على مدى طويل من عصور ما قبل التاريخ البشري، كان الناس يمارسون تقليد غريب من خلال ثقب الجمجمة كإجراء جراحي يتم عن طريق حفر أو قطع أو إزالة طبقات من العظام بأداة حادة.
وقد تم الكشف عن آلاف الجماجم التي تحمل علامات ثقب الجمجمة في المواقع الأثرية في جميع أنحاء العالم. لكن على الرغم من أهميتها الظاهرية، ما زال العلماء غير متفقين كلياً على الدفاع وراء عملية ثقب الجمجمة التي كان يمارسها أسلافنا.
لماذا كان الإنسان القديم يثقب جمجمته؟
ترجح تقديرات خاصة بعلم الإنسان حول عمليات ثقب الجمجمة في القرن العشرين في إفريقيا وبولينيزيا أنَّه في هذه الحالات على الأقل، أُجريت عملية ثقب الجماجم لعلاج الألم، على سبيل المثال، الألم الناجم عن الإصابات بالجمجمة أو المرض العصبي.
قد يكون لعملية ثقب الجمجمة الغرض نفسه في مرحلة ما قبل التاريخ.
كانت عملية ثقب الجمجمة تمارس في أماكن متنوعة مثل اليونان القديمة وأمريكا الشمالية والجنوبية وإفريقيا وبولينيزيا والشرق الأقصى. وربما طور الناس هذه الممارسة بشكل مستقل في عدة مواقع.
تخلت معظم الثقافات عن عمليات ثقب الجمجمة بحلول نهاية العصور الوسطى، ولكن هذه الممارسة ظلت تجرى في عدد قليل من الأجزاء المعزولة من إفريقيا وبولينيزيا حتى أوائل القرن العشرين.
يكاد يكون من المستحيل كلياً استبعاد إمكانية إجراء عملية ثقب الجمجمة لأسباب طبية، لأنَّ بعض الأمراض التي تصيب الدماغ لا تترك أي أثر على الجمجمة.
غير أنَّه في زاوية صغيرة من روسيا، اكتشف علماء بعض أفضل الأدلة المُكتشفة على الإطلاق لعملية ثقب الجمجمة الشعائرية.
أُسندت مَهمة تحليل محتويات المقبرة إلى إيلينا باتييفا، وهي الآن عالمة في مجال أصل الإنسان بالجامعة الفيدرالية الجنوبية في روستوف-نا-دونو، في روسيا.
عرفت على الفور الفتحات على أنَّها ثقوب من جراء عمليات ثقب الجمجمة، وسرعان ما أدركت أنَّ هذه الثقوب لم تكن عادية.
كانت كلها في الموقع نفسه تقريباً: نقطة على الجمجمة تسمى “السليلى”. تقع السليلى على قمة الجمجمة ونحو مؤخرة الرأس، في المكان الذي تتجمع ربطة ذيل الحصان المرتفع للشعر.
هناك سببٌ وجيهٌ لكون عملية ثقب الجمجمة عند نقطة السليلي أمراً نادراً: إنَّها خطيرة للغاية. كان ثقب الجمجمة عند تلك المنطقة قد يُعرض الشخص لخطر نزف كميات كبيرة من الدماء والموت.
يشير هذا إلى أنَّ سكان العصر النحاسي في روسيا كان لديهم سبب وجيه لإجراء مثل عمليات ثقب الجمجمة تلك. ومع ذلك، لم تظهر على أي من هذه الجماجم أي علامات على تعرضها لأي إصابة أو مرض، قبل أو بعد إجراء عملية ثقب الجماجم.
وبعبارة أخرى، بدا أنَّ جميع هؤلاء الأشخاص كانوا مرضى في حين أنَّهم كانوا يتمتعون بصحة جيدة. هل كان دليلهم على عملية ثقب الجمجمة له علاقة بنوع من الطقوس؟ كان ذلك احتمالاً مثيراً للاهتمام. ومع ذلك، اضطرت باتييفا إلى التخلي عن هذا المسار.
فقد كان لديها العديد من الهياكل العظمية لتحليلها من جميع أنحاء جنوب روسيا، ولم يكن في مقدورها أن تنحرف عن ذلك المسار، لوجود قلة من الجماجم التي تؤكد المسار الآخر، مهما كان غامضاً.