بدلًا من صناعة الأشياء وفق قياسات عالمية متعارف عليها، بات بإمكانك اليوم أن تُدخل قياساتك الخاصة للأشياء إلى الكمبيوتر؛ مثل خزانة على سبيل المثال، ثم طباعتها بطريقة مجسّمة فقط بكبسة زر! هذه التكنولوجيا الحديثة الآخذة بالتطوّر تُعرف باسم “الطباعة ثلاثية الأبعاد 3D Printing”.
نظرة إلى الوراء على تاريخ تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد..
عند النظر في تاريخ هذه التقنية الحديثة، يبدو أنها لم تكن وليدة السنة أو السنة الماضية أو التي تسبقها، إنما يبلغ عمرها حوالي 30 سنة بعد أن قام العالم الأمريكي “تشاك هال” الذي يُعرف بلقب “أب الطباعة ثلاثية الأبعاد”، بتصميم أول طابعة ثلاثية الأبعاد واستعملها في أول عملية طباعة ثلاثية الأبعاد باسم “سيتروليثوغرافي”، وكانت بداية انطلاق شركته الضخمة 3D Systems Corporation الرائدة في مجال طباعة المجسمات 3D.
كيف نشأت فكرة الطباعة ثلاثية الأبعاد؟
يُمكن اعتبار تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بأنها امتداد منطقي لعملية تصميم الأشياء، بدءًا من تشكيل النماذج الأولية محفورة من الخشب أو البلاستيك وتثبيتها ببعضها البعض، والي كنت تُعتبر عملية مكلفة وتستغرق أيامًا بل وأسابيع، حتى فترة الثمانينيات التي نشأت فيها فكرة تُسمى النماذج الأولية السريعة “rapid prototyping RP”، والتي طوّرت النماذج الأولية بطرق آلية استغرقت ساعات أو أيام لإنهائها.
من هنا جاءت فكرة تطوير آلات لتصميم نماذج أولية مجسّمة للأشياء بسرعة كبيرة وبطريقة تُشبه طابعات الحبر المتعارف عليها، فكانت طابعات المجسّمات ثلاثية الأبعاد.
مبدأ عمل الطابعات ثلاثية الأبعاد..
تعمل الطابعات ثلاثية الأبعاد وفق تقنية “(Additive Manufacturing (AM”، وتعني التصنيع بالإضافة. خلال هذه التقنية يتم تصنيع المجسمات من خلال تصميمها أولًا على الحاسوب، ثم طباعتها بطريقة ترتيب عدة طبقات رفيعة فوق بعضها البعض من مواد معيّنة حتى يكتمل الجسم المطلوب.
(الفيديو يحتوي على موسيقى)
وعند شرح آلية عملها، فإنها تُشبه إلى حدٍ كبير طابعات الحبر المعروفة التي يتم إعطاء الأوامر لها من الحاسوب. حيث تقوم طابعة 3D ببناء طبقات للنموذج من الأسفل للأعلى من خلال الطباعة مرارًا وتكرارًا على نفس المنطقة بطريقة تُعرف باسم “(fused depositional modeling (FDM” أو البناء بالترسيب المنصهر.
وتعمل الطابعة بطريقة آلية ومن تلقاء نفسها بالكامل على إنشاء النموذج خلال ساعات عبر تحويل رسم CAD ثلاثي الأبعاد إلى العديد من الطبقات. وبدلًا من استعمال الحبر، تقوم الطابعة ببناء الطبقات فوق بعضها البعض من البلاستيك المنصهر وتدمجها معًا عبر ضوء لاصق من الأشعة فوق البنفسجية.
المميزات والعيوب..
يدّعي صانعو الطابعات ثلاثية الأبعاد أنها أسرع بحوالي 10 أضعاف من الطرق الأخرى وأرخص بخمس مرات كذلك، لذلك يٌقدّمون مزايا كبيرة للأشخاص الذين يحتاجون نماذج أولية سريعة في غضون ساعات بدلًا من أيام.
لكن وعلى الرغم من ذلك تُعتبر تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد باهظة الضمن (عادةً بين 25 ألف إلى 50 ألف دولار). كما تتوافر أيضًا أجهزة أرخص بكثير مثل طابعة Tronxy 3D التي تُستعمل في مدارس التصميم، والتي يتراوح سعرها بين 100-200$، وهي صغيرة الحجم وآمنة وسهلة الاستخدام.
لكن وعلى الجانب السلبي، فإن النماذج التي تُنتجها الطابعات الأرخص تكون ذات جودة أدنى من النماذج التي تصنعها طابعات RP فائقة التطور، كما أن نهايات النماذج لا تكون مصقولة بشكلٍ صحيح. لذلك عادةً ما تُفضل الشركات الكبيرة الاعتماد على طابعات RP خاصةً في المجالات الحساسة مثل الطب والهندسة المعمارية.
مجالات استعمال الطباعة ثلاثية الأبعاد..
تعدّدت المجالات نظرًا لتنوع النماذج التي يُمكن صناعتها بهذه التقنية. من هذه المجالات: الفضاء، الطب، الهندسة، التعليم، والإلكترونيات، والترفيه.
الطب
برزت تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بشكلٍ واضح في مجال الطب لقدرة هذه التقنية على طباعة أعضاء وأنسجة الإنسان لزراعتها بدلًا من الأعضاء المصابة، وفي تشخيص الحالات الحرجة، ولدراسة الأمراض المعقّدة وتأثير السرطان والأورام على الجسم.
وعلى الرغم من أننا بعيدون عن طباعة أعضاء حساسة في الجسم مثل “القلب والكبد”، لكن التقنية تتحرك بسرعة كبيرة في هذا الاتجاه. ويقوم أحد المشاريع المعروف باسم Body on a Chip الذي يُديره معهد Wake Forest للطب التجديدي في ولاية نورث كارولينا، بطباعة قلوب بشرية صغيرة ورئتين وأوعية دموية ووضعها على رقاقة، ثم اختبارها بنوع من أنواع الدم المصنّع.
الفضاء والدفاع الجوي
بالاعتماد على تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، بات بالإمكان اختبار تصاميم الطائرات التجارية والعسكرية وبعض المشاريع الفضائية المُكلفة قبل تصنيع النماذج النهائية منها.
لا يزال العلماء في مرحلة البحث والتجربة من أجل الارتقاء بهذه التقنية وتطويرها، والتي قد تُغنينا مستقبلًا عن عمليات زراعة الأعضاء التقليدية وما يُحيط بها من صعوبات بالغة والانتظار لسنوات أحيانًا للعثور على متبرّع متوافق! وليس في مجال الطب فقط، إنما في مجالات أخرى عديدة.
المصادر
اقرأ أيضًا: