عند النظر إلى اللغات الحديثة شائعة الانتشار، نجد أن طريقة كتابتها تختلف من حيث اتجاه الكتابة. فاللغة العربية والعبرية والفارسية تُكتب من اليمين إلى اليسار، في حين تُكتب اللغة الإنجليزية واللاتينية من اليسار إلى اليمين. فهل تساءلتَ من قبل عن سبب اختلاف جهة كتابة اللغات عن بعضها البعض؟
لماذا نكتب اللغة العربية من اليمين إلى اليسار والإنجليزية العكس؟
امتاز العرب عن غيرهم من الأعراق بلغتهم الفصيحة التي كُتبت كلماتها وجملها من اليمين إلى اليسار. وعندما تتساءل عن السبب في كتابة العربية من اليمين إلى اليسار، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك أن السبب هو تفضيل اليد اليُمنى في المشرق في تأدية معظم النشاطات، وهي أقوى من اليُسرى في ذلك. كما فضّلها العرب في العديد من الطقوس الثقافية والدينية مثل المصافحة والسلام أو الأكل والشرب أو في تأدية العبادات كالتشهد في الصلاة.
وحيث أن هذا السبب يبدو منطقيًا إلى حدٍ كبير، لكنه ليس الأساس في كتابتنا للغة العربية من اليمين إلى اليسار. البعض الآخر يظن أن شكل رسم الحروف العربية يُحتّم أن تبدأ من اليمين. كما أن صفة لصق الحروف في اللغة العربية جعلت من الأسهل أن تُكتب من اليمين، على عكس اللغة الإنجليزية التي لا تتصل حروفها مع بعضها البعض سوى في الكتابة باليد وتُكتب على السطر، في حين كتابة الكلمات العربية تعني تمديد الحرف على السطر ليسهل لصقه بالحرف الآخر، وهي عملية لا تتم بشكلٍ جيد إلا بالكتابة من اليمين إلى اليسار.
لكن الإمعان في تاريخ اللغات جعل المؤرّخين يخرجون بنظريات يُرجّح أنها الأقرب إلى الصواب. فقد افترض المؤرّخون أن اتّجاه كتابة اللغات المختلفة اعتمد على الأدوات التي كانت مُتاحة في حين نشأتها. فعندما تطوّرت اللغة الكنعانية قبل أكثر من 1000 سنة قبل الميلاد، كانت الوسائل المُتاحة للكتابة هي الحجر والمطرقة والإزميل حيث تُحفر الحروف على الحجر. وكانت هذه الطريقة تحتاج إلى مجهود، فكان الرجل يُمسك بالمطرقة في يده اليُمنى “الأقوى” والإزميل باليُسرى، وكان الاتجاه الأسهل لكتابة الحروف التي كانت أقرب لرسومات، من اليمين إلى اليسار.
في حين أنه وعندما ظهرت اللغة اليونانية قبل 900 سنة قبل الميلاد، كانت وسائل الكتابة قد تطوّرت واكتشف الإنسان حينها الجلود للكتابة عليها. ومع تطوّر وسائل الكتابة واكتشاف الحبر والورق، اعتمد الناس على الكتابة من اليسار إلى اليمين حتى لا يتلطّخ الكلام المكتوب بالحبر. وكان ذلك عند انتشار اللغة اللاتينية ثم اعتُمدت لكتابة الإنجليزية كذلك.
وبحسب المخطوطات التاريخية، عندما تبنّى اليونانيون الأبجدية من الفينيقيين، كتبوا في البداية من اليمين إلى اليسار. لكن بعد فترة من الزمن بدأوا في كتابة كل سطر من اليسار إلى اليمين حتى يبدأ كل سطر أسفل المكان الذي انتهى فيه السطر السابق.
وحيث أن المشرق كان السبّاق في اكتشاف الثقافة وما تبعها من القراءة والكتابة، فقد سبق العرب الغرب في تطوير الحروف واللغة، وكان اتّجاه كتابة العربية من اليمين إلى اليسار نابعًا من السياق الطبيعي والثقافي في نشأة الكتابات الأولى في المشرق. كما أن تطوّر الخطوط العربية وتعدد أشكالها والتي اختلفت فيها طريقة نقش ورسم الحرف العربي ساعد في تثبيت اتّجاه الكتابة لأن الأسهل هو أن تبدأ من اليمين وتتجه يسارًا. ولا ننسى حقيقة أن الكتابة من اليمين إلى اليسار تُتيح للكاتب مراجعة ما كتبه سابقًا، على افتراض أن الأغلبية يستعملون اليد اليُمنى في الكتابة. بهذه الطريقة تكون الحروف على يسار يد الكاتب مرئية ويُمكن تشكيلها وتصحيحها بسهولة في نفس الوقت.
أما بالنسبة للغات التي نشأت في شرق آسيا، لوحظ أنها تُكتب بشكل رأسي من أعلى إلى أسفل وأحيانًا من اليمين إلى اليسار، هو أن الكتابة كانت تتم على لفائف الخيزران. وحيث أن اليد اليُمنى كانت مسؤولة عن الكتابة، واليُسرى مسؤولة عن فتح مخطوطات البامبو، فكانت الطريقة الأسهل هي أن تُكتب الحروف من أعلى لأسفل وتلقائيًا سيكون قرائتها أسهل مع فتح الملفوفة.
اقرأ أيضًا:
لما سميت اللغة العربية “لغة الضاد” ؟
كيف تتعلم اللغة الإنجليزية كالمحترفين؟