الطبيبات يتساءلن، والمجتمع يخفق، فمن يجيب؟
التاريخ: الجمعة 2003/12/05 م
قبل أن أسهب في مقالي أحب أن ألفت نظر القارئ الكريم بأن كتابتي لهذا المقال ليست نتيجة موقف محدد أو نظرة شخصية، بل هي نتاج مواقف متكررة ونظرة مجحفة أراها تتناقل في المجالس والمجتمعات حول الطبيبات السعوديات. كل يدلي فيها بدلوه، سواء بعلم ومعرفة أو من باب المشاركة وإبداء الرأي لإثبات الذات أو الاعتزاز بالرجولة.
وهذه النظرة المختلطة من الحقائق والخيالات وترسبات الماضي أو ما يعرضه الإعلام والمسلسلات والأفلام، تشوبها ضبابية مقيتة، أعتقد أنه من الأولى بنا أن نواجهها لنجلوها، فننصفها لنعطيها حقها دون تمجيد وزهو أو إنقاص واستهانة. فقد عانت الطبيبة السعودية لسنوات من النظرة المقلة أو المستهجنة من المجتمع ورجاله بل ونسائه أيضا، وخصوصا الجاهلات منهن. والتي ترى في الطبيبة الجرأة ومخالطة الرجال ومقارعتهم في العمل لساعات طويلة.
ولا ترى فيها حب المجتمع والإصرار والمثابرة والحرص على خدمته وبنائه بأيدي بناته الطبيبات بتوفير الجودة في تقديم الخدمات الطبية ومراعاة الخصوصية وسد الاحتياج للنساء والأطفال والرجال من هذا المجتمع.
فالطبيبة بعد دراستها المضنية وتثقيفها لنفسها واطلاعها وصبرها وكفاحها تنتظر من مجتمعها نظرة تقدير وإعزاز لا هروب وإجفال. ليس في ذلك أي غرور أو تكبر، فالطبيبة تحمل أعلى الشهادات ولديها من الحس الوطني والثقافة ما يجعلها تستحق أفضل الشباب وأحسنهم ديناً وخلقاً وأكثرهم علماً وثقافة. ففي المجتمعات الأخرى تمنح الطبيبة أعلى تقدير لأنها من خيرة الناس فهي تحرق شبابها وصحتها لمساعدة مجتمعها والأخذ بيد مريضه وعاجزه، فلماذا يجعل منها المجتمع سلعة يحرج عليها في المجالس ومنقذا لكل عاطل أو مديون. فتأخر الطبيبة السعودية عن الزواج ليس بسبب صعوبة عملها وبقائها لساعات طويلة خارج المنزل وحسب. فهنالك نساء كثيرات يقضين ساعات أطول في التجول في الأسواق والزيارات، وهنالك غيرهن يضيعنه أمام التلفاز لتتبع المسلسلات والفيديو كلبات. حتى المعلمات الآن صار في عملهن من الخطورة والصعوبة ما يزيد على عمل الطبيبة فهن يصحون من الفجر أو قبله ويسافرن للهجر والقرى التي يعملن بها ولا يعدن إلا عند الغروب.وهنالك مهن غيرها تمتهنها المرأة تستوجب منها العمل حتى ساعات الغروب خارج المستشفيات إن كان هذا ما يقلل من شأن الطبيبة لدى الرجال (للأسف) مثل موظفات البنوك أو المؤسسات الخاصة. والمشكلة الأساسية هي في عدم تقدير بعض الرجال لجهود المرأة وأنانيتهم وانعدام الحس الجماعي لديهم نحو مجتمعهم وأبنائه، لأن في نجاح الطبيبة أو أي امرأة تعمل في المجال الطبي من أخصائيات وممرضات، نجاح للوطن ورخاء لمواطنيه.
وإني لأزداد حيرة وأسى عندما أسمع عن السفهاء من الرجال أو النساء على حد سواء وهم يروجون للطبيبة على أنها سلعة بائرة أو امرأة يائسة تتنازل عن كل شيء في سبيل أن يقبل بها الرجل أو يتقبلها على مضض من أجل أن يصحح وضعه لتصرف عليه وتشتري له البيت والسيارة وكل ما يعجز هو عن تحقيقه. فهل هذا هو ما يقدمه المجتمع للمثقفات المتعلمات من بناته؟ وهل هذا هو ما تنتظره المرأة العاملة من أبناء مجتمعها، وهل يرى المجتمع من الإنصاف والعدل أن يتزوج المثقف المتعلم بجاهلة أو تافهة لا تحسن إلا وضع الماكياج وتتبع أخبار الفنانين والفنانات، وأن الطبيبة المثقفة الناضجة تتزوج من فاشل طامع ينتظر نهاية الشهر لينال أجرة على قبوله بها؟!
أرجو أن أكون مخطئة في مقالي وأن يكون في مجتمعنا من الرجال والنساء من ينصف الطبيبة السعودية ويعطيها حقها الذي تستحقه دون زيادة أو نقصان، ولكن ما أسمعه في بعض المجالس من أحاديث وقصص وتبريرات تصم الآذان وتقهر النفس وتلجم اللسان، يجعلني أتساءل بما يبوحه قلمي في هذا المقال، أبعد كل هذه السنين من التحضر والتعلم يساء تقدير الطبيبات هكذا ؟
فأين هو دور الإعلام والمؤسسات التعليمية والتثقيفية، أتراها جميعا أخفقت أمام جهل المجتمع وقصر نظره؟
نقلا عن جريدة الرياض