في قصة مؤلمة ومريرة اتخذت أم قرارًا صعبًا ينهي حياة ابنتها الصغيرة. ولدت “نانسي فيتسموريس” 12 عامًا كفيفة، وغير قادرة على الحركة، والكلام، والشرب دون مساعدة. فقد كانت تعاني من التهاب السحايا، وتسمم الدم، وتجمع سوائل في الدماغ. وكي يحقَّ للأم تنفيذ قرار إنهاء حياة ابنتها المعاقة فكان لا بد من رأي المحكمة في مثل هكذا قرار، فكتبت إلى المحكمة:”ابنتي لم تعد ابنتي”. وبعد النظر بوضع الأم، والابنة المعاقة منح قاضي المحكمة الموافقة على الطلب.
وبررت الأم قرارها بأنها لم تكن قادرة على رؤية ابنتها دون حراك، وهي غير قادرة على تقديم أي شيء لحالتها السيئة. وتقول: “أردت لابنتي أن تموت بكرامة معي، وأنا أقف إلى جانبها أحمل يدها”. وُلدت الطفلة نانسي عام 2002، لكن الأطباء أخبروا والدتها قبل الولادة بأنها قد تعاني من مرض حاد كونها تحمل عدوى بكتيرية من جنس المكورات العقدية. فإن تم الكشف عن إصابة الجنين في رحم أمه في وقت مبكر، فمن السهل تقديم العلاج بالمضادات الحيوية، لكن الأمر اكتُشف في وقت متأخر، والحالة كانت متقدمة للجنين. وقد وُضع في رأس الطفلة أنبوب لتصريف السائل في دماغها.
وقال الأطباء لحظة ولادتها أنها ستتوفى قبل بلوغ الرابعة، لكن الطفلة استمرت على قيد الحياة. ساءت حالتها بعد عملية لإزالة الحصى من كليتها عام 2012، حينها أخبر الأطباء والدي الطفلة بأنه لم يعد من شيء يمكن تقديمه لها. فلم تعد مسكنات الألم تجدي معها نفعًا. واجتمع والداها مع لجنة الأخلاق في مستشفى “أورموند ستريت” في بريطانيا لبحث أمر إنهاء حياة ابنتهما. فقال الأطباء بأنه يمكن إيقاف التغذية، لكن لا يمكنهم سحب السوائل من الدماغ.
ووافقت المستشفى على طرح قضية الطفلة نانسي في المحكمة، والتي وافقت بدورها على سحب السوائل من دماغ الطفلة إنهاء لحياتها. وقد صدر قرار المحكمة في السابع من أغسطس الماضي، وتوفيت نانسي بعد أسبوعين من سحب السوائل من دماغها. وتقول الأم بأن آخر يوم في حياة نانسي كان الأصعب، فلم يكن من السهل عليها أن تراها تتعذب، وتفارق الحياة.
وتعد حالة الطفلة نانسي، وقرار المحكمة ليس شيئًا جديدًا، فيما يعرف بـ”القتل الرحيم”، وهو الأكثر إثارة للجدل في العالم. “Euthanasia” وهي كلمة إغريقية تتألف من مقطعين كلمة الـ (Euthanasia) المقطع الأول “EU” وتعني الحَسَن، أو الطيب، أو الرحيم، أو الميسر، “THANASIA” وتعني الموت أو القتل. وعليه فإن كلمة الإيثونيجيا تعني لغويًّا الموت، أو القتل الرحيم، أو الموت الحسَن، أو الموت الميسر.
أما في التعبير العلمي المعاصر فالموت الرحيم هو : ” تسهيل موت الشخص المريض الميؤوس من شفائه باستخدام وسائل طبية غير مؤلمة على الراجح، بداعي الشفقة على المريض أو بناء على طلبه، أو حفاظا على الموارد المادية لتعذر إمكانية شفائه. ويضم القتل الرحيم ثلاثة أنواع، وهي: ” القتل غير المباشر” بإعطاء المريض جرعة قاتلة مثل دواء المورفين، و”القتل الفعال والمباشر والمتعمد”، و”القتل غير الفعال” مثل رفع أجهزة التنفس والتغذية.
وترجع فكرته إلى 1906 حينما تم تقديم مسودة أول مشروع قرار في الولايات المتحدة إلا أنها لاقت معارضة شديدة. أنشئت “الجمعية الأمريكية للقتل الرحيم” عام 1930، وعدلت اسمها إلى “جمعية حق الإنسان في الموت” عام 1970 ثم انتقلت الفكرة إلى بريطانيا، وصوتت أستراليا على قانون القتل الرحيم ثم ألغي بعد المعارضة في سبعينيات القرن الماضي.
ويعد القتل الرحيم والمساعدة على الانتحار مشروعًا في كل من لوكسمبورغ، وهولندا، وبلجيكا، وثلاث ولايات أمريكية. وقد بدأ الحكم النازي هذه الفكرة عام 1939 حيث قتل 6000 من الأطفال المعاقين. وقد كانت هولندا أول دولة تشرِّع الموت الرحيم بعد النازية في ألمانيا حين تم السماح للأطباء بإعطاء الأدوية القاتلة للمرضى الذين يعانون من أوجاع شديدة. فشهد العام 2006 وفاة 1923 فيما يعرف بالقتل الرحيم في هولندا، ومعظم الحالات لمرضى السرطان، والخرف، والمرضى النفسيين.
وتقول الأرقام بأن حالة وفاة من بين كل ثلاثة في هولندا هي للموت الرحيم. وقالت الحكومة الهولندية أن شروطًا معينة يجب أن تتوفر فيمن يقدم على الموت الرحيم. وشرَّعت بلجيكا الموت الرحيم في 2003، فشهد العام 2011 وفاة 1133. وقد ظهر نمط تشريع الانتحار بمساعدة الأطباء في عدد من الدول ، فقد ارتفعت نسبة الانتحار بمساعدة الأطباء في واشنطن إلى 17% في 2012. وقد حدثت زيادة تدريجية مع توقيع “قانون الموت بكرامة” في الولاية.
“عيادة ديغنيتاس للموت الرحيم”
وكانت ولاية أوريغون هي الولاية الأولى التي تشرِّع الموت بمساعدة الأطباء فحصلت فيها 77 حالة وفاة عام 2012. أما سويسرا فقد ارتفعت نسبة الانتحار بمساعدة الأطباء من 43 عان 1998 إلى 297 في 2009، ولا تضم هذه الأرقام أشخاصًا من جنسيات أخرى والذين يسافرون إلى عيادات الحق في الموت ” الموت الرحيم” “Dignitas”. وتطالب مجموعات حقوق الإنسان بإغلاق هذه العيادات، ووقف ما يسمى بـ الموت الرحيم، أو الموت بكرامة.
وتصف المجموعات الحقوقية هذه العيادات بأنها وحشية وعديمة الإنسانية؛ كونها تساهم في وقف حياة إنسان. وقد وثَّق كثير ممن أقدموا على الانتحار بمساعدة الأطباء خاصة في عيادات “ديغنيتاس” تجربتهم في أفلام قصيرة تعرض على الناس.
فيديو يوثق تجربة مسنة أقدمت على الانتحار بمساعدة الأطباء