طائرات بدون طيار تحارب الملاريا في ماليزيا

في منطقة نائية جنوب شرق آسيا، انطلقت طائرات بدون طيار لخوض معركة شرسة، ليس ضد الإرهابيين أو المتمردين، ولكن ضد الأمراض المعدية.

ذهب الباحثون إلى جزيرة بورنيو، للتحليق بالروبوتات، التي تقوم بدورها بمسح المناطق المتضررة بطفيلي الملاريا، الذي يصيب القرود بشكل كبير. في السنوات الأخيرة، شهد مسؤولي الصحة العامة في ولاية “صباح” الماليزية، ارتفاع في عدد حالات البشر المصابين بهذا الطفيلي القاتل، الذي ينتشر عن طريق البعوض، ومن ثم إلى القرود وأخيراً يصيب الإنسان.

الملاريا تعني الهواء الفاسد إشارة إلى توالد بعوض الملاريا في المستنقعات والمياه الراكدة. كان القدماء يعتقدون أن الملاريا ينقلها هواء المستنقعات. لهذا كان الإنجليز يسمونها حمى المستنقعات والعرب يطلقون عليها البرداء لأنها تسبب الرعشة الشديدة.

لقد تم اكتشاف الطفيلي مسبب مرض الملاريا في 6 نوفمبر 1880 في المستشفى العسكري بقسنطينة (الجزائر) من طرف طبيب في الجيش الفرنسي يدعى ألفونس لافيران والذي حاز على جائرة نوبل في الطب والفزيولوجيا لعام 1907 عن اكتشافه هذا.

ويعتبر هذا المرض من الأمراض الفتاكة فقد أوصت منظمة الصحة العالمية المسافرين إلى المناطق الموبوءة باستعمال الدواء المناسب مباشرة بمجرد الإحساس بارتفاع درجة الحرارة (أثناء السفر أو بعده) إلى 38 درجة مئوية أو عند ظهور أي أعراض للملاريا دون الانتظار لتشخيص الطبيب.

الناقل الأساسي لهذا المرض هو أنثى بعوضة أنوفليس، والت تمتلك القدرة الأكبر علي نقل الطفيلي المسبب للملاريا أثناء امتصاصها لدم الإنسان الذي تحتاجه لتتمكن من وضع البيض. ويوجد 380 نوع من البعوض الأنوفليس منها حوالي 60 نوعاً له القدرة على نقل الطفيل. وكباقي أنواع البعوض تعيش معظم أطواره في الماء الآسن.

ومن أبرز أعراض الملاريا، الرعشة والانتفاضة والحمى والعرق والصداع والغثيان والقيء وآلام في العضلات وبراز مدمم ويرقان وتشنجات واغماءات. ارتفاع في درجة الحرارة قد تصاحبه قشعريرة وعرق غزير وصداع.

طريقة تصويرية لانتقال مرض الملاريا وتفشيه في الانسان.

وتقاتل العديد من المنظمات الصحية لمنع انتشار هذا المرض في بلادها. وقال أحد الباحثين المشاركين في هذا المشروع “كريس دراكلي”، وهو بروفيسور العدوى والمناعة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي :” نحن نعمل على حل اللغز وراء انتشار هذا الطفيلي خصيصاً من القرود ومن ثم للإنسان”

دراكلي، وزملاؤه استخدموا طائرات بدون طيار لتحميل كاميرات صغيرة تسمى “senseFly eBee”، لإنشاء خرائط ونماذج رقمية للمجتمعات المحيطة، والأراضي، والغطاء النباتي. الطائرات بدون طيار يمكن أن تطير لمدة تصل إلى 50 دقيقة، وتحمل كاميرا رقمية بدقة 16 ميجا بكسل.

وقال هذا البروفيسور :” ما نقوم به هو خلق خريطة مفصلة، لتتبع جميع حركات الإنسان وحركة القرود، أملاً في الوصول إلى أنماط حركة كل من القرود والبشر من بيانات نظام تحديد المواقع، وقمنا بطلب من الناس المحليين حمل أجهزة تحديد المواقع لتعقب حركتهم، في حين تم تركيب هذه الأجهزة على بعض القرود.

يبقى الأمل معلق على أن تساعد البيانات القادمة من أجهزة تحديد المواقع، الباحثين في تحديد الأماكن التي يتفاعل بها القرود والبشر بشكل كبير، وسوف تظهر في هذا الوقت الطائرات بدون طيار، لكي تساعدهم في معرفة لما يحدث هذا الأمر بين البشر والقرود، وتصوير هذه المناطق بدقة كبيرة، لمعرفة جميع التفاصيل اللازمة لحل اللغز.

كانت في الماضي عملية تعقب انتشار هذا المرض أسهل بكثير، حيث كان يصاب الرجال البالغين الذين يمضون وقتهم في الغابة، وكانوا يعملون على قط الأشجار، فيقوم القرود الاعتراض لهم، وعض هؤلاء الرجال، مما يتسبب هذا الأمر بنقل الملاريا. أما الآن فقد أشار الباحثون إلى ضرورة معالجة هذا المرض، قبل أن يتفشى في الأطفال، فضلاً عن عائلات بأكملها، وجميع البشر الذين يعملون في الغابات.

وقال داركيلي :” لا يزال الباحثون غير متأكدين من سبب انتشار هذا الطفيل إلى القرود. وكانت الشكوك تحوم حول سبب التغييرات في الطريقة التي تستخدم بها الأرض، وما هي نوعية الأراضي التي يلتقي بها القرود والبشر معاً، وهذا ما يعمل الباحثون على تحديده من خلال هذا المشروع.

على سبيل المثال، ساعدت لقطات من الطائرات بدون طيار، في تأكيد الباحثين على أن حقول الذرة ليس فقط كل روادها هم المزارعين والبشر، بل تعتبر ملاذ كبير عند القرود، التي تقوم بسرقة الذرة.

وتوصل العلماء إلى أحد الأسباب وراء انتشار مرض الملاريا من القرود ثم إلى البشر، وكان ذلك عن طريق قطع الأشجار العالية، التي تجعل من هذه القرود تقترب أكثر من البشر، حيث تقوم بالتوجه إلى المدن السكنية والمناطق المكتظة بالسكان، لايجاد مساكن أفضل لها.

كان الفضل بشكل كبير لهذه الطائرات، في جمع معلومات عن هذه القرود التي تستضيف هذا الطفيلي، ومع مواصلة العمل على هذا المشروع قام الباحثون بتزويد هذه الطائرات بأجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء، والتي تسمح للباحثين أن يروا ليس فقط القرود بل الحيوانات الأخرى التي تجتمع في مكان واحد.

بالإضافة إلى أن هذه الطائرات تراقب أرض الأراضي الخصبة المرجح أن تكون مكان ملائم لتواجد البعوض.

إن فكرة أخذ صورة من السماء لاكتساب منظور أوسع كالذي يحصل في الأقمار الصناعية، ليست فكرة جيدة، حسب ما قاله “ستيفن مورس”، أستاذ علم الأوبئة في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك :” العلماء كانوا يعملون على معرفة أماكن الأوبئة من خلال الأقمار الصناعية، وأجهزة الاستشعار لرصد حركة الحيوانات، ولكنها ليست ذات كفاءة عالية في العمل”.

وأضاف موريس :” إن العمل مع الطائرات بدون طيار قد تكون مصدرا أكثر قدرة على الحصول على معلومات بشكل أدق، من صور الأقمار الصناعية المكلفة، وأعتقد أن هناك الكثير من المزايا لطائرات بدون طيار، مثل التكلفة المنخفضة نسبياً، وإمكانية الحصول على مشاهد أقرب بكثير، والحصول على تفاصيل دقيقة، إنه فعلاً شي رائع العمل مع هذه الطائرات”.

المصادر 1 2 3

Exit mobile version