منذ العصور القديمة والحمام يعتبر رمزٌ للحب وللسلام، وارتبطت هذه الرمزية التاريخية بالحمام في مختلف الثقافات والحضارات، كما اعتُبر الحمام أيضا رمزاً للحرية. فما هو السر في هذه الرمزية بين الطيور البيضاء الجميلة والقيم الإنسانية العظيمة؟
الحمام طيور تنتمي إلى عائلة الحماميات، والتي تتميز عن غيرها من العائلات بقوة بُنيتها وقصر العنق والمنقار، واعتُبرت هذه الفصيلة منذ زمن من الفصائل الذكية والملاحين العباقرة، ما جعل لهم الأفضلية في توصيل الرسائل واستعمالهم في الحرب والسلم لهذا الغرض، كما أنها فصيلة عاطفية للغاية بالنسبة لغيرها من الطيور!
ما السر في رمزية الحمام للحب والنقاء والسلام؟
حسناً، هناك العديد من الحكايات والأحداث التاريخية المسجلة التي شرحت سبب هذه الرمزية:
الحمام من الطيور التي تتزاوج لتعيش مع شريكها مدى الحياة، فهي طيور مخلصة للغاية، وتبذل جهدا كبيرا في تربية الفراخ الصغيرة قبل أن تكبر، كما أنها تبني أعشاشها في المناطق القريبة من المستوطنات السكنية البشرية. هذا الأمر أعطى الناس فكرة عن حياة الولاء والرعاية والحب بين هذه الطيور، فربط البشر سريعا الحمامة البيضاء بالنقاء والصفاء والسلام.
في الدين الإسلامي الحنيف، لطالما كان للحمامة شأن كبير خاصة وأنها من حمت رسول الإنسانية، محمد صلى الله عليه وسلم، عندما اختبأ مع رفيقه، أبي بكر الصديق رضي الله عنه، في غار ثور بينما كانت قُريش بأكملها تبحث عنهما ليُطفئوا شعلة الحق والنور. فأرسل الله العنكبوت ليُحيك بيته على باب الكهف، وحمامتين لتجلسا في عشهما على باب الكهف فخُيِّل لقريش أنه لا أحد دخل في الكهف. فارتبطت الحمامة منذ القدم بالحب والسلام.
أيضا في قصة سيدنا نوح عليه السلام بعد الطوفان العظيم الذي غمر الأرض إلا سفينة نوح ومن عليها من المؤمنين والحيوانات، عندها كان يُرسل سيدنا نوح حمامة لتكتشف إن كان هناك يابسة، وفي كل مرة كانت تعود خالية في دلالة على أن الماء لم يجف بعد ولم تظهر اليابسة، وفي مرة أرسل سيدنا نوح الحمامة فعادت وفي منقارها غصن زيتون، ففرح بها فرحا شديدا لأن ذلك يعني أن الأشجار بدأت تظهر والمياه بدأت بالانحسار، وفي مرة أخرى عادت الحمامة وقد تلطخت أقدامها بالطين، ما يعني أن اليابسة قد ظهرت. منذ ذلك الوقت ارتبطت الحمامة بمنقارها غصن زيتون مع السلام.
في الأساطير اليونانية، ترتبط الحمامة مع الحب والرومانسية. إذ تُصور الآلهة اليونانية أفروديت مع حمائم تُحلق حولها أو تستريح على يدها، كما تقول الأسطورة اليونانية أن أفروديت وُلدت في عربة حُملت من طيور الحمام. كما يُعرف في الأساطير اليونانية أن بنات أفروديت، الشقيقات السبع في السماء، هُنّ سرب من الحمائم. لذلك كانت رمزية هذه الطيور في العصور الوسطى مرتبطة بالحب والرومانسية والنقاء.
في ثقافة الأزتيك القديمة، تعتبر Xochiquetzal هي آلهة الحب حسب معتقداتهم، ويُشاع في الأسطورة أنها نزلت إلى الأرض بعد الطوفان العظيم على شكل حمامة وأعطت العالم هدية الكلام واللغات!
في الأساطير الهندوسية، “كاماديفا” هو آلهة الحب الذي يُعرف بأنه يطير على ظهر حمامة! لذلك عادة ما يُرمز للحمام لدى الهندوسيين بالحب!
ارتباط الحمام بالسلام
من القصص التاريخية التي ربطت رمزية الحمامة بالسلام، قصة من آسيا الوسطى، حيث كان ملكان يتجهان للحرب، سأل أحد الملكين عن سلاحه وخوذته، فأخبره الجنود أن حمامة صنعت عشها في خوذته، فطلبت أم الملك منه أن يترك الحمامة وصغارها ولا يؤذيهم ما اضطر الملك للذهاب إلى الحرب دون خوذته وسلاحه، وعندما شاهد الملك الثاني خصمه دون عتاده، دعاه للتفاوض والمحادثات، وعندما عرف الملك الثاني رحمة خصمه بحمامة وتركه لخوذته وسلاحه لأجلها وصغارها رأى أنه من الخطأ أن يُقاتل هذا الملك ومملكته، واتفقوا على السلام. من هنا رُمز للحمامة البيضاء بالسلام والحب.
كما أن العديد من الفنانين والرسامين اختاروا الحمامة لتكون لمز للسلام، تماما مثل بيكاسو في عمله الفني La Colombe، حيث أظهر الحمامة مع غصن زيتون بمنقارها. وتم اختيار هذا الشعار ليكون رمزا للسلام في مؤتمر السلام العالمي بباريس عام 1949م، بعد ذلك أصبحت الحمامة رمز شعبي وعالمي للسلام في العالم الحديث.
اقرأ أيضا: