اجر اذ يال الخيبة والألم,, كان العرق يتصبب مني بغزارة,, تمنيت لو لفحة من الهواء البارد
لتخفف عني شدة ما انا فيه,, لكنني لم اجدها على الرغم من برودة الجو التي حولت كل شي الى,, جليد,
تعليق