بخلاف معظم البشر، يرى أطفال قبيلة في تايلاند تحت الأمواج بوضوح تام. إذ إن هؤلاء الأطفال يعومون في الماء عندما يأتي المد لكن بطريقة مختلفة فهم يقضون تحت الماء وقتاً أكثر مما يقضونه فوق الماء، وتكون أعينهم مفتوحة، وكأنهم دلافين صغيرة. فكيف يفعلون ذلك؟
من هم أطفال “بدو البحر” الذين يبصرون تحت الماء كالدلافين!؟
في جزيرة في عمق أرخبيل بحر أندامان، وبطول ساحل تايلاند تعيش قبائل صغيرة العدد تدعى شعب موكن، ويعرفون أيضاً برحالة أو بدو البحر. يقضي أطفال هذه القبيلة معظم يومهم في البحر، يصطادون للحصول على طعام. أولئك الأطفال متكيفون بشكل فريد لأداء هذه المهمة، لأن باستطاعتهم الرؤية تحت الماء. واتضح أنه مع القليل من التمرين، يمكن أن تكون هذه القدرة الفريدة من نوعها للرؤية متاحة لأي طفل.
كانت آنا جيسلن، من جامعة لوند بالسويد، تدرس عام 1991 بعض المظاهر المختلفة للرؤية، عندما اقترح عليها أحد الزملاء أنها قد تكون مهتمة بدراسة خصائص فريدة لدى قبيلة موكن. وقالت جيلسن: “كنت حينها قد أمضيت ثلاثة شهور في معمل مظلم، لذا فقد قلت لنفسي: نعم. لم لا أذهب إلى آسيا بدلاً من ذلك”.
سافرت جيسلن مع ابنتها، ذات الستة أعوام، إلى تايلاند، واندمجوا في مجتمعات قبيلة موكن، الذين يعيش أغلبهم في بيوت قائمة على أوتاد خشبية. عندما كان يأتي المد، كان أطفال قبيلة موكن يتقافزون في المياه لالتقاط الطعام الذي كان يقبع على بعد أمتار من مدى قدرة رؤية جيسلن أو ابنتها. وقالت جيسلن: “كانوا يفتحون أعينهم بشكل كامل، ويصطادون المحار والأصداف وخيار البحر، بدون أي مشكلة على الإطلاق”.
كان على الأطفال أن يغوصوا تحت الماء ويضعوا رؤوسهم على لوحة، حيث كان بإمكانهم أن يروا هناك بطاقة تعرض إما خطوطاً رأسية أو أفقية. طلب من الأطفال أن يعودوا إلى السطح للإبلاغ عن اتجاه الخطوط، ما إن ينظروا إليها في البطاقة. كل مرة كانوا يغطسون، كانت الخطوط تزداد نحافة، ما كان يزيد من صعوبة المهمة. واتضح أن أطفال قبيلة موكن قادرون على الرؤية أفضل مرتين من الأطفال الأوروبيين الذين أجروا نفس التجربة في وقت لاحق.
ما الذي كان يحدث؟ من أجل أن ترى بشكل جيد فوق الأرض، تحتاج أن تكون قادراً على كسر الضوء الذي يدخل إلى شبكية العين، حيث ينكسر الضوء عند دخوله إلى العين البشرية، لأنَّ القرنية الخارجية تحتوي على ماء، ما يجعلها أقل كثافة بشكل طفيف من الهواء خارج العين. ثم تقوم عدسة داخلية بكسر الضوء بنسبة أكبر.
عندما تكون العين مغمورة في الماء، الذي يحتوي على نفس كثافة القرنية، فإننا نفقد قدرة القرنية على كسر الضوء، ولهذا تصبح الصورة شديدة التشويش.
وقالت جيسلن: “كان علينا أن نقوم بعمل حساب رياضي لمعرفة مدى تكيف العدسات من أجل أن يكونوا قادرين على الرؤية إلى هذه الدرجة. واتضح أن الأطفال كان عليهم أن يكونوا قادرين على التكيف إلى درجات أكبر بكثير مما توقعت من أجل يكونوا قادرين على الرؤية تحت الماء”.
وتابعت جيسلن: “عادة، عندما تغطس، فإنَّ كل شيء يصبح شديد التشوش إلى حد أن العين لا تحاول حتى التكيف، لا يعود رد فعلك طبيعياً. لكنَّ أطفال قبيلة موكن قادرون على فعل الأمرين معاً: بإمكانهم أن يجعلوا حدقات أعينهم أصغر، وأن يغيروا من شكل عدساتهم. للفقمات والدلافين أسلوب تكيف مشابه”.
عادت جيسلن مؤخراً إلى تايلاند لزيارة قبائل موكن، لكنّ الأمور تغيرت بشكل جذري. فقد ضرب تسونامي عام 2004 أرض قبائل موكن، ما أدى إلى تدميرها.
منذ ذلك الوقت، والحكومة التايلاندية تعمل جاهدة لبناء بعض البيوت في الداخل بعيداً عن البحر، وتوظف أعضاء من القبيلة للعمل في الحديقة القومية.
واختبرت جيسلن، في عمل غير منشور، الأطفال ذاتهم الذين كانوا في التجربة الأصلية. كان أطفال قبيلة موكن، الذين هم الآن في أواخر فترة مراهقتهم، ما زالوا قادرين على الرؤية بوضوح تحت الماء. ولم تستطع جيسلن اختبار الكثير من البالغين لأنهم كانوا شديدي الحياء، لكنها متأكدة من أنهم قد فقدوا قدرتهم على الرؤية تحت الماء مع تقدمهم في العمر. وقالت: “إنَّ كل ما في الأمر أنَّ أعين الكبار ليست قادرة على هذا القدر من التكيف”.
لسوء الحظ، فإن أولئك الأطفال الذين اختبرتهم جيسلن، ربما يكونون آخر أعضاء القبيلة امتلاكاً لتلك القدرة على الرؤية بوضوح تحت الماء. وقالت جيسلن: “إنهم الآن لم يعودوا يقضون نفس القدر من الوقت في البحر. لذا فإنني أشك أنَّ أطفال هذه الأيام في القبيلة لديهم هذه الرؤية غير العادية”.