أدلة جديدة أشارت إليها بعض الدراسات النفسية بيّنت أن مشاهدة أفلام الرعب يُمكن أن تُساعد الشخص على التغلب على مخاوفه!
ثقافة الرعب في التاريخ الإنساني..
ارتبطت ثقافة الرعب منذ القِدم بأساطير الشعوب وخرافاتها الشائعة. وساهمت الروايات القوطية بالترويج والتسويق لهذا النوع من المشاعر من خلال اختلاق أبطال مرعبين خياليين أمثال فرانكشتاين، دراكولا، وجيكيل وهايد. ولعل شهرة أفلام الرعب انطلقت منذ عام 1896 عندما عُرض فيلم الرعب الفرنسي “لو مانوار دو دابل” أو “القلعة المسكونة”، والذي صنعه جورج ميلييس. منذ ذلك العام، أصبح تخويف الناس فنًا بحد ذاته وصناعة مربحة للغاية!
مع ذلك، هل لهذه الأفلام المخيفة أي فائدة حقيقية؟ وهل يحصل الدماغ على مناعة ضد الأشياء المخيفة من خلال مشاهدتها تمامًا كما يحصل الجسم على المناعة للعدوى البكتيرية؟ للإجابة على هذا، نحتاج أولًا إلى فهم كيفية استجابة الدماغ للرعب.
كيف يتفاعل الدماغ مع أفلام الرعب؟
تنجح أفلام الرعب في تحقيق الأرباح والشهرة إن نجحت في استهداف الأمان النفسي العميق للمجتمع. فإن كانت هذه الأفلام تتعلق بأشياء غير واقعية، فلن يتهيّأ عقلك لأي تهديد. إلا أن أفلام الرعب التي يدور محتواها حول أشياء تتواجد حقيقةً في الواقع، فإنها تنجح في تحذير الدماغ من أن هذه الأشياء قد تحدث في الحياة الواقعية، ومن الأفضل أن تأخذ حذرك منها. وما يُعالج هذه المشاعر المخيفة في عقلك، هو جزء صغير للغاية في الدماغ يُسمى “اللوزة amygdala”
Amygdala هي مجموعة من الخلايا العصبية المتجمّعة معًا في المخ، تتعامل مع المخاوف الأولية لدى البشر وتعرضها. ويبدو أن اللوزة لا تعمل لوحدها في الدماغ على هذه المشاعر، إنما تتحّد مع منطقتيْن أخرييْن في المخ -منطقة تحت المهاد ومنطقة تُسمى hippocampus-. إذ أن منطقة تحت المهاد هي المسؤولة عن استجابتنا للمخاوف بالصراخ ومحاولة الهرب.
وتعمل اللوزة على تنشيط الجهاز العصبي عبر ما تحت المهاد (HPA axis) ليُخبر الغدد الكظرية بإفراز هرمون الأدرينالين الذي يُسبب شعور جسمك بالخوف ويزيد من معدل ضربات القلب ويُسبب التعرق وجفاف الفم والتنفس بشكلٍ أعمق، إضافةً إلى زيادة تدفق الدم إلى عضلات الهيكل العظمي. لهذا السبب تقفز وتصرخ أو تُصبح أكثر مرونة عند مشاهدة فيلم رعب، حيث يُخبر عقلك جسمك بالهرب من مكانك وبسرعة!
أما منطقة Hippocampus في الدماغ، فهي مسؤولة عن “المنطق”، وإخبار العقل أن ما تشاهده مجرد فيلم ولن يُصيبك بضرر أو لن يتحقق فعليًا في الحياة الواقعية.
هل تمنحك أفلام الرعب مناعة ضد الأشياء المخيفة؟
لا تزال هناك شكوك حول هذه النظرية. القليل من الأدلة أشارت إلى أن مشاهدة أفلام الرعب يجعلك على استعداد للتعامل مع المواقف المخيفة في الواقع. مع ذلك، فإن حالة اليقظة المُفرطة التي يدخل بها جسمك تحت تأثير الأدرينالين عند متابعة فيلم رعب يُمكن أن تكون مفيدة من حيث إبعادك عن مواقف مخيفة مماثلة.
من ناحيةٍ أخرى، بعض الأدلة أشارت إلى أن مشاهدة أفلام مرعبة يُمكن أن تُساعدك على التغلب على مخاوفك. وذلك من خلال علاج الجسم نفسيًا بما يُعرف باسم “تحمّل الشدة Distress tolerance”، عبر تطوير قدرة الجسم على عدم الاستجابة المتصاعدة للخوف والرهاب من خلال التفاعل المتكرر مع المُسبِّب للخوف.
هذا الأسلوب النفسي “Distress tolerance” يُستعمل فعليًا في تدريب الناس على التخلص من مخاوفهم والرهاب الذي يُعانون منه من خلال جمعهم مع سبب الرهاب، كالخوف من العناكب أو الحشرات أو الظلام. الأمر نفسه ينطبق على أفلام الرعب، فالتعرض المتكرر لهذه الأفلام يُخبر جسمك أن الذي يُخيفك لن يُسبب لك أي ضرر.
كما أن العديد من الأبحاث أشارت إلى أن مشاهدة فيلم مخيف يُمكن أن يكون مفيدًا للدماغ عندما يتعلّق الأمر بالتعامل مع الضغوطات الأخرى. بعض الناس الذين خضعوا لتجارب مماثلة أفادوا أنه مشاهدة أفلام مرعبة سمح لهم بالتعامل مع القلق، بسبب اندفاع الأدرينالين الذي خفّف من أعراض القلق.
خلاصة الأمر، أن لكل شخص استجابة مختلفة تجاه أفلام الرعب. البعض يحصل على التشويق، في حين يشعر البعض الآخر أنهم تعرّضوا للتعذيب! كل ذلك يتوقّف على العقول البشرية التي تختلف في طريقة معالجتها للخوف.
نتيجةً لذلك، يُمكن أن نُساوي بين متابعة أفلام مرعبة وطريقة تفاعل جسمك مع مواقف مخيفة في الواقع، بمعنى أن الدماغ يكتسب الخبرة للتعامل مع الخوف بطريقة أفضل وأقل ضررًا.
اقرأ أيضًا:
لماذا نستمتع بمشاهدة أفلام الرعب ؟