ثقافة و أدب

حينما يغرق الجميع !

أمواج البحر

ربما لو حضرت الموقف لظللت تفكر فيه وتتذكر لحظاته
منبهرا بما حصل خلالها ، مندهشا بما رأته عيناك ،
سعيدا بما قدمه زملاؤك ، فخورا بهم ..
لقد جمعت هذه الدقائق أوصافا رائعة جميلة ،
وكل وصف منها يكفي للفرح والافتخار ،
فإن قلت إنجازا فقد صدقت وإن قلت تعاونا فصدقت ،
وإن قلت إيثارا ووفاءً فما كذبت ..
وإن قلت جسدا ذابت فيه أرواح متعددة فذاك حالهم ..

الزمان : صباح الاثنين 11/4/1438 هـ
المكان : غرفة المعلمين في المدرسة.
الحدث : اختبار مادة الحاسب

المدرسة كبيرة وعدد الطلاب يقارب الـ 600 طالب !
يتوزعون على 18 فصلا ويقابل كل هذا العدد معلم واحد !
واليوم حان موعد الاختبار ثم التصحيح والمراجعة والرصد ،
فكيف سيقوم معلم واحد بكل هذا ولكل هذا العدد !؟
لاشك أنه سيظل لساعات طوال ، وربما سيقسم العمل لأيام
ويظل خلالها متعبا منهكا .. وقد يستعين بزميل آخر ..
حتى يتم ما عليه .

لكن الذي حصل أنه ما إن انتهى الاختبار – وهنا تبدأ حكاية جميلة تلونت بكل ألوان الجمال – حتى تجمع الزملاء من كل التخصصات ليقفوا مع أخيهم وقفة عجيبة ،
تقاسموا الأوراق وتوزعت الأدوار وتحركت بينهم الأعمال ودارت الكشوفات ، فما ترى إلا تصحيحا عفوا إلا جمالا يتخلله تصحيح ومراجعة ورصد فذا يعطي ذا وذاك يأخذ من هذا ، فتسمع من هنا من يملي : (سبع ، ثمان ، ست درجات ) ،
وتسمع من جهة أخرى : (أعطوني قلما أسود لأراجع ) ،
وآخر : ( أريد قلما أحمر لأصحح ..)
ويدخل ثالث : فيعتذر عن تأخره لتكليفه بلجنة ويقدم خدماته مبادرا متهللا .. ورابع يبادر بالقهوة لزملائه ..
أجواء منعشة لاتشعر فيها بالملل ولا بالوحدة ولايتسرب إليك الكسل والخمول .. يجدد بعضهم نشاط بعض ,
ويحمس كل واحد صاحبه ..

والأعجب والأجمل أن ترى تخصصات مختلفة يقف بعضهم مع بعض فهذا معلم عربي وذاك بدنية وثالث انجليزي ورابع علوم وخامس دين
وسادس وسابع وثامن ..
اجتماع يدهشك لو أبصرته!
لاتعلم أيهم صاحب المادة لأنه غارق بينهم وهم محيطون به ..

وتمر الدقائق سريعة والعمل على الأوراق في إنجاز مستمر ..
وحين قاربت عقارب الساعة العاشرة صباحا كان الجميع قد انتهى وتم الإنجاز بفضل الله وتوفيقه لجميع المدرسة
تصحيحا و مراجعة و رصدا ..
وحق لكل من حضر أن يفتخر ويفرح ،
وحق لكل من سمع أن يسعد ويدعو ،
وحق لكل من رأى أن يتعجب ..

الجميل أن البقاء والإنجاز لم يكن إجباريا ،
وقد كان بإمكان الجميع الخروج وبإمكانهم التأجيل ،
إلا أنهم صبروا وبذلوا واستمروا حتى أنجزوا ..
فما أروعهم .. وما أجمل إنجازهم ،
أسعدهم الله ووفقهم وجزاهم خيرا وبارك فيهم

قد يتأخر التصحيح في بعض المدارس لساعات متأخرة ,
وربما لأيام وما ينتهي منه صاحبه إلا بتعب شديد ،
وجهد عظيم وعمل شاق ،
وما ذاك إلا بسبب ضعف التعاون وكثرة الأوراق …
لكن عندما يكون الجميع يدا واحدة وقلبا واحدا ،
فسترى مواقف جميلة كماسبق بل وتوقع واجزم بحصول الإبداع وتحقق النجاحات وتيسر الصعاب ..
وكل ذلك بإذن الله وتوفيقه .

لقد فاتك مشهد عظيم ،
تسامت فيه الأرواح وتقاربت القلوب وزانت الأجواء ..
لقد فاتك الغرق معهم وبينهم ..
فإن شئت أن تسعد بمثله وتظفر بيوم يشبهه فبادر ،
فلازالت الفرصة قائمة والباب مفتوح والاختبارات لم تنته بعد
بشرط أن تكون مستعدا للغرق .. عازما على البذل والتعاون ..

فاصلة :
وكلنا أمل أن يتكرر هذا المشهد في كل يوم
وفي كل مدرسة ، لأنه سيكون سببا لتآلف أكثر
وإنجاز أكبر وتميز أعظم ..
أيها الزملاء في كل مكان جربو ولو مرة أن تغرقوا في مشهد تمتزج فيه الأرواح والقلوب والأبدان .. جربوا أن تتعاونوا ..
فوالله لن تندموا .. بل ستندمون بعده لأنكم تأخرتم عنه ..

الختام :
حينما يغرق الجميع في بحر من التعاون والمحبة والوفاء والنبل والإيثار والبذل فيا مرحبا بالغرق ،
ذاك غرق جميل وغرق سعيد يعقبه فرح و عيد ..
(غرق الجميع في الجميع فنسوا الأنا فسعدوا )

نلقاكم على خير وأنتم بخير .

وكتبه : محمد ..
shjnws@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى