تخوض الأمم المتصارعة معارك طاحنة من أجل بسط السيطرة والنفوذ، خلال ذلك الصراع المستعر تكون هناك معارك خسارتها يمكن تعويضها بكسب معارك أخرى، وتكون هناك معارك حاسمة خسارتها تشكل نقطة تحول في تاريخ الأمة المنتصرة والأمة المهزومة .
معركة ماراثون
وقعت هذه المعركة في سنة 490 قبل الميلاد بين الإمبراطورية الفارسية والإغريق، كانت الإمبراطورية الفارسية في ذلك الوقت مرهوبة الجانب بعد أن قضت على مملكة ميديا ومملكة ليديا، فاتجهت أطماع الملك قورش إلى المدن الإغريقية في أسيا الصغرى ولكن عاجلته المنية قبل أن يحرك الجيوش الفارسية صوب أسيا الصغرى .
بعد وفاة الملك قورش جاء ابنه الملك داريوس الأول فحرك الجيوش نحو اليونان ذاتها ليضرب رأس الأفعى من وجهة نظره، تقابل الجيشان في سهل ماراثون وكان التفوق العددي لصالح الفرس بنسبة واحد لثلاثة، قائد الإغريق ملتياديس أدرك أنه لا سبيل لهزيمة الإغريق إلا إذا هاجمهم بسرعة وقبل أن تنتظم وحدات جيشهم في سهل ماراثون، فأمر بالهجوم عند الفجر ولم يصدق الفرس ما يحدث ووقعت معركة طاحنة بين الجيش الفارسي وقلب الجيش الإغريقي، وفي وسط هذه المعركة الملتهبة لم ينتبه قادة الفرس إلى التطويق الذي قام به جناحا الجيش الإغريقي للجيش الفارسي إلا بعد فوات الأوان، انتهت المعركة بإنتصار كاسح للإغريق .
معركة جوجميلا
هي معركة وقعت في سنة 331 قبل الميلاد بين الإغريق يقودهم الإسكندر المقدوني والفرس يقودهم الملك داريوس الثالث، وقعت المعركة في سهل جوجميلا الذي يقع حاليا في مدينة أربيل بالعراق .
كان الملك داريوس الثالث هو الذي اختار سهل جوجميلا مكانا للمعركة لأنه سهل واسع ومفتوح فيناسب قواته الهائلة التي يتراوح تعداداها بين 90 إلى 250 ألف مقاتل مقابل 50 ألف إغريقي، راهن الإسكندر المقدوني على أن الجيش الفارسي سيختل توازنه اذا قام الجيش الإغريقي بهجوم كاسح على قلب الجيش الفارسي حيث يتواجد الملك داريوس الثالث، فوضع خطته على أساس ذلك الإفتراض .
في أثناء المعركة أمر الإسكندر الجناح الأيمن للجيش الإغريقي بالتحرك وكأنه يريد الإلتفاف على الجيش الفارسي ومهاجمته من الخلف، تبعا لهذا التحرك قام الجناح الأيسر للجيش الفارسي بالتحرك يسارا للتصدي لهذه المحاولة الإلتفافية، ولكنه لم ينتبه إلى الى الفراغ الذي خلفه بينه وبين قلب الجيش الفارسي، استغل الإسكندر الفجوة التي تكونت بين قلب الجيش الفارسي وميسرته وانقض على القلب بقوات الفالانكس المسلحة بالحراب الطويلة فلم تستطع خيالة القلب الفارسي التصدى لها، أصيب الملك داريوس الثالث بالذعر فولى هاربا، مما أدى إلى انفراط عقد الجيش الفارسي وتحقيق الإسكندر المقدوني لنصر كاسح، وانتهت مملكة الأخمينيون الذين حكموا الإمبراطورية الفارسية لقرنين من الزمان وامتد ملكهم في أوج عظمته من باكستان إلى ليبيا .
معركة بلينهايم
وقعت في سنة 1704 بين القوات البريطانية والقوات الفرنسية، وهذه المعركة هي جزء من سلسلة معارك اصطلح على تسميتها حرب الخلافة الأسبانية .
كانت حرب الخلافة الأسبانية صراعا أوربيا كبيرا بدأت بوادره بالظهور عام 1701 مع موت الملك الأسباني كارلوس الثاني وهو آخر ملوك سلالة هابسبرج وكان كارلوس قد أورث كامل مملكته لفيليب دوق أنجو، وهو حفيد الملك الفرنسي لويس الرابع عشر، فأصبح ملك إسبانيا باسم فيليب الخامس.
بدأت الحرب ببطء عندما شرع رأس الامبراطورية الرومانية المقدسة ليوبولد الأول بالمطالبة بأنه الأحق بعرش إسبانيا، وكان لويس الرابع عشر يقوم بتوسيع أراضيه في أوروبا بعنف، مما دفع جيرانه وعلى الأخص انجلترا وجمهورية هولندا للدخول في حلف مع الامبراطورية الرومانية المقدسة لضبط التوسع الفرنسي .
كان الفرنسيون وحلفاؤهم يخططون لغزو فيينا عاصمة الامبراطورية الرومانية المقدسة والإطاحة بليوبولد الأول، تفطن قاد الجيش البريطاني جون تشرشل للأمر، فتحرك بسرية تامة وبسرعة كبيرة قاطعا 400 كيلومتر خلال 5 أسابيع دون أن يعلم الصديق أو العدو وجهته، وصل الجيش البريطاني إلى قرية بلينهايم حيث كان يرابط الجيش الفرنسي وحلفاؤه، كان الفرنسيون واثقون من أن الجيش البريطاني لن يهاجمهم مباشرة بسبب أن أغلب معارك الخلافة الإسبانية كانت حتى تلك اللحظة معارك غير مباشرة لتجنب الخسائر الفادحة في الجنود، ولكن الذي لم يعلمه الفرنسيون أن جون تشرشل اتفق مع الأمير يوجين الذي يقود جزء من قوات الامبراطورية الرومانية المقدسة على شن هجوم مباشر ومتزامن على قوات العدو في بلينهايم، كانت المفاجئة كاملة وخسر الفرنسيون 20 ألف جندي وأسر 15 ألف، ولم يعد هناك خطر على فيينا .
معركة ديان بيان فو
وقعت المعركة سنة 1954 بين قوات اتحاد تحرير فيتنام والجيش الفرنسي، كان قائد القوات الفيتنامية الجنرال فون جياب الذي سيصبح فيما بعد أشهر من نار على علم أثناء مقاومة الأمريكيين في الستينات والسبعينات .
خضعت فيتنام للاحتلال الفرنسي منذ منتصف القرن التاسع عشر، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت مقاومة الفيتناميين للإحتلال الفرنسي، اشتدت المقاومة سنة بعد سنة حتى أصبح الفرنسيين في حالة دفاع يائس عن مواقعهم، أراد الجنرال هنري نافاري قائد القوات الفرنسية ايقاع هزيمة ساحقة بالفيتناميين عن طريق اغراؤهم بخوض حرب مواجهة مباشرة اعتمادا على تجربة سابقة تلقى فيها الجنرال جياب هزيمة ساحقة ومنيت القوات الفيتنامية بخسائر فادحة، فإختار الفرنسيون منطقة ديان بيان فو المليئة بالتحصينات العسكرية مكانا لهذه المواجهة .
الذي فات الفرنسيين أن المنطقة محاطة بالأدغال مما يسهل على الفيتناميين اخفاء مدفعيتهم التي استخدموها في قصف معسكرات الفرنسيين دون أن يتمكن الفرنسيين من تحديد مكان هذه المدفعية من أجل قصفها والقضاء عليها، حوصر الجيش الفرنسي في ديان بيان فو ولم يعد يستطيع استلام المؤن إلا عن طريق الجو، وحتى هذه الطريقة كانت محفوفة بالمخاطر بسبب مدفعية الفيتناميين المضادة للطيران، استمرت المعركة لخمسين يوم ونيف وانتهت باستسلام الجيش الفرنسي بعد أن قتل منه 2000 جندي وأسر 10000 جندي آخر ولم يفر إلا 73 جندي، وكان من أهم نتائج هذه المعركة إنشاء دولة فيتنام الشمالية .
إقرأ أيضا :
أحداث ما زالت غامضة من الحرب العالمية الأولى