ومات الصغار .. أنلوم الحافلة أم ذاك القطار ؟

وقعَ الخبر عليّ كالصاعقة !

بضع وأربعون طفل لاقوا مصرعهم في حادثة اصطدام قطارٍ بحافلة مدرسية !

ثم ألحق الراوي مع الخبر صورة لكَ يا عم وأنت تحتضنُ طفلك أو طفلتك !
لا أعلم .. فسكون الموت تغشّى ملامح وجهه فأكسبه جمالاً لم أستطع معه التمييز أطفل هذا أم طفلة ؟
أوربما يا عم لم أقوَ على النظر في وجهه كثيراً ، لأنني أشعر برعشة الموت في أطرافي وعلى لساني كلما فعلتُ ..

أتعلم ياعم : أشعر بكَ تستنشقُ رائحة الكافور الدافئ المتصاعد منه وتسترجع كل ضحكاته والتفاتاته و شقاوته !
أشعر بخده البارد واسمع الأمنية الموجعة التي تنزفها عيناك بحرقة : بأن تهبه ما بقي لك من سنين ، أو أن تنزع الكفن منه و ترتديه أنت !

انحناءة ظهرك ياعم ووقار بكائك ! يستعصيان على التفوه بحرف !
إنني أتساءل : كم بقيت محتضناً لجسده الغض ؟
إلى أي مدى استمر صمتك الدامي هذا ؟
وكم مرة لطمتَ خديك في خفاء سبتني ليه يابني ؟

صدقني ياعم إن أخبرتك : هؤلاء الصغار لا يرهقهم الموت أبدا !
ولا تحتضر أجسادهم ،وسرعان ما يحلّـقون للأعلى ،حيث كنف إبراهيم وهاجر !
ياعم ..
صغيرك الآن يلعب مع أصدقائه لعبة الاستغماية ..ويختبئ كما كان يفعل عادة ..
يدسُ السكاكر في فمه الصغير ويقهقهُ خفية ! إلى أن تجده أنت ..ليصرخ في حبور بااباا
ويتعلق بكتفيك المرهقين طويلاً .
هناك في الأبد ..حيث اللاوقت واللاخوف ولا موت إطلاقاً .

انظرْ إلى ثغره.. تجده يحدثك .. يسألكَ عنكَ وعن ماما ويقسم لك أنه (حلّ الواجب) ولكن يرجوك ألا تصححه هذه المرة حتى لاينفطر قلبك لرؤية كراريسه الملطخه بدماءه ودماء أصدقائه .
ويخبرك ..كيف كانوا ينشدون ويمرحون عندما غيرتْ (حافلة النور) مسارها ..نحو السماء !
أراهُ يستمعُ إلى قُبلتك ، نَعَم ياعم .. قبلتكَ هي آخر حكاية سترويها له في نومه هذا !
أما بعدُ .. فحكايات الجنة أجمل !

دعني أزعمُ أنني أعلم بحجم الألم كلما غصّت كلماتكَ وأنت تحتسب وتحمد الله وتصبر !
وأهمس لك بأنهم لن يعوضوك ولن يشفى غليلك ولن تنسى أبداً .. وإن فعلوا !

أحسن الله عزائك وجعله شافعاً نافعاً لكَ يوم تتقلب الأحوال وتشتد الأهوال ويُؤخذُ كل إنسانِ بجريرته.
سلام من الله عليكَ ياعمي وعلى براعم مصر وأهرامها !
وعلى صغيرك ورفاقه أحياءً تحت الأرضٍ فوق السماء .

ابنتك الآسفة :
عشق بنت فيصل 18/11/2012

أصدق التعازي لأم الدنيا في فلذات أكبادها .

Exit mobile version