اليوم الذي جعل سويسرا تلتزم الحياد والسلام إلى الأبد

منذ قرون، تلتزم سويسرا بسياسة الحياد فيما يتعلق بالشؤون العالمية. هي ليست الدولة الوحيدة التي تقف على الحياد، فهناك دول، مثل: آيسلندا، وإيرلندا، والنمسا، وكوستاريكا، اتخذت سياسة مماثلة في الحياد وعدم التدخل. لكن تبقى سويسرا أقدم الدول التي حملت هذه المبادرة، واستمرت بها، ما جعلها تكسب احترام العالم. فكيف اكتسبت هذه المكانة؟ وما سبب حيادها؟

معركة مارينيانو.. المعركة التي شقت طريق الحياد

أولى التحركات السويسرية نحو الحياد كانت عام 1515، تحديدًا بين 13 – 15 سبتمبر خلال معركة مارينيانو بالقرب من بلدة مارينيانو والتي تُعرف اليوم بميلينيانو جنوب شرق ميلانو، والتي انتصرت فيها فرنسا وحلفاؤها جمهورية البندقية على السويسريين.

تعد هذه المعركة من أشد معارك الحروب الإيطالية ضراوة ووحشية وسفكًا للدماء، خسر خلالها السويسريون عددًا كبيرًا من القتلى. وبعد الهزيمة تخلّت الحكومة الاتحادية السويسرية عن سياساتها التوسعية، وحاولت البحث عن سبل تجنب الصراع مستقبلًا من أجل الحفاظ على الذات.

بعد عام على المعركة، تم توقيع معاهدة سلام بين ملك فرنسا فرانسيس الأول والحكومة السويسرية الفيدرالية، والتي أصبحت تُعرف بـ “السلام الدائم”. ووفقًا للاتفاقية، أُقرت تعويضات مالية وامتيازات تجارية وتسهيلات أخرى للسويسريين. في المقابل، على الاتحاد السويسري أن يتخلى عن المطالبة بميلانو وعدم خوض أي حرب ضد مملكة فرنسا. استمر هذا الأمر حتى عام 1798، حيث قامت فرنسا بغزو سويسرا.

الحروب النابليونية وسويسرا والحياد

وخلال الحروب النابليونية بين 1803 – 1815، بقيت سويسرا دولة محايدة أيضًا. وبعد الهزيمة الساحقة التي تعرض لها نابليون في واترلو عام 1815 اتفقت القوى الأوروبية أن تبقى سويسرا كمنطقة عازلة بين فرنسا والنمسا للمساهمة في تحقيق الاستقرار.

وخلال مؤتمر فينا عام 1815 الذي عُقد لتسوية القضايا الناشئة من الثورة الفرنسية والحروب النابليونية، تم التوقيع على إعلان الحياد الدائم لسويسرا في إطار المجتمع الدولي.

سويسرا.. حياد للأبد!

خلال الحرب العالمية الأولى حافظت سويسرا على حيادها، ولم تتدخل إلى جانب أي من الأطراف المتصارعة. وفي عام 1920 عند تشكّل عصبة الأمم اعترفت بالحياد السويسري، واتخذت من جنيف مقرًا لها.

ومنذ الحرب العالمية الثانية، كانت سويسرا نشطة في الشؤون الدولية لكن من خلال المبادرات الإنسانية، لكنها بقيت محايدة فيما يتعلق بالشأن العسكري. فهي لم تنضم إلى حلف شمال الأطلسي، أو الاتحاد الأوروبي، انضمت فقط إلى الأمم المتحدة عام 2002. وعلى الرغم من حيادها، إلا أنها لا تزال تحافظ على وجود جيش لها، لأغراض دفاعية، وهناك خدمة عسكرية جزئية لجميع الذكور بين 18 – 34 عامًا.

معركة مارينيانو الوحشية، التي وقعت قبل نحو 500 سنة، كانت حكاية البدء للحياد والسلام في سويسرا، حيث أصبحت نموذجًا يُضرب به المثل.

 

المصدر

اقرأ أيضًا:

أسباب جعلت من سويسرا من الدول الأكثر سعادة في العالم

Exit mobile version