التأمين حكمه وأضراره – من خطبة للشيخ الهبدان
أيها الأخوة في الله : تحت شعار ..اعقلها وتوكل ..بدأت الحملة المرورية الثالثة ..ويا سبحان الله ..أي توكل هذا ؟ إن التوكل بمفهومهم يعد منافٍ للتوكل على الله تعالى الذي جعله الله تعالى شرطاً للإيمان فقال :{ وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } فالتوكل على شركات التأمين شرك ينافي التوحيد ..فإن احتجوا بأن هذا من فعل الأسباب ..فهذا قول مجانب للصواب ..فعقلها ـ أي السيارة ـ بصيانتها والتأكد من سلامتها وعدم تجاوز السرعة المحددة ، ومن ثم يكون التوكل على الله تعالى ..أما أن يجعل المال ودفعه لشركات التأمين هو عقلها ومن ثم التوكل ..فهذا كله من التحايل ولي أعناق النصوص الشرعية .
أيها الأخوة الفضلاء : ما تقدم بيانه من المساوئ في كفة وما سأذكره في كفة أخرى تطيش بالكفة الأولى ..نعم تطيش بالكفة الأولى ..وهو أن التأمين قائم على أربع علل ..وكل واحدة منهن كفيلة بتحريمه والنهي عنه ألا وهي : الربا ، والقمار ، و الغرر ، وأكل أموال الناس بالباطل .
أما العلة الأولى من تحريم التأمين : فإن التأمين قائم على الربا بنوعيه ..فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها ـ فهو ربا فضل ـ ، والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة من العقد ، فيكون ربا نسأ ، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسأ فقط ، وكلاهما محرم بالنص والإجماع .
وأما العلة الثانية : فإن التأمين قائم على المقامرة ..فلا يتصور قيام تأمين إلا بوجود عنصري الخطر والاحتمال ، وهما العنصران المؤثران المقومان لكل قمار ، فالتأمين قمار محرم بالإجماع وهو الميسر المحرم بنص القرآن ، فشركة التأمين تقول للمؤمن له : ادفع كذا ، فإن اصابك كذا ، دفعت لك كذا ، وإن لم يصبك خسرت ما دفعت ، والمقامر يقول للآخر : افعل كذا ، فإن أصبت كذا ، دفعت لك كذا ، وإن لم تصبه خسرت ما دفعت ، فكل منهما يخاطر معتمداً على الحظ اعتماداً مطلقا ، فالذي يدفع الأقساط ولا يقع له الحادث يخسر مبلغ التأمين ، والذي يقامر ولا يصيب الرقم الرابح يخسر المقامرة ، وليس لواحد منهما قدرة على تحقيق ما عاقد عليه ، وإنما ينتظر كل منهما حظه الساقط أو الصاعد .
وأما العلة الثالثة في تحريم التأمين فهي حصول الغرر بأنواعه الثلاثة ، فعقد التأمين عقد معاوضة يتوقف حصولها على أمر احتمالي هو وقوع الخطر ، فإن وقع الخطر حصل المؤمن له على عوض أقساطه ، وهو مبلغ التأمين ، وإن لم يقع لم يحصل على شيء ، وضاع عليه ما دفعه من أقساط ،فالمؤمن له في حالة شك وعدم ثقة من حصوله على مبلغ التأمين الذي تعاقد عليه ، ثم إنه لو وقع الحادث وحصل على مبلغ التأمين ، فهو لا يدري كم سيكون ، ولا متى سيكون ، فاجتمعت في التأمين أنواع الغرر الثلاثة الفاحشة وهي غرر الحصول ، وغرر المقدار ، وغرر الأجل ، والفقهاء يبطلون أي معاوضة بوجود نوع واحد من الغرر في هذه المعاوضة ، فكيف بها إذا اجتمعت ؟!!
أما العلة الرابعة فهي أن التأمين أكل لأموال الناس بالباطل ، والله جل جلاله يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }
الحل الاسلامي للتأمين
أيها المسلمون : ليس هناك على وجه الأرض نظام ، يؤمن الإنسان من غير شطط ، تأمينا حقيقياً في عيشه وماله ونفسه ودينه ، إلا نظام الإسلام ، هذا النظام الشامل الكامل الوافي بكل الاحتياجات ، ولذا فإن الإسلام أوجد حلولاً عملية لما يتعرض له الإنسان من مخاطر وحوادث ، فمن تلك الحلول :
أولاً : رفع الحرج وأضرار الحوادث عن طريق بيت المال ، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" من مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه " رواه البخاري ، ولما قدم قبيصة بن مخارق الهلالي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره بأنه تحمل حمالة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلمr: " أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " الحديث رواه مسلم ، فالنبي صلى الله عليه وآل! ه وسلم أعطى من تحمل حمالة من بيت المال ، من قسم الصدقات ، وساوى بينه وبين من أجيح في ماله في حل المسألة ، فقد دل على أن لمن أجيح في ماله حقاً في بيت المال .
ثانياً : رفع الحرج وأضرار الحوادث عن طريق الزكاة ، والذي نفسي بيده لو أخرجت الزكاة على الوجه المشروع ، وصرفت في محلها المشروع لما وجد في هذه البلاد فقير ولا محتاج.. ولا أدل على ذلك ما حصل في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله حيث لم يكن هناك أحد يقبل الزكاة حتى أوجدوا مخرجاً لذلك بإعتاق الرقاب ..كل ذلك حصل في قرابة العامين ..وفي هذه البلاد يملك فئام من أبنائها أرقاما فلكية من الأموال فأين تذهب زكاتها ؟ وإلى من تذهب ؟ ولمن تصرف ؟
ثالثاً : الصدقات العامة ، وهذا الباب لا يحد بحد ولا يحصى له عد ، فهي ساحة سباق لفرسان البذل والإحسان من أبناء المسلمين ، لمد يد العون لكل منكوب أو متضرر أو محتاج ، تلبية لنداء ربهم العظيم :{ ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء } ورجاء الفوز بالسبق إلى الخيرات { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} وطمعاً في إدراك البر { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } .
رابعاً : رفع الحرج وأضرار الحوادث عن طريق صندوق العائلة الخيري ..والذي بدأت الكثير من الأسر بعمله وتطبيقه لسد حاجة المحتاج من الأسرة فنفع الله به نفعاً عظيما في مثل هذه القضايا الطارئة التي تعتري الإنسان من مصائب وكوارث ومحن .
وهذا هو التعاون الذي نصت عليه فتوى كبار العلماء ـ وتعلق بها أهل التأمين التجاري وجعلوه ثوباً لهم ليأكلوا أموال الناس بالباطل ،ولكن ليبشروا بالبوار في الدنيا والآخرة إن لم يتوبوا ويردوا حقوق الناس إليهم ، فاليوم يتحايلون ويأخذون ، وغداً يندمون ومن حسناتهم يتقاضون .
خامساً : أن يدخر الإنسان سواء كان فرداً أو مؤسسة مبلغاً ماليا يحتفظ فيه ويستقطعه من أرباحه ، فبدلا من أن يُسلم هذا المبلغ لشركات التأمين يقوم هو بادخاره والمتاجرة به لوقت الأزمات ، وينتفع منه في وقت الكوارث والملمات .
هذه بعض البدائل والحلول التي يمكن الاستغناء بها عن التأمين الذي ثبت ضرره وخطره على الفرد والجماعة ..
وأخيراً ..إنها دعوة للمسؤولين أن يتقوا الله تعالى في أمتهم وألا يجبروا الناس على أمر قد أفتت فيه هيئة كبار العلماء وبينوا حرمته وضرره ، فهم في غنية عن تحمل أوزار الناس إلى أوزارهم.
ألا إنها دعوة لكل موظف في هذه الشركات ولكل رجل أمن أن يراقب الجبار ..فإن أقل ما يقال إن هذه المسألة هي محل شبهة بين العلماء ..والنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يقول :" اتقوا الشبهات .." فهل اتق الشبهات من شارك هذه الشركات في عملها ؟ وهل اتق الشبهات من ساهم في الدعاية لها ؟ وهل اتق الشبهات من دعا إليها وحث على المشاركة فيها ؟
كيف وقد بين العلماء حرمته وأكدوا ضرره وخطره ؟ وكيف يسمى تعاونياً والدعايات كلها تنص على أنه إلزامي إن لم يؤد تتعطل جميع مصالحك ؟ فأي تعاون هذا ؟!!
وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء بأنه لا يجوز للمسلم أن يشتغل في شركة التأمين بعمل كتابي وغيره ؛ لأن العمل بها من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد نهى الله عنه بقوله :{ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ونصوا أيضاً على أنه لا يجوز الاشتغال بشركة التأمين كمروج لها .
ألا إنها دعوة للجميع للاحتساب على هذا الأمر بالتي هي أحسن من خلال البرقيات والزيارات وطباعة المطويات التي تبين خطر هذا الأمر ونشر الحقيقة بين الناس حتى يحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة وإن الله لسميع عليم .
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبفضلك عمن سواك…
[1] ـ مجلة البحوث العلمية (50/359ـ360) .