فتوي حول تفسير الروى والاحلام
وجه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وادارة البحوث العلمية والافتاء الكلمة التوجيهية التالية حول التوسع في تأويل الرؤى .الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد: فإنه وردنا جملة من الاسئلة والاستفسارات حول موضوع الرؤى وتعبيرها وما طرأ في الأزمان الاخيرة من التوسع في ذلك حتى خصص لها زوايا في الصحف والمجلات وأيضا برامج في القنوات الفضائية وكذلك استخدمها أصحاب المنتزهات والمنتجعات الترفيهية وسيلة للجذب وكسب الأموال ثم قامت بعض الشركات بتخصيص رقم هاتفي على مدار الساعة لاستقبال مكالمات الناس وتفسير رؤاهم.ولما كان الأمر كذلك رأينا أن نبين للناس ما نعتقده نصحا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وأداء لواجب البيان الذي أخذ الله الميثاق به على أهل العلم {واذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون }. فنقول وبالله نستعين ان المؤمن يعلم أن الرؤى حق وأنها من عند الله وأنها جزء من ستة وأربعين ج
زءا من النبوة وأنها من المبشرات وكل هذا صحيح جاءت النصوص الصحيحة مصرحة به فمن ذلك ما جاء في القرآن من بيان لبعض رؤى الأنبياء وما كان من تفسيرها وتأويلها وكذلك رؤيا غيرهم وما كان من تفسيرها فأما رؤيا الأنبياء فإنها حق ووحي ومن ذلك قول ابراهيم الخليل عليه السلام لابنه { يا بنى إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين }.ومن ذلك رؤيا يوسف عليه السلام حيث قال فيما قص الله سبحانه لنا من خبره {يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين }وجاء تأويلها في اخر السورة عند قوله تعالى { ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا } وأما غير الأنبياء فقد جاء في كتاب الله العزيز في سورة يوسف عليه السلام رؤيا السجينين وتأويل يوسف عليه السلام لروءيا كل منهما وكذلك رؤيا الملك وتأويل يوسف عليه السلام لها .وأما أدلة ا لرؤيا من السنة الصحيحة فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة”.وفي حديث ابن عباس
رضي الله عنهما قال كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم “الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال أيها الناس انه لم يبق من مبشرات النبوة الا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ألا واني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا أما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم”.وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “اذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ” الحديث أخرجه مسلم . فثبت بهذا أن الرؤى حق لكن ينبغي أن يعلم أنه ليس كل ما يراه النائم هو من الرؤى الحق بل ما يعرض للنائم في منامه منه ما هو من الرؤى ومنه ما هو من تهويل الشيطان وتلاعبه بابن أدم ليحزنه ومنه ما يحدث به المرء نفسه يقظة فيراه مناما فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “اذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة والرؤيا ثلاثة فرؤيا صالحة بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث المرء نفسه فان رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث به الناس” الحديث أخرجه مسلم .اذا تبين ه
ذا فان ديننا الاسلام قد جاء بما فيه صلاح وخير البشر في العاجل والاجل وقد بين لنا نبي الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم كل ما فيه نفعنا وخيرنا ومن ذلك ما نحن بصدده الان فان المسلم ينبغي له أن يعتني بذكر الله والاكثار منه فإن الله تعالى يقول ألا بذكر الله تطمئن القلوب وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أذكارا نقولها في الصباح والمساء وعند النوم ترفع بها درجات المسلم ويزداد بها ايمانه ويعصمه الله بها من شر الشيطان وشر كل ذي شر فلا يضره شيء باذن الله وحده ومن ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أمسى قال “أمسينا وأمسى الملك لله لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير رب أسالك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر رب أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر” واذا أصبح قال ذلك أيضا “أصبحنا وأصبح الملك لله” أخرجه مسلم. ومنه أيضا حديث عبدالله بن خبيب قال خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا فأدركنا فقال “أصليتم قل” فلم اقل شيئا ثم قال ” قل” فلم أقل
شيئا ثم قال “قل” فقلت يا رسول الله ما أقول قال “قل هو الله أحد والمعوذتين حيث تمسي وحيث تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء” أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي .ومنه أيضا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن اذا أصبحت واذا أمسيت قال قل “اللهم فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا اله الا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم” قال “قلها اذا أصبحت واذا أمسيت واذا أخذت مضجعك” أخرجه الامام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي .ومنه أيضا حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الارض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فيضره شيء” .ومنه أيضا حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال “لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح” اللهم ان أسالك العافية في الدنيا والاخرة اللهم إنى أسالك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتى وامن روعاتي اللهم احفظني م
ن بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي” . ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير من قالها عشر مرات حين يصبح كتب له بها مائة حسنة ومحى عنه بها مائة سيئة وكانت له عدل رقبة وحفظ بها يومئذ حتى يمسي ومن قال مثل ذلك حين يمسي كان له مثل ذلك”.وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أقوال وأعمال عند النوم يحسن بالمسلم أن يعتني بها فمن ذلك حديث حذيفة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول “اللهم باسمك أموت وأحيا” واذا استيقظ قال “الحمد الله الذي أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور” . ومنه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات .ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه اتاه آت يحثو من الصدقة وكان قد
جعله النبي صلى الله عليه وسلم عليها ليلة بعد ليلة فلما كان في الليلة الثالثة قال لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذا أويت إلى فراشك فأقرأ اية الكرسي { الله لا اله الا هو الحى القيوم }حتى تختم الاية فانه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم “صدقك وهو كذوب ذاك شيطان ” . ومنه حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من قرأ الايتين من اخر سورة البقرة في ليلة كفتاه”.ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه أمر رجلا اذا أخذ مضجعه أن يقول “اللهم خلقت نفسي وأنت تتوفاها لك مماتها ومحياها ان أحييتها فاحفظها وان أمتها فاغفر لها اللهم اني أسالك العافية “قال ابن عمر سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم” .ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “اذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليسم الله فانه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه فاذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل سبحانك اللهم ربي وضعت جنبي وبك أرفعه ان أمسكت نفسي فأرحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين” . ومنه حدي
ث البراء بن عازب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم أسلمت نفسي اليك ووجهت وجهي اليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري اليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجي منك الا اليك امنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت فان مت من ليلتك مت على الفطرة واجعلهن اخر ما تقول” متفق عليه وفي رواية لمسلم “واجعلهن من اخر كلامك “. فهذه الأوراد والاذكار ينبغي لكل مسلم الحرص عليها والمداومة على الاتيان بها في محالها اتباعا لسنّة النبي صلى الله عليه وسلم وطردا للشيطان عنه وكذلك كل ذي شر فإن الله يعصمه منه بحوله وقوته .ثم ان المسلم اذا رأى في منامه رؤيا فليتبع الأدب النبوي في ذلك فان كانت رؤيا تسره ويحبها فليحمد الله ولا يحدث بها الا من يحب وان رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان ويتفل ثلاثا ولا يحدث بها أحدا ويتحول عن شقه الذي كان عليه ولا تضره الرؤيا .وقد جاء في بيان ذلك أحاديث صحيحة منها حديث أبي سلمة بن عبدالرحمن قال كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” الرؤيا الح
سنة من الله فاذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به الا من يحب واذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا ولا يحدث بها أحدا فانها لن تضره” أخرجه البخاري وجاء عند ابن ماجه ذكر التحول عن شقه الذي كان عليه .هذا هو الأدب النبوي العام في الرؤى فان أراد الرائي تعبير رؤياه فإنه يقصها على عالم بالتعبير ناصح أمين على الرؤيا .هذا ما يتعلق بالرائي أما المعبرون فالواجب عليهم تقوى الله عز وجل والحذر من الخوض في هذا الباب بغير علم فان تعبير الرؤى فتوى لقوله تعالى {يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون}.ومعلوم أن الفتوى بابها العلم لا الظن والتخرص ثم أيضا تأويل الرؤى ليس من العلم العام الذي يحسن نشره بين المسلمين ليصححوا اعتقاداتهم وأعمالهم بل هى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم مبشرات وكما قال بعض السلف الرؤيا تسر المؤمن ولا تضره.هذا وان التوسع في باب تأويل الرؤيا حتى سمعنا أنه يخصص لها في القنوات الفضائية وكذلك على الهواتف وفي الصحف والمجلات والمنتديات العامة من المنتجعات وغيرها أماكن خاصة بها جذبا للناس وأكلا لأموالهم بالباطل كل هذا شر عظيم وتلاعب بهذا العلم الذي هو جزء من النبوة قيل لمالك
رحمه الله أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة يلعب وقال مالك لا يعبر الرؤيا الا من يحسنها فإن رأى خيرا أخبر به وان رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت قيل فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه لقول من قال انها على ما أولت عليه فقال لا ثم قال الرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة . فيجب على المسلمين التعاون في منع هذا الأمر كل حسب استطاعته ويجب على ولاة الأمور السعي في غلق هذا الباب لانه باب شر وذريعة إلى التخرص والاستعانة بالجن وجر المسلمين في ديار الإسلام إلى الكهانة والسؤال عن المغيبات زيادة على ما فيها من مضار لا تخفى من احداث النزاعات والشقاق والتفريق بين المرء وزوجه والرجل وأقاربه وأصدقائه كل هذا بدعوة أن ما يقوله العابر هو تأويل الرؤيا فيؤخذ على أنه حق محض لا جدال فيه وتبنى عليه الظنون وهذا من أبطل الباطل .. كيف وصدّيق هذه الامة بل خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين لما عبر الرؤيا قال له النبي صلى الله عليه وسلم “أصبت بعضا وأخطأت بعضا” ونحن لا نعلم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم خير القرون وأحرصهم على هدي نبينا صلى الله عليه وسلم وأتقاهم لله وأخشاهم له لا نعلم أنهم عقدوا مجالس عامة لتأويل الرؤى ولو
كان خيرا لسبقونا إليه وإني إبراء للذمة ونصحا للأمة لأحذر كل من يصل إليه هذا البيان من التعامل مع هؤلاء أو التعاطي معهم والتمادي في ذلك بل الواجب مقاطعتهم والتحذير من شرهم عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وألزمنا وإياكم كلمة التقوى ورزقنا اتباع سّنة سيد المرسلين واقتفاء اثار السلف الصالحين وحشرنا وإياكم في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
منقول_جريدة الرياض 5/6/1423هــــ