على الرغم من كونه سلوكًا مذمومًا، لكن الكذب بات جزءًا من طبيعة البشر في التخلُّص من المواقف السيئة بطريقة سهلة. البعض يجد أنه من الأسهل الكذب في مسألةٍ ما بدلًا من الغوص في التفسير والتبرير وأن يتحمّل الشخص الملامة في النهاية.
لماذا نكذب؟
يكذب الناس إما لحماية أنفسهم أو الارتقاء بذاتهم. فالبعض يعتقدون أن الكذب وسيلة دفاعية ضد الخطأ عبر التستر على الأخطاء لتجنّب مواجهة العواقب. كما يكذب الناس للابتعاد عن مواقف أو أشخاص لا يرغبون بالبقاء معهم.
أما بالنسبة لأمر ترقية النفس، فالبعض يجد في الكذب وسيلة للحصول على ميزة شخصية أو مادية أو خلق انطباع جيّد عن موعد أو مقابلة أو لمجرّد مزحة أو إرضاء لذّة داخليّة تتوق إلى سماع المدح وعبارات الثناء!
الأحياء وتفسير الكذب!
تُشير الأبحاث إلى أن الكاذبين لديهم 20% من الألياف العصبية في القشرية الأمامية للدماغ. هذا يُشير إلى أن هؤلاء من اتّخذوا الكذب وسيلة مزمنة لديهم المزيد من التواصل داخل أدمغتهم. ويُمكن تفسير ذلك من أن الألياف العصبية الإضافية خلقت أحداث لم تحصل بطريقة سريعة في الدماغ، أو أن الكذب المتكرر أدّى إلى تكوين هذه الألياف.
جوشوا جرين، من جامعة هارفارد قام بمسح أدمغة أشخاص عبر تقنية الرنين المغناطيسي الوظيفي، ووجد نشاطًا أكبر في النواة المتكئة في الدماغ، وهي المنطقة المسؤولة عن المكافآت. كلما زاد نشاط هذه المنطقة عند سماع فرص الحصول على المال، زادت إمكانية الخداع والكذب، ما يُنتج شخصًا جشعًا وكاذب. دراسة بحثية أخرى أخرى من جامعة لندن أشارت إلى أن اعتياد الكذب لفترة من الزمن يُعدم الإحساس بالذنب كلّما زاد حجم الكذبة والخدعة.
كيف تكتشف أن الشخص الذي تُحاوره كاذب؟
اكتشاف الأكاذيب هو علم غير دقيق إلى حدٍ ما، لكن هناك بعض العلامات الشائعة التي يُمكن ملاحظتها على أي شخص كاذب مهما بلغت مهارته في تزوير الحقيقة!
تعبيرات الوجه ولغة الجسد
تُعتبر تعبيرات الوجه ولغة الجسد أهم الطُرق التي يُمكنك أن تميّز الكاذب عبرها. فاتّساع بؤبؤ العين عند الحديث يدل على التركيز، والصادق ليس بحاجةٍ للتركيز على ما يرويه، بل على العكس تمامًا، يُمكنه قول ما يشاء بكل راحة واسترخاء. في حين أن الكاذب يحتاج المزيد من التركيز والاهتمام لخداع من أمامه بصدق ما يرويه. وعادةً ما يكون الكاذب غير المتمرّس متوترًا ويضغط على شفتيه بالكلام وصوته مرتفع عند الحديث.
مع ذلك، إن كانت المخاطر المترتّبة على الكذبة كبيرة، فإن الكاذب سيُحاول أن يبدو أكثر هدوءًا، ويتخّذ وضعية مريحة أكثر وصوته أقل صخبًا لأنه بحاجة لإقناع من حوله أنه يقول الحقيقة بدون جهد واضح.
أسلوب المحادثة واللغة
عادةً ما يستغرق الكاذب وقتًا أطول للإجابة على السؤال لأنه بحاجة إلى وقت للتفكير في كيفية جعل إجابته تبدو حقيقية. مع ذلك، إن كان الكاذب على علم مسبق بالسؤال سيكون أسرع بالرد والتحدث بوقتٍ أقل. أسلوب محادثة الكاذبين غالبًا ما يكون سلبيًا، وأكثر تشككًا وأقل تعاونًا. ويبدو الكاذبون كأنهم يحجبون المعلومات، إما بسبب الذنب أو خشية الإمساك بهم.
معظم المحاثات المكذوبة تكون منقوصة أو غير منطقية في غالب الأحيان. فالكاذب يستعين بحركة الجسد بشكلٍ كبير كحركات اليد، ومن المرجّح أن يُكرر الكلمات والعبارات لتجنب التشكيك في قصصه المزيّفة. هذا التكرار وإضافة المزيد من الكلمات يُسمى بتأثير بينوكيو، فكما طالَ أنف بينوكيو مع كل كذبة كان يقولها، كذلك الكاذب تزداد عدد كلماته مع كل كذبة!
كيفية اكتشاف الكذب في وسائل التواصل المكتوبة
منذ اختراع رسائل البريد الإلكتروني، عادةً ما تبدأ معظم الصفقات المقترحة برسائل مرسلة بالبريد الإلكتروني. ومن المهم لرجال الأعمال التأكد من أن هذه الصفقات جدّية أو مجرد التزامات فارغة تم التعهد بها على ورق. وهذه بعض الطرق التي قد تكشف لك كاذب من خلال مراسلاته:
عدد أقل من ضمائر المتكلّم: يتجنّب الكاذبون استعمال ضمائر الملكية بكثرة في محادثاتهم مثل “أنا” و “نحن” لإبعاد أنفسهم عن المساءلة بما يتعلّق بالمسألة المُتطرّق إليها في الحديث.
استعمال كلمات ذات طابع سلبي: عمومًا، تحتوي محادثات الكاذبين على الكثير من عبارات اللوم والكراهية والكلمات الحزينة.
كلمات استبعاية أقل: يقل استعمال كلمات مثل “باستثناء” أو “لكن” أو “ولا” في محادثات الكاذبين لأنها تُعتبر مصطلحات فاضحة تكشف ما فعلوه مما لم يفعلوه.
وعلى الرغم من أن البعض يرى في الكذب وسيلة لكسب المزيد من الصداقات، أو إغلاق الباب على مشاكل كبيرة، ويروْن أنَ “كذبة بيضاء لن تضر”، لكن لا اختلاف على أنه خُلُق مذموم يجر صاحبه إلى القاع ببطء. فمن يجد أن الكذبة البيضاء سهلة، لن يحتاج إلى وقتٍ طويل حتى يُصبح كاذب متمرّس!
اقرأ أيضًا: