طب و صحة

صوم الدوبامين ،، هل ينجح الامتناع عن المحفزات والمُتع بعلاج الإدمان والملل؟

أصبح مصطلع صوم الدوبامين شائعًا في الأوساط التكنولوجية في الآونة الأخيرة، والذي يتضمّن عزل نفسك عن كل مسبب للتحفيز لمدة 24 ساعة تقريبًا.

إدمان الهاتف

واضعو هذا النوع من أساليب تقويم السلوك البشري وتحفيزه يدّعون أنه ينجح لعلاج الملل والإدمان وإعادة ضبط مركز المكافأة في الدماغ.

فمع كثرة المغريات من حولنا واعتيادنا على الأجهزة الإلكترونية وما يُشبهها، بات من الصعب الشعور بالتحفيز والاستمتاع لأبسط الأشياء.

إذ يدّعي ممارسو هذا الأسلوب الحديث أن صيام الدوبامين يُعالج مشكلة إدمان الأجهزة الإلكترونية والمُتع المختلفة.

خلال هذه الفترة، لا يمكنك أكل أو شرب أي شيء غير الماء، أو استخدام الإنترنت أو الهاتف أو الكمبيوتر أو التلفزيون (أو أي شاشات أو تقنية أخرى).

لا يمكنك أيضًا الاستماع إلى الموسيقى أو الراديو، ويتم تشجيعك على مواصلة القراءة والتحدث بالحد الأدنى.

 

ما هو صوم الدوبامين “Dopamine Fasting”، وكيف يعمل؟؟

صوم الدوبامين

يُعتبر “صيام الدوبامين” أحدث اتجاهات التعافي في وادي السيليكون.

مقالات ذات صلة: ماذا تعرف عن “وادي السيليكون” عاصمة التكنولوجيا؟

 

وقبل كل شي، ما هو الدوبامين من الأساس؟

مادة الدوبامين

الدوبامين هو ناقل عصبي – مادة كيميائية تنتقل بين الخلايا العصبية مثل الملاحظات المكتوبة بخط اليد بين تلاميذ المدارس.

تقوم الخلايا العصبية المجاورة بتمرير هذه “الملاحظات” عبر شبكات معقدة في الدماغ.

من خلال تبادل النواقل العصبية، تعمل خلايا الدماغ معًا لمعالجة المعلومات وتوجيه السلوك.

تعتمد العديد من شبكات الدماغ على الدوبامين لتعمل بشكل صحيح، بما في ذلك مجموعة من هياكل الدماغ الموجودة في وسط العضو المعروف باسم “مسار المكافأة الوسيطة”.

يساعد هذا المسار في التحكم في استجابتنا للمكافآت، كالطعام أو حتى المخدرات التي تُغير من كيمياء الدماغ.

إذ يخرج الدوبامين إلى مناطق الدماغ الأخرى التي تشكل ذاكرتنا وتوقعاتنا وعواطفنا وردود الأفعال حول المكافآت.

وعلى الرغم من وصفه في كثير من الأحيان بأنه مادة كيميائية “تبعث على الشعور بالرضا”، إلا أن الدوبامين لا يعمل من خلال إثارة مشاعر السرور والسعادة في مركز المكافأة في الدماغ، حسبما قال مايكل تريدواي، عالم النفس السريري وعالم الأعصاب في جامعة إيموري، لموقع Live Science.

قال تريدواي: “لا يزال هذا موضع نقاش ساخن، لكنني أعتقد أن معظم باحثي الدوبامين اليوم يتفقون على أن الدوبامين لا يتعلق بالمتعة”.

بدلاً من ذلك، قد يكون تأثير الدوبامين أكثر حول التحفيز والاستعداد لبذل الجهد للوصول إلى الأهداف وكسب المكافآت، كما قال. ولكن هذه المادة الكيميائية تخدم العديد من الوظائف في الدماغ.

يعتمد الإجراء الدقيق للدوبامين على الخلايا العصبية التي ترسل وتستقبل المادة الكيميائية، ومكان تواجد تلك الخلايا في الدماغ.

لكن بشكل عام، يعمل الدوبامين كنوع من “لوحة التبديل” التي تضبط كيفية تعامل مناطق الدماغ المختلفة مع المعلومات الواردة، كما قال تريدواي.

تساعد المادة الكيميائية في توجيه انتباهنا وتخصيص مستويات الطاقة لدينا وتحريك أجسامنا حرفيًا عبر الفراغ.

 

الامتناع عن المُتع ومحفّزات السعادة والإثارة!

خلال ما يسمى بصيام الدوبامين، يمتنع الممارسون عن أي تجربة تجلب لهم المتعة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الطعام والتمارين الرياضية ووسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو وحتى الحديث!

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن بعض الناس يذهبون إلى أبعد من ذلك لتجنب التواصل البصري أو الدردشة مع الأصدقاء أو حتى القيام بحركات متوسطة السرعة، كل ذلك في محاولة لتجنب التحفيز.

من خلال أخذ استراحة من الملذات والمُتع الصغيرة، يحاول الصائمون “إعادة ضبط” نظام المكافأة في الدماغ، وهي شبكة موصولة جزئيًا بواسطة مادة كيميائية تسمى الدوبامين.

بعد الصوم، أفاد الممارسون بأنهم شعروا بمزيد من التركيز والعثور على المزيد من المتعة في الأنشطة التي تجنبوها، وفقًا لـ Business Insider.

هل صيام الدوبامين ينجح فعلًا في أعادة ضبط مركز المكافأة بالدماغ؟

التخلص من المحفزات

على الرغم من شيوع هذا النهج، إلا أن العديد من العلماء جادلوا بشأن صحّته!

من بينهم الدكتور كاميرون سيباه، عالم النفس الذي ساعد في نشر الممارسة “صيام الدوبامين”.

فقد جادل سيباه بأن الناس دفعوا بهذه الممارسة إلى حد لا أساس له من الصحة، وأن متّبعيه بالغوا في تبسيط دور الدوبامين في الدماغ إلى درجة غير دقيقة.

خبراء تحدّثوا إلى موقع Live Science أشاروا إلى أنه على الرغم من طبيعة الاسم غير الدقيقة، لكن أسلوب صوم الدوبامين نشأ من الأساليب الراسخة في علاج الإدمان وقد يكون مفيدًا إن تم تنفيذه بالشكل الصحيح.

 

لا أحد يصوم بالفعل من الدوبامين!

وبشأن الممارسة “صوم الدوبامين”، ليس من الممكن في الواقع “صيام” أو إزالة الدوبامين تمامًا من جسمك من خلال تغييرات نمط الحياة، وهو أمر جيّد لأن القيام بذلك قد يكون له عواقب وخيمة.

فمن الواضح أن إزالة تأثير الدوبامين فعليًا من الجسم، قد يكون قاتلًا!

من المهم ملاحظة أنه على الرغم من الاسم، فإن الفكرة الأصلية وراء صيام الدوبامين ليست خفض مستويات الدوبامين حرفيًا.

وفقًا للخبراء، فإن الهدف ليس تقليل الدوبامين أو إحداث تغييرات وظيفية في الدماغ.

وبدلًا من ذلك، فإن صيام الدوبامين يشجع الناس على تقليل “الوقت الذي يقضونه في السلوك الإشكالي، والمرتبط بتسبيب الإدمان.

عندما يلتقط الدماغ أدلة على أنه قد يحصل قريبًا على مكافأة – سواء كانت تلك المكافأة طعامًا أو مخدرات غير مشروعة أو إعجابات على وسائل التواصل الاجتماعي – فإن ومضة من الدوبامين تنطلق من مسار المكافأة

فالسلوكيات المسببة للإدمان تؤدي بشكلٍ مستمر لإفراز مستويات أعلى من الدوبامين، ومع مرور الوقت، يتحوّل الدماغ استجابةً لذلك.

بمعنى آخر، نتيجةً للارتفاع المستمر والطفرات في إفراز الدوبامين، فإن الدماغ بطريقةٍ ما يضعف ويُقلل من استجابته للمحفّزات، عبر إلغاء مستقبلات الاستجابة للمادة الكيميائية.

من أجل ذلك، أوصى بعض الخبراء باتّباع أسلوب “صوم الدوبامين” من أجل إعادة ضبط نظام المكافأة في الدماغ، عبر امتناع الناس عن السلوكيات المحفّزة لإفرازه فترة من الزمن.

ووفقًا لوصف الدكتور ديفيد جرينفيلد، الأستاذ المساعد في الطب النفسي في كلية الطب بجامعة كونيتيكت: “نمر بفترة نسمح بها لتلك المستقبلات بالهدوء”.

 

ماذا يحدث بعد انقضاء فترة صوم الدوبامين؟

صيام الدوبامين

أثار هذا الصيام جدلًا كبيرًا فيما يفعله الصائمون أو ما لا يفعلونه أثناء الصيام نفسه.

ولكن على المدى الطويل، يجب على الصائمين اتّخاذ خطوات إضافية إن كانوا يهدفون إلى التغلب على سلوكياتهم الإشكالية.

وفقًا لشرح أحد الخبراء، فإن أحد الأشياء التي تحدث عندما ينقطع الناس عن هذه المكافآت في البداية، أنهم يصبحون فجأة على دراية بأنفسهم وأجسادهم بطريقة جديدة.

وقال إنه بدون مواد أو شاشات أو محفزات أخرى لإلهائهم، يصبح الناس فجأة يتعرفون على أنفسهم!

وكأي عملية انسحاب للجسم من المواد المسببة للإدمان، يجب على الناس معالجة سلوكياتهم التي تُسبب الإدمان ذات نفسه.

على سبيل المثال، يجب أن يتعلم الأشخاص الذين يمارسون استخدام الإنترنت القهري كيفية وضع قيود صحية على استخدامهم للتكنولوجيا.

تمامًا مثل مدمني المخدرات، يجب أن يتعرفوا ويتعاملوا مع المحفزات التي تدفعهم نحو السلوك المدمر.

 

الخلاصة..

كان القصد الأصلي وراء صوم الدوبامين هو تقديم الأساس المنطقي والاقتراحات للانفصال عن أيام الجنون المدفوع بالتكنولوجيا واستبدال المزيد من الأنشطة البسيطة لمساعدتنا على إعادة الاتصال بنا مع الآخرين.

هذه الفكرة نبيلة وصحية وجديرة بالاهتمام، لكنها بالتأكيد ليست مفهومًا جديدًا.

تقترح العديد من أساليب الحياة الصحية يومًا بعيدًا عن كل المشتتات التكنولوجية والمحفّزات، حتى تتمكن من التفكير وإعادة التواصل مع العائلة والمجتمع.

لسوء الحظ ، أصبحت الصناعة الصحية الحديثة مربحة للغاية لدرجة أن الناس يصنعون عناوين سريعة لمفاهيم قديمة.

فصيام الدوبامين ليس بالأمر الحديث، إنما استحدثه بعض خبراء وادي السيليكون لإخراج أنفسهم من التغلغل في التكنولوجيا وإعادة ضبط تحفيزاتهم الدماغية للمستويات الطبيعية.

لذلك، كما أجمع العديد من خبراء الصحة العامة، صيام الدوبامين ممارسة جيّدة طالما أنه مدفوع للتخلص من عادات سيئة تُسبب الإدمان واستبدالها بنظام حياة صحي.

لكن بشكلٍ عام، لا يُمكننا تقليل مستوى الدوبامين إلى “صفر” في الدماغ، فهو مادة كيميائية طبيعية تضمن لنا حياة صحية وممتعة.

 

المصادر

1، 2، 3

اقرأ أيضًا:

طرق تزيد فيها مستويات الدوبامين “هرمون السعادة”

ماذا يحدث لجسمك عندما تعيش دون ضغوط لمدة أسبوع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى