سفينة يونانية غامضة جنحت قرب مدينة تبوك، منذ نحو 40 عاماً. حاول كثيرون شراءها والتكسب منها، فكان مصيرهم مفجعاً! أسماء عدة حملتها السفينة، أشهرها “جورجيوس جي Georgios G”. ولكن السفينة، القابعة على شاطئ منطقة بئر الماشي بمحافظة حقل قرب الحدود الأردنية، تعرف الآن بـ”تايتانيك السعودية”. لكن ما هو السر وراء هذه السفينة؟
ما قصة “تايتانيك السعودية” الغامضة قرب تبوك؟
وفقاً لما جاء في هافينغتون بوست عربي، فإن قصة السفينة الجاثمة يشوبها الغموض وتثير الاستغراب لدى العديد من السعوديين، وذلك منذ جنوحها في أواخر التسعينات الهجرية (سبعينات القرن العشرين)، ولكنها باتت مَعلماً من معالم السياحة ومنظراً محبَّباً لكل من يزور ساحل محافظة حقل التابعة لمنطقة تبوك.
تاريخ السفينة
تم بناء السفينة في عام 1949م في ساحة ساوثويك بمقاطعة سندرلاند في إنكلترا، بواسطة شركة ويليام بيكر سغل وأبنائه المحدودة، وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بـ3 سنوات. أوضح الباحث عبد الله العمراني، أن سفينة “جورجيوس جي” بدأت مسيرتها في عام 1958م كناقلة شحن، وقد تعاقب على ملكيتها عدة أشخاص وشركات وجنسيات إلى أن أصبحت مملوكة لشركة يونانية قبل جنوحها.
وعن قصة جنوح السفينة، ذكر العمراني أنه وثّق القصة الحقيقية من مالك السفينة السابق رجل الأعمال السعودي عامر محمد السنوسي.
يروي عامر السنوسي واصفاً حادثة الجنوح قائلاً: “في منتصف شهر جمادى الثاني من عام 1398هـ (أبريل 1978)، عبرت السفينة اليونانية (جورجيوس جي) مياه خليج العقبة وهي محملة بالطحين (الدقيق) في طريقها لميناء العقبة الأردني في أثناء الليل”.
ويتابع قائلاً: “لأسباب لم تُعرف بعدُ، جنحت على الشعاب المرجانية في الساحل السعودي قرب مركز بئر الماشي، وحدث بها فجوة في أسفل مقدمة السفينة تسببت في دخول الماء إلى العنبر الأمامي، فزادت حمولتها واستقرت على الشعاب المرجانية ولم تتحرك، وذلك في 4 أبريل 1978م”.
بيع السفينة
عاين مجموعة من المختصين من الشركة المالكة للسفينة ومن شركة التأمين باليونان الأضرار التي لحقت بها ودرسوا إمكانية معالجة أمرها، وعادوا لليونان وأعدوا تقريرهم للجهات التي كلفتهم، حيث ظهر به أن تكاليف إصلاح الأضرار أعلى من تكاليف دفع قيمة بوليصة التأمين المقررة على السفينة للشركة، ولذلك قرروا بيع السفينة”.
عندما علم رجل الأعمال السعودي عامر محمد السنوسي بعرض السفينة للبيع، تقدم للشركة ضمن آخرين أرادوا شراءها، ثم بلغته الموافقة على بيعها بالقيمة التي طرحها.
بعد ذلك قدم السنوسي صورة من عقد الشراء لأمير حقل آنذاك الشيخ إبراهيم المزيد، طالباً منه السماح بالتصرف في السفينة، ثم أعلن في الصحف الأردنية أن على التاجر صاحب كمية الطحين الموجودة بالسفينة المذكورة أن يقوم بتسلمها.
بعد الحصول على إذن من السلطات السعودية، جرى تفريغ الكمية الصالحة من الطحين بوسائط بحرية ونقله إلى ميناء العقبة الأردني، وما بقي منه بالماء تعفن وأصبح طعاماً للأسماك.
نيران لا تنطفئ
ويقول العمراني: “بعد ذلك، عرض السنوسي السفينة للبيع، وتقدم أحد رجال الأعمال الأردنيين لشرائها، وتم الاتفاق معه على أن يُكلّف مختصون لمعاينتها في موقعها. وبعد وصولهم للموقع عن طريق البحر، قاموا بالفعل بمعاينتها ورصد الأضرار التي لحقت بها، وحاولوا تشغيل إحدى ماكيناتها فاشتعلت النار بها ولم يتمكنوا من إطفائها؛ بسبب عطل في وسائل الإطفاء. ا
وبقيت النار تشتعل فيما هو قابل للاشتعال من أسفل السفينة حتى أعلاها، وقد لحقت النار بغرفة القيادة وحجرة الماكينات وغرف نوم البحارة والأجزاء العليا منها لعدة ساعات، ما دفعهم لطلب المساعدة من الدفاع المدني بسرعة إرسال مجموعة من سيارات الإطفاء للموقع.
بقيت “جورجيوس جي” في موضعها على الشعاب المرجانية بعد هذه المأساة، وعندما تحركها الأمواج تنزل قليلاً للمياه العميقة حتى تعلقت أخيراً على وضعها الحالي الآن.
يقول العمراني: “يطلق أهالي حقل على السفينة (تايتانيك السعودية)”.
منظر خلاب للسفينة
الأستاذ نايف العنزي مُعلّم مُكلّف التدريس في مدينة تبوك بشمال السعودية، يقول لـ “هافينغتون بوست عربي”: “منذ أن وصلت إلى تبوك وبدأت العمل بها، سمعت الكثير من القصص الغريبة حول هذه السفينة، ما دفعني لشد الرحال إلى محافظة حقل، التي لا تبعد كثيراً عن تبوك”.
وأردف قائلاً: “بصراحة، أَسَرَني المنظر الخلاب للسفينة”.
وتابع العنزي قائلاً: “إن مشاهدة السفينة وتأمّلها، يجعلان المرء يستغرب، وكأنه ينظر لقصة غامضة تخفي خلفها الكثير من الأسرار”.
أشارت منيرة الشمري الباحثة في التاريخ وأحد سكان محافظة حقل، إلى ضرورة استغلال موقع السفينة كمَعلم سياحي، من خلال إنشاء جسر بسيط يربط بينها وبين اليابسة حتى يتسنى الاقتراب منها ومشاهدتها عن قرب للزائرين والسياح.
وتقول الشمري عن غرائب مدينتها: “تبوك مدينة تحمل بين طياتها 3 قصص غريبة وغامضة، قصة السفينة جورجيوس، وقصة الطائرة الأميركية (كاتالين)، بالإضافة إلى قصة الطائرة العسكرية التي ضربت قمم جبال اللوز، جميعها قصص حدثت في محافظات المدينة، تحمل غرائب وعجائب لا يعرف عنها الكثير”.