يختبر العديد من الأشخاص في فترات من حياتهم مشكلات تتعلّق بالذاكرة، كنسيان ما كُنت على وشك فعله بمجرد دخول غرفة أخرى، أو الانشغال بمهمة ما ونسيان النية الأصلية، أو عدم اليقين بشأن ما إن كُنت أنجزتَ مهمة ما أم لا في التو واللحظة، أو نسيان ما كُنت على وشك أن تقوله على الرغم من أن الكلمة كانت في ذهنك لكنها تلاشت بشكلٍ مفاجئ ولم تُفلح كل محاولاتك باسترجاعها في نفس اللحظة، وهي أكثر حالات مشاكل الذاكرة القصيرة شيوعًا!
“كانت على طرف لساني” !!
عبارة شائعة للغاية نسمعها أو نقولها بين الحين والآخر للتعبير عن ضياع الكلام بشكلٍ مفاجئ رغم استحضاره في الذاكرة منذ لحظة بسيطة تكاد تكون ثانية! وشعورك بالعجز من تذكّر كلمة كانت عى طرف لسانك! وعلى الرغم من تذكّرنا كلمات على نفس وزن الكلمة المفقودة ومشابهة لها في الحروف، لكن تبقى هذه الكلمة ضائعة كأنها حُذفت من الذاكرة تمامًا في تلك اللحظة!
لماذا ننسى كلمات كُنّا على وشك قولها؟
تُعرف هذه الظاهرة باسم “lethologica” أو “ليثولوجيكا”، وهي كلمة يونانية تتألف من شطريْن: “LETH” وتعني النسيان، و”LOGICA” وتعني اللغة، وفي بعض الأساطير اليونانية تعني أحد الأنهار الخمسة في العالم السفلي، والتي إن شربت منه أرواح الموتى فإنها تعود للحياة في أجساد جديدة وتنسى ما كانت عليه في الحياة السابقة، على حد وصف الأسطورة.
أما علميًا، فإن لهذه الحالة وصف طبي يُعرف باسم “متلازمة طرف اللسان Tip of the tongue syndrome”، وكما يُوحي اسمها فهي تعني بأن هناك كلمة على طرف لساننا لكنها تأبى الخروج. ما يجعلنا في بعض الأحيان أن نفقد أعصابنا ونُصاب بالتوتر في سبيل تذكّر هذه الكلمة دون جدوى غالبًا.
وكان أوّل من أشار إلى هذه الحالة عالم النفس “كارل يونغ” الذي أدرج مصطلح “ليثولوجيكا” في معجم دورلاند الأمريكي الطبي عام 1951، وترجم معناها إلى العجز عن تذكّر الكلمة المناسبة. وفي شرحه لهذه الحالة، ذكر عالم النفس يونغ أن الذاكرة تعمل على إخراج الكلام حسب ارتباط المعلومات بنسق معيّن وليس حسب حاجتك إلى تذكّر كلمة ما. ما يعني أن الدماغ البشري يربط بين تذكّر كلمة ما وارتباطها بالمعلومات ونسق الكلام.
ومن بين الدراسات العديدة بشأن هذه الظاهرة، شرحت دراسة براون وماك نيل التي أُجريت عام 1966، عن ظاهرة “ليثولوجيكا” بأنها تتألف من مرحلتيْن، الأولى وهي محاولة استرجاع الكلمة التي نسيتها، والثانية هي الحوار الداخلي في عقلك في سبيل تذكّر الكلمة وكل الصراع الذي تمر فيه.
وفي خضمّ الصراع الداخلي مع عقلك وذاكرتك لتسترجع الكلمة المنشودة، قد تغفل عن حقيقة مهمة للغاية، وهي أن الذاكرة تُخزّن عدد لا محدود من الكلمات، وخلال المحادثات، فإن الكلمات الأقرب لسياق الحديث هي من تُعطى الأولوية لتخرج بسهولة، أنما تلك التي لا ترتبط من قريب بالمحادثة، أو لا تستخدمها كثيرًا، فإنه من الصعب على الذاكرة أن تسترجعها في وقتٍ قصير، بسبب عدم تشكيل روابط بينها وبين المعلومات المهمة الأخرى التي يسهل تذكّرها.
ولعل أكثر من يختبر هذه الحالة هم الأشخاص الذين يتحدّثون أكثر من لغة. فالكم الهائل في المصطلحات والكلمات الجديدة تجعل من الصعب على الذاكرة تذكّر مصطلحات صعبة أو تُستخدم بصفة قليلة في الكلام. كما يلعب السن دورًا كبيرًا في تحديد مدى انتعاش الذاكرة، وكلّما تقدّمنا في السن زادت صعوبات تذكّر بعض الكلمات، لأن الذاكرة تضعف كلّما أصبحنا أكبر.
اقرأ أيضًا:
لماذا لا ينسى مريض فقد الذاكرة لغته؟
هل للقلب ذاكرة يحتفظ بها بعد زراعته لشخص آخر؟