هذه المجموعة الأولى من اللوحات التي تُصنف تحت خانة : لوحات نادرة جداً ، والتي لا أظنك سوف تجدها في أي متحف في العالم ، فلا تتجشم عناء تفحّص لـما يحتويه اللوفر أو الشمع أو الإرميتاج ، لإنَّ لوحاتنا هذه لوحات معنوية الجمال ، جَمَعَت الحكمة بالطُرفة والبلاغة بالمُلحة ، استقيتها مما أُثِـرَ من عجائب الأمصار ، ونوادر ما دُوِّنَ في بطون الأسفار ، سوف أضعها تباعاً بإذن الله .
فيا باغي الجمال أقبل ويا طالب الحكمة دونك فـخُـذ … ؟
– 1 –
ترك المُلك وذهب يتعبد !
قال عون بن عبد الله بن عتبة : بنى ملك ممن كان قبلنا مدينة عظيمة ، فتنوق في بنائها ( تَنَوّق، أي: تأنق في الصنعة وجودها ) ثم صنع طعاما ودعا عامة الناس إليه ، وأقعد على أبوابها ناساً يسألون كل من خرج ، هل رأيتم عيباً ؟فيقولون : لا، حتى جاء في آخر الناس قوم عليهم أكسية ، فسألوهم : هل رأيتم عيباً ؟
فقالوا : نعم ، فأدخلوهم على الملك ، فقال : هل رأيتم عيباً ؟
فقالوا : نعم !
قال : وما هو ؟ قالوا : تخرب ، ويموت صاحبها !
قال : أفتعلمون دارا لا تخرب ولا يموت صاحبها ؟ قالوا : نعم ، فدعوه للدار الآخرة ، فاستجاب لهم ، وانخلع من ملكه ، وتعبد معهم !
فحدث عون بهذا الحديث ، عمر بن عبد العزيز ، فوقع منه موقعاً حتى همّ أن يخلع نفسه من الملك ، فأتاه ابن عمه مسلمة ، فقال : اتق الله يا أمير المؤمنين في أمة محمد ، فوالله لئن فعلت ليقتتلن بأسيافهم ، قال: ويحك يا مسلمة ، حملت ما لا أطيق ، وجعل يرددها ومسلمة يناشده حتى سكن .
– 2 –
حلم صاحب الجرّة ؟
حُكيَ أن ناسكاً ، كان له سمن في جرة معلقة على سريره ، ففكر يوماً وهو مضطجع على السرير وبيده عصا ، فقال : أبيع الجرة بعشرة دراهم ، وأشتري بها خمس عنزات ، فأولدهن بكل سنة مرتين ، فيبلغ النتاج في عشر سنين مائتين ، فأشتري بكل عشر بقرة ، ثم ينمو المال بيدي فأشتري العبيد والإماء ، ويولد لي ولد فإن عصاني ضربته بهذه العصا ، وأشار بالعصا فأصاب الجرة
فانكسرت وصب السمن على وجهه ورأسه …. !
– 3 –
ماذا أردت بطول المُكث في اليمن ؟
قال ابن جريج العلّامة الحافظ صاحب التصانيف : كنتُ أظن أنّ الله عز وجل لا ينفع أحداً بشعر عمر بن أبي ربيعة
( وذلك لتفحشه وتشبيبه ) ، حتى سمعت وأنا باليمن منشداً يُنشد قوله :
بالله قـولي لـه في غـيـر مـعـتـبــةٍ … ماذا أردتَ بطول المُكثِ في اليمنِ
إنْ كنتَ حاولتَ دنيا أو ظفرتَ بها … فـما أخـذتَ بـتـركِ الحـجِ من ثمنِ
فحركني ذلك إلى الرجوع إلى مكة وقد أظلنا موسم الحج ولم أكن قد نويته ، فاستأذنت من معن بن زائدة أمير اليمن يومئذ .
قال : مادعاك ؟
قلتُ : شعرٌ لعمر بن أبي ربيعة وأنشدته له ، فأذن لي وجهزني ثم خرجت مع الحجيج وحججت.
– 4 –
صدق الله وكذب الشاعر ؟
أدخلوا على الحجاج بن يوسف الثقفي أحد المعتقلين وهو مقيد ، فقال له الحجاج : ما شـأنك يا هذا ؟فقال الرجل : أصلح الله الأمير , أرعني سمعك , واغضض عني بصرك , واكفف عني سيفك , فإن سمعت خطأ أو زللاً دونك والعقوبة . قال : قل .فقال : عصى عاصٍ من عُرض العشيرة ؛ فخُلَق على اسمي اي منع من العطاء ، وهُدم منزلي , وحرمتُ عطائي . قال الحجاج : هيهات هيهاتأًو ما سمعت قول الشاعر :
جانيك من يجني عليك وقد .. ُتعدي الصحاحَ مباركُ الجُربِ ولَربَ مأخوذ بذنب عَشيرهِ .. ونَجا المقارفُ صاحب الذنبِ … ؟
قال الرجل : أصلح الله الامير, ولكني سمعت الله عز وجل يقول غير هذا.
قال : وما ذاك ؟قال : قال عز وجل ياأيها العزيزُ إن له أباً شيخاً كبيرا ً فَخذ أَحَدَنَا مكانهُ إنًا نَراك من المحسنين َ، قال معاذ اللهِ أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عِندهُ إنًا إذاً لظالمون. فقال الحجاج : عليً بيزيد بن أبي مسلم ، فمثل بين يديه . فقال له : افكُك لهذا عن اسمه , واصكك له بعطاء , وابن له منزله , ومُر منادياً ينادي : صدق الله وكذب الشاعر .
– 5 –
وفاء الوزير الهندي ؟
حُكِيَ أنَّ ملكاً شاباً من ملوك الهند أُهْدِيَت إليه ثياب نساء فاخرة من أحد الأقاليم البعيدة ، فأمر وزيره أنْ يبعث من ينادي زوجاته ، فجاءت زوجاته وقد بسط الثياب لتنتقي كل واحدة منهنَّ ما يُناسبها ، فجعلنَ ينظرن وهنَّ متحيرات ، وأثناء ذلك رفعت إحداهنَّ رأسها فنظرت إلى الوزير كأنها تسـتـشـيره عـن أي الثياب أجـمـل ؟
فما كان من الوزير إلا أنْ أشار لها بعينه بسرعة نحو إحدى الثياب ، فوقعت عين الملك على الوزير وهو يغمزها لزوجته !
ولكنّ الملك أسَرَّها في نفسه ولم يُبدها له ، ثم أخذت بعد ذلك كل واحدة منهنّ ما ناسبها وخرجن ، ولكن الوزير المسكين اضطرب وتغير وجهه واحتار كيف له أنْ يُفهم الملك ما قصده بتلك الإشاره ؟
وبعد تفكير وتردد لم يجد حلاً سوى أَنْ يتظاهر أنَّ في عينه عاهة طرأت عليها تجعله يُغمضها بين لحظةٍ ولحظة ، فعاش هذا الوزير المسكين سنين طويلة وهو يقوم بإغماض عينه اليسرى كلما رأى الملك حتى أصبحت عادة ملازمة له ، وعندما حضرت الملك الوفاة ، قال الملك لابنه وهو يعظه : يا بُني أوصيك بالوزير خيراً ، فإنَّه اعتذر عن ذنبٍ لم يرتكبه مدة 40 سنة!!
– 6 –
وُجد في اليمن كتاب يرجع إلى عهد نبي الله يوسف عليه السلام !
خبر غريب جداً !
ذكره أبو حيان التوحيدي في الامتاع والمؤانسة ، قال :
وُجد كتاب باليمن جاء فيه : أنا فلانه بنت فلان التبعي ، كنت آكل الزرع الرطب من الهند وأنا باليمن ، ثم جعنا حتى اشترينا البر بالدر من يوسف بن يعقوب بمصر ، فلا يغتر أحد بالدنيا . انتهى
التعليق :
ربما كانت تلك الكتابة على ورق أو حجر أو غير ذلك ، ويبدو أنَّ صاحبة الكتاب من بنات أحد ملوك اليمن ( التبَّع ) ، كانت السفن تأتي من الهند محملة لهم بما لذ وطاب مما هو طازج وهم باليمن ، وبعد ذلك أتى الجدب والقحط حتى فقدت الأموال قيمتها ولم يبق لأحد غذاء سوى ما ادخره نبي الله يوسف عليه السلام من حصاد السنين الماضية ، فاضطروا لتقديم الدر اليه ليحصلوا على طعام البر .
وهناك من يقول أنَّ الأثريين في هذه الأزمنة وجدوا نقوشاً على أحجار في اليمن تعود لما قبل زمان نبي الله يوسف عليه السلام ، وربما كانت هذه الكتابة من نوع ما وجدوه من تلك النقوش .
– 7 –
من مثالب أصفهان ؟
جاء في مثالب أصفهان أنَّ رجلاً غريباً دخلها واستأجر داراً صغيرة لأيام ولم يكن يعرف فيها أي أحد ، ثمَ خرج على الفور ليشتري لنفسه عشاء ، فأتى الخبَّاز بعد أن اشترى العشاء واشترى منه رغيفين ، وفي طريق عودته سمع مسكيناً أعمى يسأل الناس ، فاقترب منه وأعطاه رغيفاً ، فقال له الأعمى : جزاك الله خيراً و رَحِمَ الله غربتك ! فتعجب الغريب وقال : وما علمك بغربتي ؟
قال الأعمى : أنا أعيش هنا منذ عشرين سنة لم أتناول من أحد رغيفاً ساخناً قط !
– 8 –
من بديع صور البلاغة
توقف السيوطي رحمه الله في الإتقان عند قول الله تعالى في هذه الآية :{ وقيل يا أرض ابلعي ماءك وياسماء أقلعي وغيض الماء وقُضيَ الأمر واستوت على الجودي وقيل بُعداً للقوم الظالمين }هود:44.
فقال :أمر ونهى ، وأخبر ونادى ، ونعت وسمَّى ، وأهلك وأبقى ، وأسعد وأشقى ، وقصَّ من الأنباء ما لو شُرِح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبلاغة والإيجاز والبيان لجفت الأقلام .
– 9 –
بلاغة الجارية ؟
يقول الأصمعي سمعتُ جارية أعرابية تنشد أبياتاً أعجبتني جداً ، فقلتُ لها : قاتلك الله ما أفصحك !
قالت : أَوَترك القرآن لغيره فصاحة ، وقد جمع في آيةٍ واحدة أمريْن ونهييْن وبشارتيْن !
فقلت : وأي آية تقصدين ؟
قالت :{ وأوحينا إلى أم موسى أنْ أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } القصص 7
يقول الأصمعي : فكأني أسمعها لأول مرة !
وتفصيل ذلك :
-الأمر الأول :أن أرضعيه
-الأمر الثاني :فألقيه
-النهي الأول :ولا تخافي
-النهي الثاني :ولا تحزني
-البشارة الأولى :إنّا رادوه إليك
-البشارة الثانية :وجاعلوه من المرسلين
– 10 –
سرعة بديهة امرأة
مرت امرأةٌ بقومٍ من بني نُمير وهي في طريقها إلى دارها ، فأداموا النظر فيها حتى تعثّرت ، فغضبت وقالت لهم : والله يا بني نُمير ما أطعتم الله سبحانه وتعالى إذ قال :{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم }. ولا أخذتم بقول جرير :
فغُضَّ الطرف إنك من نُميرٍ …. فلا كعباً بلغت ولا كلابا
فأطرق القوم خجلاً !
كتبه / طلال المناور
رحم الله من ذكر المصدر عند النقل
تويتر :
اضغط هنا
تابع جديد رسائل المجموعة على تويتر