القادة المسلمين الذين غيروا العالم في زمنهم

حفل التاريخ الإسلامي بالعديد من الملاحم الضارية بين الدولة الإسلامية ودول الكفر والضلال التي حملت السيف في وجه الحق والدين، فما كان من المسلمين إلا أن حملوا لواء الإسلام وتوغلوا في عمق دول الكفر والضلال، وبرزت العديد من الأسماء التي نُقشت بماء من ذهب وكانت مثالا للمحارب الباسل المغوار من جيوش المسلمين، وفي هذا الموضوع نستعرض ببعضٍ من الإيجاز سير بعض القادة المسلمين الذين أذاقوا الويلات للكفار وحفلت كُتب التاريخ بأسمائهم وقصصهم حتى باتت أسماؤهم علما في قعر ديار الأعداء يُحسب لذكرها ألف حسابٍ وحساب.

أشهر القادة المسلمين على مر التاريخ

الصحابي الجليل القائد خالد بن الوليد

هو خالد بن الوليد بن المغيرة المخزمي القرشي، صحابي وقائد عسكري مسلم لقبه رسول الله “صلى الله عليه وسلم” بسيف الله المسلول، اشتُهر بحسن التخطيط العسكري وبراعته منقطعة النظير في قيادة جيوش المسلمين، وكان له دورٌ مهم في حروب الردة في عهد الصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفي فتح العراق والشام، وخاض خالد نحو مائة معركة، سواء من المعارك الكبرى أو المناوشات الطفيفة خلال مسيرته العسكرية دون أن يهزم مما جعل منه واحدًا من خيرة القادة عبر التاريخ على الرغم من تفوق العدو في العدد والعتاد العسكري.

دور القائد خالد بن الوليد في حروب الردة

بعد وفاة الرسول “صلى الله عليه وسلم” انتقضت معظم القبائل العربية عدا أهل مكة والطائف والقبائل المجاورة لمكة والمدينة والطائف على سلطان أبي بكر الخليفة الجديد للمسلمين، فمنهم من ارتد عن الدين الإسلامي، ومنهم من ظل على دين الإسلام مع رفضهم أداء فريضة الزكاة، ومنهم من التف حول مدّعي النبوة في القبائل العربية، فكان من خليفة المسلمين أبي بكر الصديق أن قاتل هذه الفئة الضالة وشكّل جيشا من المسلمين تفرق في القبائل لجباية الزكاة وإلا القتال.

وكان خالد بن الوليد أحد القادة الذين أرسلهم الخليفة أبو بكر الصديق لقتال المرتدين وجباية الزكاة، فكان خير قائد في ذلك وتولى قتال المرتدين الذين خرجوا عن الدين الإسلامي، كما اتجه لبني تميم الذين امتنع بعضهم عن دفع الزكاة وارتد البعض الآخر وقاتلهم لقاء ذلك.

نهاية مسيرة خالد بن الوليد العسكرية

*ضريح خالد بن الوليد في المسجد الذي يحمل اسمه في حمص*

انتهت مسيرة الصحابي خالد بن الوليد العسكرية عندما قرر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عزله عن قيادة جيوش المسلمين بسبب كثرة تغنِّي الشعراء ببطولاته وذكائه العسكري، ويقال أن خالد بن الوليد أعطى شاعرا قيل له الأشعث مبلغ عشرة آلاف درهم من ماله الخاص لذكره له في أشعاره فأمر عمر بن الخطاب بعزله حتى لا يتأثر الناس به، وعندما كثر اللغط في عزل خالد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويُبتلوا به. فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة “.

أشهر أقوال القائد خالد بن الوليد

*مسجد خالد بن الوليد في حمص حيث دُفن القائد المسلم*

رُوي عن خالد بن الوليد أنه قال من على فراش الموت: ” لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء “.

الصحابي الجليل القائد عمرو بن العاص

هو عمرو بن العاص السهمي القرشي الكناني، أبو عبد الله، أبرز ما عُرف عنه أنه كان أدهى دهاة العرب في حنكته وتفكيره في عصره، قد نقلت عن سعة حيلته و عبقرية تدبيره روايات تشبه الأساطير ، حتى ان الخليفة عمر بن الخطاب لقبه بأرطبون العرب، وكان للصحابي الجليل عمرو بن العاص دورا هاما في الفتوحات الإسلامية، فقد قهر الروم في معركة شرسة تكللت بفتح مصر الكنانة وأصبح واليا عليها بعد أن عينه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

فتح مصر وتولي ولايتها

خلال خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عُين عمرو بن العاص لقيادة جيش المسلمين في فلسطين والأردن بعد وفاة يزيد بن أبي سفيان بداء الطاعون، وقتها استغل الصحابي عمرو بن العاص هذه الفرصة وطلب من أمير المؤمنين الإذن بالتوجه لمصر بجيشه لفتحها لتكون قوة وعون للمسلمين وتُأمن حدود الشام من هجمات الروم، فوافق عمر بين الخطاب وتوجه القائد عمرو بن العاص على رأس جيشه وخاض معركة شرسة مع الروم انتهت بهزيمتهم وفتح أبواب مصر الكنانة وبقي واليا عليها حتى عهد الخليفة عثمان بن عفان.

أشهر أقوال الصحابي عمرو بن العاص

كان مما اشتُهر عنه قبيل وفاته أنه أمر بأن يُكال ماله فكالوه ووجدوه إثنين وخمسين مدا فقال رضي الله عنه: ” من يأخذ بما فيه يا ليته كان بعرا “.

كما أن آخر ما قاله قبل أن تفيض روحه إلى بارئها ” اللهم أمرت فعصينا، ونهيت فركبنا فلا بريء فأعتذر، ولا قوي فأنتصر، ولكن لا إله إلا الله ” وكررها ثلاثا ثم فاضت روحه.

القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي

الملك الناصر أبو المظفر صلاح الدين والدنيا يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي والمشهور بلقب صلاح الدين الأيوبي، قائد عسكري وضع أسس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن في ظل الراية العباسية، اشتهر خلال حياته بمعاركه الضارية مع الفرنجة وغيرهم من أعداء الدولة الإسلامية من الصليبيين والأوروبيين في سبيل استعادة المقدسات التي استولوا عليها في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي وقد تمكن في نهاية المطاف من استعادة معظم أراضي فلسطين ولبنان بما فيها مدينة القدس، بعد أن هزم جيش بيت المقدسهزيمة منكرة في معركة حطين التي تعتبر أشهر الوقائع الحربية التي ظهرت فيها حنكته العسكرية وتمكن فيها من هزيمة الفرنجة وإجلائهم عن أراضي المسلمين.

وشهدت حياة القائد صلاح الدين الأيوبي العديد من الفتوحات والانتصارات أبرزها فتح دمشق وفتوحات الشام الداخلية، كما تمكن من توسعة الدولة الإسلامية عبر فتح أطراف من بلاد ما بين النهرين وضم حلب للدولة الإسلامية.

الحرب ضد الصليبيين وموقعة حطين الخالدة

كان صلاح الدين الأيوبي قد وضع نصب عينيه هدفين أساسين وهما توحيد المسلمين في ظل الدلة الإسلامية من خلال جمع مصر وسوريا والحجاز وتهامة والعراق في دولة واحدة تحيط ببيت المقدس، أما الهدف الثاني فكان جلاء الصليبيين عن أراضي المسلمين المقدسة في فلسطين وتحرير بيت المقدس من دنس الصليبيين وهذا ما حصل في معركة حطين.

في تاريخ 25 ربيع الآخر سنة 583 هـ، الموافق فيه 5 يوليو سنة 1187م، نزل الصليبيون قرون حطين، وكان صلاح الدين قد سبقهم إلى هناك وتمركز جيشه في المنطقة العليا منها حيث نبع المياه، وكانت تجهيزات الفرنجة الحربية الثقيلة هي سبب تأخرهم في الوصول، ولمّا وصلوا إلى الموقع كانوا هالكين من العطش لدرجة أنهم شربوا الخمر بدلاً من الماء فسكر منهم الكثير، وهاجموا جيش صلاح الدين فقُتل من الفريقين عدد من الجنود.

كان الصليبيون متحمسين في البداية للحصول على الماء فهزموا المسلمين في أول النهار ولكن دارت الدوائر في آخر النهار، فانقض الأيوبيون على الجيش الصليبي ومزقوا صفوفه، واستمرت المعركة ساعات طويلة، وما أن انقشع غبارها حتى تبيّن مدى الكارثة التي لحقت بالصليبيين، فقد خسروا زهرة شباب جنودهم، وقُتل العديد من الفرسان والضبّاط المخضرمين، ووقع ملوك الصليبيين في الأسر فمنهم من قُتل بعد رفضهم الإسلام ومنهم من أُخذ أسيرا، وهكذا انتهى حكم الصليبيين واحتلالهم لبيت المقدس في ذلك الوقت.

مما يُروى عن القائد صلاح الدين الأيوبي

ذكر بهاء الدين الأصفهاني أنه في شهر أبريل من عام 1191م كانت امرأة من الفرنجة قد سرق منها طفلها الذي يبلغ من العمر ثلاث شهور، وبيع في السوق، فنصحها الفرنجة بالتظلم لصلاح الدين الأيوبي نفسه، فأمر صلاح الدين باستعادة الطفل من ماله الخاص لأمه، وأعادها إلى مخيمها.

القائد المسلم السلطان محمد الفاتح

السلطان الغازي محمد الثاني الفاتح سابع سلاطين الدولة العثمانية وسلالة آل عثمان، يُلقّب بالفاتح نسبة إلى أهم فتح في تاريخ الدولة الإسلامية وهو فتح القسطنطينية، فله يُعزى القضاء نهائيًا على الإمبراطورية البيزنطية بعد أن استمرّت أحد عشر قرنا ونيفا، ويعتبر العديد من المؤرخين هذا الحدث بأنه نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة، وهنا نذكر أنه تولى الحكم وكان عمره 22 عاما فقط، ويكفيه شهادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال ” لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش جيشها”.

امتاز السلطان محمد الفاتح بشخصية فذة جمعت بين القوة والعدل كما أنه فاق أقرانه منذ حداثته في كثير من العلوم التي كان يتلقاها في مدرسة الأمراء، وخاصة معرفته لكثير من لغات عصره وميله الشديد لدراسة كتب التاريخ، مما ساعده فيما بعد على إبراز شخصيته في الإدارة وميادين القتال، وشهد حكم القائد محمد الفاتح العديد من الفتوحات الإسلامية غير القسطنطينية أشهرها فتح بلاد موره ومحاربة المجر وتوحيد الأناضول وفتح البوسنة وإمارة قرمان وجزر اليونان ومدينة أوترانت وغيرها من البلاد والمدن التي ضمها للدولة الإسلامية وزاد من عظمتها.

فتح القسطنطينية في عام 1453م

أعد السلطان محمد الفاتح العدة لفتح القسطنطينية لمكانتها المهمة في العالم، إذ تعد القسطنطينية من أهم المدن العالمية، وقد كان لها موقع عالمي فريد حتى قيل عنها: “لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها”، وعندما دخل المسلمون في جهاد مع الدولة البيزنطية كان لهذه المدينة مكانتها الخاصة من ذلك الصراع، فقد امتدت إليها يد القوات المسلمة المجاهدة منذ أيام معاوية بن أبي سفيان في أولى الحملات الإسلامية عليها سنة 44هـ ولم تنجح هذه الحملة، وقد تكررت حملات أخرى في عهده حظيت بنفس النتيجة.

كان محمد الفاتح يتطلع إلى فتح القسطنطينية ويفكر في فتحها ولقد ساهمت تربية العلماء على تنشئته على حب الإسلام، وقد بذل جهوده المختلفة للتخطيط والترتيب لفتح القسطنطينية، وبذل في ذلك جهوداً كبيرة في تقوية الجيش العثماني بالقوى البشرية حتى وصل تعداده إلى قرابة ربع مليون مجاهد وهذا عدد كبير مقارنة بجيوش الدول في تلك الفترة، كما عنى عناية خاصة بتدريب تلك الجموع على فنون القتال المختلفة وبمختلف أنواع الأسلحة التي تؤهلهم للعملية الجهادية المنتظرة.

*السلطان محمد الثاني يدخل إلى القسطنطينية، بريشة الرسام “فوستو زونارو”*

وقام السلطان محمد الفاتح بتجهيز جيشه بأقوى المعدات الحربية من المدافع الضخمة والسفن الحربية المجهزة بكل أنواع الذخيرة، كما برزت حنكته العسكرية في هذه المعركة عندما تمكن من دخول القرن الذهبي في البحر قرب القسطنطينية بعدما أمر الملك قسطنطين بإغلاقه بالسلاسل الضخمة بعد علمه بهجوم المسلمين، ونقل السلطان محمد الفاتح قرابة سبعين سفينة من سفن المسلمين لداخل القرن وقام بنصب المدافع وتجيز جيشه للقتال بعد أن رفض قسطنطين الاستسلام.

بعد معرك ضارية بين المسلمين والبيزنطيين، قُتل الملك قسطنطين في المعركة وكان لخبر مقتله دورا كبيرا في زيادة حماسة المسلمين واستيلائهم على المدينة، بعد هذا النصر ضم القائد محمد الفاتح القسطنطينية لحكمه وأطلق عليها إسم “إسلام بول” أي دار الإسلام ثم حُرفت إلى “إستانبول” واتخذها عاصمة للدولة الإسلامية.

 

اقرأ أيضا:

بعض المحاربين الأكثر قوة على مر التاريخ

المصادر

1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5

Exit mobile version