مخططات ترامب لتجاهل التغيرات المناخية لن تدوم طويلاً

مخططات ترامب لتجاهل التغيرات المناخية لن تدوم طويلاً

مخططات ترامب قد ’تحتاج سنوات لتدخل حيز التنفيذ‘ إذا جرى تنفيذها من الأساس. لن يغير الرئيس الأمريكي في مسيرة الجهود الجارية

بقلم جورج برباري، الرئيس التنفيذي لشركة ’دي سي برو‘ للهندسة التي تتخذ من الإمارات مقراً لها ومؤلف كتاب ’ميزانية الطاقة‘، والذي يعتبر من كبار الداعمين لجهود الاستدامة.

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التغيرات المناخية بأنها “خدعة” بينما العالم ما يزال يحاول استيعاب القرار التنفيذي الذي اتخذه الأسبوع الماضي ليلغي فيه الإجراءات البيئية التي كانت سلفه باراك أوباما قد وضعها، ويقضي قرار ترامب بخفض تمويل وكالة حماية البيئة الأمريكية لسياسات التغير المناخي بمقدار 100 مليون دولار أمريكي.

ورغم أن للرئيس ترامب الحرية في آرائه الشخصية إلا أنه هل يحق له أن يقرر كيفية تعاطي بلد بأكمله مع هذه المشكلة المتنامية؟ برأيي الإجابة هي: لا.

أبحث في كتابي ’ميزانية الطاقة‘ كيف أنه ينبغي أن تكون الطاقة والبيئة فوق السياسات، إذ لا يجب أن تترك القرارات المختصة بهذه المسائل الحساسة بيد شخص واحد.

أرى بضرورة وجود مجلس إدارة لوزارة الطاقة في أي بلد، يضم هذا المجلس رئيساً لمجلس الإدارة ومجلساً من المحافظين كما هو الحال مع البنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، ولا يحصل رئيس مجلس إدارة البنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي ونائبه ومجلس المحافظين على التمويل من الكونجرس وتدوم مدة عضوية كل من الأعضاء السبعة أكثر من مدة الولاية الرئاسية، وما أن يتم تعيين أحد أعضاء مجلس المحافظين من قبل الرئيس فإن هذا العضو يعمل ويتخذ قراراته بشكل شبه مستقل، وهذه هي الطريقة التي ينبغي أن تعمل بها دوائر الطاقة، وعلى هذا المنوال وأن تترك لها صلاحية اتخاذ القرارات في استخدامات الطاقة.

وبالطبع فإن الخطوات التي يتخذها ترامب لإلغاء معامل توليد الطاقة النظيفة التي باشر أوباما بها -والرامية لتخفيض الانبعاثات بنسبة 32% بحلول العام 2030- وإلغاء التشريعات الصارمة لاستخراج الفحم في قطاع يوظف 83 ألف أمريكي سوف تستغرق سنوات لتنطلق إذ يتعين عليه أولاً إيجاد قوانين وسياسات جديدة لتحل محل تلك التي يستبدلها.

شهد العامان الأخيران في ولاية الرئيس أوباما تسارعاً نشيطاً في التوجه البيئي ولم يملك الكثير من الوقت خلال توليه المنصب لتحقيق نتائج كبيرة في هذا المضمار، وبالمثل فإن القوانين التي يضعها ترامب سوف تحتاج لسنوات كي تتخذ آثارها شكلاً ملموساً، كما أن بعض القوانين يجب استبدالها بقوانين وسياسات جديدة تحل محلها والتي بدورها قد تحتاج لسنوات من الإعداد.

يلاحظ قراء كتابي ’ميزانية الطاقة‘ أني قد رسمت خارطة انبعاثات غازات الدفيئة خلال فترات حكم آخر 3 رؤساء للولايات المتحدة الأمريكية. خلال رئاسة كلينتون/جور كانت النسبة 13.1% تلاه انخفاض بسيط قدره 0.3% خلال حكم الرئيس بوش وانخفاض بنسبة 7.2% خلال ولاية الرئيس أوباما حتى عام 2013، وقد جاء آخر تحديث لبيانات فترة رئاسة أوباما لتشير إلى انخفاض بنسبة 5.5% في انبعاثات غازات الدفيئة خلال عام 2014 بالمقارنة مع عام 2008. لذا سيتعين علينا الانتظار لنرى ما الذي سيحدث في عهد الرئيس ترامب، ويجب أن نحكم على الرؤساء بحسب أفعالهم وليس حسب ما يقولون.

أما بخصوص تعهّد ترامب بإعادة إنعاش قطاع الفحم فإنه من الجدير بالذكر أن الفحم قد عانى تقلباً في الإنتاج تراوح بين 1,074 مليون طن أمريكي أنتجت عام 2000 عندما كان الرئيس بوش يتولى الرئاسة ليرتفع إلى 1,172 مليون طن أمريكي عام 2008 خلال فترة رئاسة أوباما ليعود فينخفض إلى 738.7 مليون طن أمريكي عام 2016 عندما تولى ترامب سدة الحكم في الولايات المتحدة. يشكل الفحم والنفط أكبر معضلتين في العالم على الصعيد البيئي نظراً لمعدلات التلوث المرتفعة التي يتسببان بها إلى جانب كونهما الأقل كلفةً واستمراريةً بين مصادر الطاقة الموثوقة.

عندما يأتي الأمر للتعامل مع مسألة التغير المناخي وانبعاثات غازات الدفيئة والبيئة فيجب أن ندرك الطبيعة المعقدة للطاقة واعتمادنا المتزايد عليها؛ ويرسم كتاب ’ميزانية الطاقة‘ إجراءات عملية وحلولاً بيئية ذاتية التمويل تتجاوز ظروف العالم اليوم.

بالعودة إلى توصيف ترامب للتغيرات المناخية باسم “الخدعة” فأنا عندي إجابة واحدة لمن ينكرون العلم والحقائق، والذين باعتقادي هم قلة قليلة: أطلب من هؤلاء الأشخاص أنه حتى ولو فرضنا أنهم على حق، فأين الضرر بأن نخفف تلوث الهواء ونحمي مواردنا؟ ومن هذا المنظور يتفق معي هؤلاء المتعرضون بأن هذا لا يضر. وإذا فرضنا أنهم على خطأ وأن رأي الأكثرية هو الصحيح، فما الذي سيحصل عندما ترتفع درجة الحرارة في غلاف كوكب الأرض ليس 1.5 إلى 2 درجة مئوية كما هو متفق عليه في (اتفاقية باريس للدول الأطراف) COP21 بل إلى 3 أو 4 درجات مئوية؟ ما الذي سيحدث عندئذ؟

أغلبية سكان الولايات المتحدة وحاكمي الولايات ومحافظي المدن الكبرى يعملون بفاعلية لتحسين الواقع البيئي، وتسير الولايات المتحدة الأمريكية على الطريق الصحيح على المدى الطويل ولا أعتقد أن ترامب سيتمكن من التأثير بشكل يحرف هذا المسار الإيجابي.

تشكّل بعض التقنيات الحديثة مثل تبريد المناطق والتوليد الثلاثي للطاقة والمتكاملة مع مصادر الطاقة المتجددة وتخزين الطاقة الحرارية على مستوى المياه الحارة أو المبردة حلولاً هامة تتميز بجدواها الاقتصادية والبيئية خاصة وأنها لا تحتاج إلى تمويل حكومي؛ كل ما تحتاجه هو الجرأة واتخاذ المبادرة في الولايات المتحدة ومختلف أرجاء العالم مما سيعود بتأثير إيجابي على هذا القطاع والبيئة في آنٍ واحد.

Exit mobile version