بعد منتصف الليل، رن هاتف محطة إذاعية ضيقة في تايلاند، حيث يتلقى “كابول ثونغبلاب” مكالمات هاتفية حول الأشباح. أما آخر متصلة فواجهت شبحًا في غرفة من غرف فندق بانكوك. وتقول:”رأيت أحدًا يقف في غرفتي، كانت امرأة”. ليسألها على الهواء مباشرة: “هل رأيتِ وجهها؟”. فردت السيدة:” سمعت نوعًا من الضوضاء الهندية، وبعضًا من الصلاة الهندية، وشعرت بضغط شديد على جسدي”.
أمضى السيد كابول عقدين من الزمان وهو يستمع إلى قصص الأشباح في برنامج إذاعي يُسمى “The Shock” “الصدمة”. يمتد وقت البرنامج من منتصف الليل حتى الثالثة فجرًا. يستمع إلى حكايات الأشباح التي يتناقلها المستمعون، الذين يتدرجون ما بين سائقي التاكسي، وأفراد الحراسة، والطلاب، وغيرهم.
يُعرف السيد كابول بلقبه “بونغ”، وقد أصبح خبيرًا رائدًا في مجال حكايات الأشباح في تايلاند، والتي يتخذها على محمل الجد. وبحسب بونغ، فهناك أكثر من نوع من الأشباح في تايلاند، وهي “بي بوب” والذي يدخل جسم الإنسان، ويتملكه، “بيترا”: شبح طويل القامة، نحيل يسعى للانتقام من البشر، “فاي لانغ كلونغ” مجموعة متنوعة في جنوب تايلاند تظهر على هيئة إنسان، توجد ثقوب في ظهورها، تبين هيكلها العظمي، “الأشباح الأرامل” توجد في شمال شرق تايلاند تسعى لسرقة الأزواج من عائلاتهم.
وقد أصبح الاعتقاد بوجود أشباح حقيقة راسخة في الحياة اليومية في تايلاند، فلا يدخل الوزراء مكاتبهم إلا في أوقات محددة، ويقوم الجنرالات باستشارة عرافين في اتخاذ القرارات الكبيرة. يتم الأخذ بمشورة العرافين من قبل جميع الشرائح المجتمعية، من رجال الأعمال لتزوير صفقات بملايين الدولارات، إلى الطلاب الذين يواجهون صعوبات في الحصول على الوظائف، والأزواج الذين ينتظرون الإنجاب.
وعلى ما يبدو بأن النخب السياسية قد انجرفت إلى عالم الخرافات أيضًا، فحين ظهرت صورة لرئيس الوزراء السابق “ساماك سوندارافيج” بشكل مفاجئ على شاشة كبيرة في البرلمان بعد فترة قصيرة من وفاته عام 2009، فتح المتحدث باسم البرلمان تحقيقًا، لكنه لم يجد أي تفسير لذلك. وعلق على الحادث قائلًا بأنه أخبر وسائل الإعلام المحلية، بأن روح السيد ساماك عادت لتظهر من جديد، كي تقول وداعًا!
يوجد في بانكوك مركز تسوق تحت اسم “الشبح”، فتمتلئ المجلات بقصص الأشباح، وتخصص الفضائيات برامجها الأساسية لعرض قصص الأشباح، وبرامج العرافين التي تتحدث عن الزواج، والإنجاب، والعمل. يحصر السيد كابول عمله في الأشباح، موضوع يلقي الكثير من الإعجاب.
وبالنسبة للسيد كابول فقد أصبحت قصص الأشباح تجارة رابحة. وبالإضافة إلى برنامجه الإذاعي الذي يقدمه على مدى عشرين عامًا، يملك كابول مطعمًا حيث يُقدم الطعام في توابيت خشبية مصغرة، ومقهيين اثنين من وحي الأشباح، وقد أخرج فيلمي رعب، وهو معلق تلفزيوني حين يحتاج الأمر تعليق أخصائي أشباح!
وخلال المكالمات الإذاعية التي يتلقاها كابول في برنامجه حول المنازل المسكونة، يرسل معاونيه هناك ليخبر المتصلين ما الذي وُجد في المنزل. وخلال مسيرته المهنية استمع لقصص لا تعد ولا تحصى من قصص الأشباح. لكنه اعترف في مقابلة أنه خلال عشرين عامًا من عمله لم يشاهد أي شبح بأم عينه. ويقول:” قد تصيبك القشعريرة، فأنت تشعر بأن هناك شيئًا ما، لكني لا أستطيع رؤيته، فلا أملك الحاسة السادسة”!
لم يكن كابول ناجحًا في دراسته، وفي حياته العائلية، فكانت والدته تبكي دائما بسببه. أما اليوم فالسيد كابول، 48 عامًا، لديه 20 موظفًا، وإمبراطورية مصغرة من الأشباح! وقد اشترى لوالديه منزلًا، وسيارة، وأجرى عملية في الكلى لوالده.
ويختم قوله:”الأشباح منحتني عملًا ومسيرة مهنية، أخاف منها لكني أحبها”.