من أصعب الأمور التي تشق على النفس ولا نستطيع تقبلها بسهولة شيء يدعى “التغيير”، فبالرغم من سهولة التعريف الذي يقول أن التغيير هو الانتقال من حال إلى حال أو من وضع إلى آخر، إلا أن تطبيق مفاهيمه تنتقل غبر مخاضات عسيرة، وآلام كثيرة، فليس بالبساطة تطبيق عبارات التعريف، وخصوصاً إذا ما أقترنت بعادة أو فكر أو بشيء معنوي أو سلوك فلابد أن نتجرع المر لكي نتغير.
خلال سنواتي الماضية وبالتحديد منذ العام 2008 شاهدت عدة ممارسات للتغيير، في أغلبها كانت تواجه بمقاومة شديدة، إلا أنها تنتهي بخسارة الطرف المقاوم في كثير من الحالات، بل يعتبر من النادر جداً أن لا يحدث التغيير خصوصاً إذ كان لا يمس العقيدة، فالمجتمع الطموح يكون التغيير بالنسبة له مطلب اساسي، فهو يدل على التقدم والنجاح، ومقاوم التغيير في الغالب تأتي من الذين رضوا بالنسبة الدنيا من النجاح، واستقروا عليها لزمن حتى اصبحت قصة النجاح بداية لخطوات الفشل.
لعلي أضرب لكم هنا مثال على النسبة الدنيا من النجاح، ففي إحدى الصروح التعليمية في الوطن العربي، كانت مدد التدريب طويلة ولا تتمكن المنظمة من تغطية احتياجات المجتمع، ولا الاقبال الكبير على هذه البرامج، وبعد أن تولى منصب الإدارة من يرى أن التغيير هو السبيل الأبرز للنجاح، قام بالبحث عن المشكلة ومن ثم وضع سبل حديثة للتطوير ساهمت بعد تطبيقها بشكل كبير في زيادة الطاقة الاستيعابية للمنظمة، وبالتالي زيادة الإقبال على برامج المنظمة، إلا أن هذا النجاح رأى فيه مدير المنظمة قمة الإنجاز، وأقصى درجات الابداع، فأصبح هذا المسؤول يقاوم وبشدة كل متطلبات التغيير التي تحدث في المجتمع، ويتجاهل كل التطورات في المنظومات العالمية التي تمارس ذات النشاط، حتى أصبح شعاره “دامهم راضين.. خلونا على وضعنا”، إلى أن أتى الوقت الذي أصبح لزاماً أن يبدأ التغيير من رأس الهرم، ليأتي بدلاً منه من يدعم التغيير ليقود المنظمة إلى نجاح آخر.
في التغيير أحياناً كثيرة متعة لا يوجد لها مثيل، إلا أنها تقترن بالإبتعاد عن بعض الأمور التي نفضلها ونبدع في تنفيذها، إلى أمور لا نحب تنفيذها ولا حتى التعامل معها، وهذا يجعلنا في مقاومة داخلية كبيرة للتغيير، مما يؤدي كثيراً إلى إفشال خطط التغيير، فيصبح البتر معها هو العلاج الأنجع، وذلك بابعاد العضو الذي يقاوم التغيير، فيصبح أمامه احد أمرين إما أن يعود ويتغير، أو يلقى في متحف الذكريات.
التغيير ليس بالشيء اليسير، فهناك عوائق كثيرة تحول دون تحقيقة من أبرزها العادات والأفكار القديمة، وكم هو صعب تغيير هذه العادات التي صاحبتنا منذ نعومة أضفارنا، وأيضاً من العوائق التأخيير في بداية مرحلة التغيير، مما يؤدي إلى التسويف – وهذا عائق آخر – وبالتالي نجدنا نريد التغيير ولكنا نماطل في تنفيذه، وهذه المماطلة ناتجة عن خوف أو عدم قناعة في داخلنا بالجدوى من التغيير، مما يؤدي إلى الخوف الكبير من عواقب التغيير، ومن أبرزها الفشل وهذا يؤخر قرار البداية بالتغيير، مما يجعلنا نستخف أكثر بذواتنا وهذا عائق مهم لا نصبح معه تواقين للمعالي والارتقاء إلى الأفضل، فيصبح أي فشل أو هفوة بسيطة سور كبير أمامنا لا نستطيع تجاوزه.
ولكي نتغيير هناك أساليب عديدة تمكنا من ذلك من أبرزها التأمل لذواتنا ومراجعة تصرفاتنا ومحاولة تحسينها والابتعاد عن العوامل التي تهدم الطموح، وأيضاً توظيف الحديث الداخلي مع النفس لترسيخ القيم الإيجابية والابتعاد عن الأحاديث التي تساعد على التحفيز للتغيير، والتركيز على تقوية الإرادة والعزيمة، وأيضاً استخدام الخيال في تصور نتائج التغيير الايجابية وهذا يساعدنا على زيادة التحفيز الداخلي لتحقيق النجاح المأمول، وتبقى الأعذار هي العامل الأول للاخفاق في التغيير، فمتى ما تخلصنا منها أصبح التغيير سهل التحقيق، وأهم الأساليب التي تساعدنا على التغيير هي كتابة الأهداف ووضع الخطط لتحقيقها، وعدم الامتناع عن طلب المساعدة من الآخرين للوصول إلى الهدف الحقيقي.
يبقى التغيير مطلب مهم هذه الأيام، خصوصاً بعد أن تغييرت أمور كثيرة من حولنا، ولتذكر دائماً العبارة “من لا يتغير سيغير”.
بقلم : محمد المخلفي (مدونة حكايتة والزمن www.mukhalfi.ws)