كان لقبه في الحارة الزلابة .يناديه الجميع به منذ زمن اقدم من ان يتذكره ..هو شخصيا لا يعلم لم أُطلق عليه هذا اللقب – لعله يعلم و يتظاهر بالجهل من يدري ؟ – إختلفت الآراء حول سبب التسمية ولكنها على أرجح الأقوال ظلت عائمة بين ثلاثة أقوال :
1- حدث أن تم جلد أخيه أمام عينيه ولم يفعل شيئا سوى النظر .
2- في صغره كان ينجلد من الجميع بدون أن يحرج ساكنا .
3- لم يكن ينجلد من الجميع وإنما كان يتم رضخه فقط من قبل ( ابو مزنه ) وهو أول من أسماه بـ ( الزلابة ) . وأرجح هذا القول كثيرا .
كل ذلك لم يعد مهما الآن ما يهم هو ما حدث ذات أمسية لطيفة من أماسي (شهر شعبان) إذ حدث بينما هو يخرج كيس القمامة – أعزكم الله – أن سمع أحد الأطفال الصغار يخاطبه من بعيد:
– يالزلابة شت الكورة علينا
رنت الكلمة في أذنه بطريقة مختلفة ..سمعها كما لم يفعل من قبل. التفت إلى الولد الواقف مع أصحابه ينظرون إليه باستخفاف. وببطء حرّك رأسه إلى حيث الكرة تتقدم إليه شيئا فشيئا أمسكها بين كفيه . رفعها وهو ينشب أظفاره فيها . انفجر طوفان الغضب المكبوت في صدره دفعة واحدة , وفي جزء من الثانية اختفت جميع الأصوات من حوله ولم يعد يسمع سوى كلمة واحدة فقط ، ضلت تتردد في جنبات رأسه المحموم كالمطرقة. الزلابة .
سالت بعض قطرات الدم من أصابعه جراء شدة إمساكه بالكرة ، وبدأ صرير مخيف يصدرمن أسنانه وهو يجزها بقوة . وفجأة إنفجرت الكرة بين يديه مصدرة دويا مرعبا جعله يقرر بأن تلك المرة هي الأخيرة التي يسمع بها هذه الكلمة . توجه نحو الأطفال الواقفين أمامه بذهول . وبحركة ملحمية رمى عليهم أشلاء الكره قائلا بصوت جهوري :
خلو ابو مزنه يقابلني في البرحة بعد شوي .
إلتفت جميع من كان في الشارع في تلك اللحظة الى عبدالرحمن , الكل ينظر لهذه القوة الفجائية الغير متوقعة, تمتم البعض بأن الدماء ستعود للجريان في هذه الحارة بعد إنقضاء فترة الزحفان , ونادى البعض الآخر بحشد الجمهور والإصطفاف وتهيئة المكان للحدث الأبرز , الليلة سوف نشهد جلد عبدالرحمن بعد عشر سنوات من الخضوع والاستكانة. سرت إشاعة سريعة بأن عبدالرحمن طوال هذه المدة كان يتدرب استعدادا لهذا اليوم , وأكد بعضهم انه استعان بمدرب شخصي لهذا الغرض بل وحلف أحدهم بأنه شاهده في أحد النوادي الرياضية يتمرن حديد .
الزلابة يتحداني ؟
زأر ابو مزنه راميا السيجارة التي كانت بيدة داعسا عليها بزبيريته البنية وهو يتميز غضبا .حاول بعض حونشيته تهدئته مذكرينه بأن نزوله لمستوى الزلابة سقطة ذريعة بحق ابو مزنه . بينما شيّشه آخرون مرددين بان سكوته على هذه الاهانة سيشكل ضربه قوية لهيبته في الحارة التي لن تقوم له قائمة فيها إن هو تخلف عن الموعد .وبعد الكثير من الشد والجذب انطلق ابو مزنه الى مكان التحدي يتطاير من عينيه الشرر .
في مكان ما من الحارة . في بيت أبو عبد الرحمن ذو الباب الأخضر المتقشر بفعل الزمن يجلس عبد الرحمن يشد شعر رأسه نادما على جرأته اللتي لم تكن في محلها
لماذا أوقعت نفسي في هذه الغلطة لماذا ؟ .
يعلم تمام العلم بأنه مجلود مجلود وإن لم يذهب . إن ذهب فابو مزنه جالده لا محالة وسط ضحكات الآخرين , وإن لم يذهب جلده الآخرون لإفسادة متعتهم المنتظرة وقد يطلق عليه ابو مزنه لقبا جديدا يلتصق به الى آخر العمر كالقراده .
فكر كثيرا أكثر مما فعل طوال حياته . يجب أن يستخدم عقله اليوم .. اذ امام التفوق الجسدي لـ ابو مزنه يملك عبد الرحمن سلاحا اكثر فتكا يسمونه (الحيلة ). بعد الكثير من التفكير خلص إلى استراتيجية تكتيكية ذات بعد عسكري مكونة من 3 بنود مرتبه كالتالي :
1: يذهب للمواجهة بلا إبطاء
2: يهاجم كلاميا بكل عنف
3: يوصي أخاه بأن يهب إلى وسط حلبة القتال عند إحتدام الأمر صارخا عبد الرحمن أبوي يبيك بسرعة
وهكذا تنقضي المواجهة على وعد بالتأجيل وهو مايرغب به في الفترة الحالية حتى يتدبر أمره فيما بعد .
إنطلق الخصمان إلى ساحة القتال و, توافدت الحشود صارخة بـ ووووووووووووووووووووووووو تستفزع كل شجاعة وتستصرخ كل الغرائز الحيوانية في الطرفين حتى يتواجهان بشدة و كره .
– في حالة المضاربة يجب أن تنشط لديك حاسة الكره والبغض لأنه بدون الكره لن تكون مقداما بل ميّالا للصلح ونزع فتيل المهاوشة .
بدأت المضاربة كالعادة بإعلان نظافة الطرفين وهو ما يعد عرفا أساسي قبل أي مواجهة. والنظافة هنا لاتعني نظافة البدن وإنما الخلو من كل سلاح من سكين إلى مقص الظفور إلى حصاة إلى .. إلى .. إلى .. كل شيء .
بينما هو يمضي إلى حلبة المضاربة ألقى عبدالرحمن بنظرة سريعة على حلبة المضاربة , نظرة طالت مدتها كأنها سنة , نظر إلى مجموعة من عيال الحارة صافين على الجنبين , نظر إلى أعين شامته , وأخرى مترقبة .. كانت اللحظة قاتلة للبعض , والبعض الآخر يشهدها لأول مرة , سمع عبارات نابية من البعض مستنهضين بها همته لتزداد المواجهة شراسة , وسمع أيضا الله يهديه وش له ولأبو مزنه , رأى وجوها غريبة يراهم للمرة الأولى في الحارة , كان الجميع موجودا , كانت صفقة تجارية للبعض هاهم ( أبناء أبو صالح ) قد إستغلوا الموقف أحسن إستغلال وأحضروا ثلاجة ببسي مليئة بالثلج والببسي وبدأت عملية البيع .. وهاهو ( عبيد الدخنة ) يسجل المراهنات ويلتفت بإبتسامة وعيّة على رفيق دربه ( سلمان الجوكر ) مرسلا إشارة مفادها
لا تبيع الزقارة بأقل من ريال .
أرسل عبدالرحمن نظرة على الجانب الآخر ليرى أعين المطحونين من أبناء الحارة أو مايمكن تسميتهم إصطلاحا ( ضعوف الحارة ) وهم ينظرون إليه بأمل كبير أن ينتصر على ابو مزنه ويريحهم من سنوات القهر والظلم , كانت أعينهم وآمالهم تشكل عبئا كبيرا على عبدالرحمن فهو يحمل همّ فك القيود وتغيير الحال .
رفع بصره خلف الحشود ليرى مبزرة ماسكين كلب – أعزكم الله – وحاطينه في وسط كفر سيارة وشابين في الكفر ويضحكون .
ما إن تقابل الطرفين حتى بدأ السباب وكلمة إضرب , لا إضرب أنت أول . مد يدك , لا مد يدك أنت أول .
رمى ابو مزنه زقارته اللتي لم يبقى منها إلا القفطة , وقد كانت إستراتيجيته الصدمة والرعب بمعنى أن يقضى على عبدالرحمن من اللكمة الأولى , حرك يده مسددا لكمة بإتجاه عبدالرحمن , اللذي شصّب – توقف مشصبا – في مكانه . الجميع في أشد حالات الهياج والترقب توقفت اللكمة قبل أن تصل إلى وجه عبدالرحمن إثر صوت تفحيط بوسط البراحة حيث تقع حلبة النزال. إلتفت الجميع إلى الصوت ليجدو ددسن ( ابو جربوع ) خاش عرض ( ابو جربوع زاحف من الجيل القديم مابعد عقل ) لم يهنأ ابو جربوع إلا بعد أن وقّف الددسن بوسط الحلبة , وطلّ مع الدريشة يدور زيون , هذه الحركة إستثارت ابو مزنه زيادة على ثورانه السابق , فصاح ابو جربوع بتهور
وخر موترك .
هذه الكلمة دعت ابو جربوع الهادئ بطبيعته إلى النزول من السيارة ومسك ابو مزنه من تلابيبه قائلا :
تكلمني أنت .
بعنجهية غير محسوبة – يرد ابو مزنه – لا أكلم اللي وراك إيه أكلمك أنت ووجهك .
فلكمه ابو جربوع وتمردغ في حوض بطنه – الصحة والنشاط وحتى العمر لصالح ابو جربوع – ثم رفع ابو مزنه عاليا وسقطه في حوض الددسن وركب ددسنه واخذ يفحط به وابو مزنه يبكي بحرقة
وققققااف وققققف .
– عبدالرحمن أحب ابو جربوع من كل قلبه .
– ابو مزنه ُأطلق عليه لقب الصيّاح .
– أخو عبدالرحمن لهى مع أصدقائه اللي شابين في الكفر ونسى أخوه .