أذكر حين كنت طفلة أن والدتي عليها رحمة الله تستخدم نوعا معروفا من الصابون لغسل الملابس،فقادني فضولي لمعرفة وزن علبة الصابون فوجدتها 196غم،وقد كنت رأيت سابقا عبوة أخرى مثيلة لها تماما فقارنتها بها ووجدت الوزن الصافي 206غم،بينما حجم العبوة الخارجي لم يتغير إطلاقاً!
نقلت دهشتي لأمي،وأخبرتها باكتشافي إلا أنها رحمها الله نهرتني حيث كان لديها من الأعمال المتراكمة ما يكفيها عن التفكير في الفرق بين وزن العلبتين! فلم أهدأ حينها وذهبت لابنة جيراننا صديقتي عائشة لأسألها عن علبة الصابون حيث لا يستعمل غيره آنذاك.
أحضرت لي عبوة 206غم فزادت دهشتي وتعاظمت حيرتي إلى أن قالت:نحن نشتري كرتوناً كبيراً بداخله علب صغيرة من الصابون حين نسافر للرياض في الصيف.
ذهبت سريعاً لوالدتي وسألتها عن وقت شراء هذا الصابون،وكانت قد أنهت أعمالها وأصبحت أقل توتراً،فأجابت باقتضاب:قبل يومين!
فضفضتُ لأمي عما يدور في خلدي،وما يعتلج في قلبي من سرقة 10غم من العبوة لاسيما بعد معرفتي أن السعر لم يتغير! فتنهدتْ وأرجعته لقلة الأمانة!
وبعد أن أصبحت أماً كنت أحضر لأولادي حين كانوا أطفالا(حليب شفاط) صغير الحجم وزنه 250مل،إلا أنني فوجئت الآن بأن وزنه أصبح 150مل بينما سعره ريالا واحد لا يتغير!والعجيب أن المستهلك يشتريه بعد أن نقص منه ما يقارب النصف،ولم يسبق لأحد أن ناقش النقص من المكيال والميزان! ولا أعلم هل هذا يدخل في اختصاص الغش التجاري أم نقص الذمم؟!
ولعل الكثير منكم يتذكر حين كانت الثمانية أرغفة بريال واحد والآن أربعة وأحياناً ثلاثة! أما عن الحجم فكان قطر الرغيف40سم والآن 15سم ! وعلبة الصابون أصبحت 150غم برغم أن كل شيء يكبر كطبيعة الأشياء إلا أن الأحجام والأوزان لدينا تصغر،وتصغر تبعاً للأمانة التي تقلصت لحد الانكماش وأخشى التلاشي!
وأرجو أن لا ننسى بأن زوال بعض الأمم السابقة كان بسبب التطفيف بالمكيال والميزان ولو بأمور بسيطة وتافهة ولكنها عند الله عظيمة،والتهاون فيها يقودنا للتقصير بما هو أكبر منها.
وبالمناسبة ذهبت لإحدى الدوائر الحكومية النسائية فوجدت الدوام يبدأ الساعة الثامنة والنصف وحين استنكرتُ ذلك أجابت موظفة:إن نصف ساعة من حق الموظف بسبب الزحام،باعتبار أن الدوام يبدأ الساعة الثامنة فتعجبتُ أكثر لأنها لا تعلم أنه يبدأ السابعة والنصف،وكان ينبغي الالتزام بوقت الدوام المحدد،ولو أنه يعد وقتا متأخرا في فصل الصيف،والله المستعان! حيث بدأ الموظف يقرض من بداية الدوام ويقضم من نهايته حتى لم يبقَ فيه إلا وقت قصير فيستكثِر بعدها الذهاب للعمل ومواجهة الزحام فيتخلى عن أداء عمله.
وهنا تفتقد الأمانة التي اغتيلت في ساعة مجهولة من النهار فعليها من الله رحمة،ولها منا الذكرى الطيبة،تماماً كذكرياتي عن المرحومة والدتي وصديقة الطفولة عائشة والصابون ذي 206غم الذي نقص غرامات كثيرة حتى تحول إلى صابون للجيب!
http://www.rogaia.net/