نبض لا ينتهي – قصة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


نبض لا ينتهي
-" أيها السادة المشاهدون .. من هذه الزنزانة الحقيرة .. ننقل لكم وعلى الهواء مباشرة هذا اللقاء .. راجين من المولى القدير أن يصل إلى الجهة المقصودة ..".
التفتُّ إلى ركن الزنزانة حيث تكورت السجينة والخوف باد على وجهها، اقتربت منها .. زهرة في مقتبل عمرها، أو كان من المفترض أن تكون كذلك ..! فقد عراها من تعب السنين وهول الظلمة ما غيّب نضارتها.. جلست إلى جوارها أمسح على رأسها لأهدئ من جزعها الجلي، وقلت:-
-" لا تخشي شيئًا يا صغيرتي .. نحن هنا لمساعدتك .. لنوصل معاناتك إلى الجميع.".
أشاحت بوجهها عني وهي تقول:-
-" لكنهم يعلمون بأمري منذ أمد .. ولم يتحرك منهم أحد .. فما الجديد الذي ستضيفونه ..؟!".
صدمني جوابها .. – وأنا التي ظننته سبقًا إعلاميًا – إلا أني واريت دهشتي خلف ابتسامة هادئة أردفتُ معها:-
-" لا داعي لليأس .. ربما حديثك معنا وعلى الهواء مباشرة يبث فيهم من ينقذك .".
أطرقت في حزن قائلة:-
-" سئمت النداء والاستغاثة .. لقد بُحَّ صوتي .. خمسون يومًا وأنا على هذه الحال .!".
قربت لاقط الصوت إليها أسألها:-
-" حدثينا عن هذه الحال .؟!.".
احتشدت الدموع في عينيها وهي تضم ساقيها إلى صدرها ..
-" عمَّ أتحدث .!! عن الضرب الذي يكسر فيَّ عظمًا .!. أم عن الوحشية التي هتكت مني عرضًا..!! .. سجان قاس .. وحش لا يرحم.. ليس لأحد أن يلومه يومًا على فعلته .. فالحقد يملأ صدره وقلبه .. لكن .. ما عذرهم .. أهلي .. إخوتي .. أقاربي .. عشرون أخاً .. أعجزوا عن دحره وفك أسري .!!.".
وانخرطت في بكاء مرير يقطع نياط القلوب، انحدرت له الدموع من عيني وعيني المصور وفريق العمل بأكمله، فتمالكت نفسي وربت على كتفها وأنا أقول:-
-" لا تيأسي .. لابد أنهم يُعِدُّون العدة لإنقاذك وإخراجك من هنا ..".
التفتت نحوي بحدة تحدجني بنظرة نارية والدموع لازالت تترقرق في عينيها، جعلتني أتراجع .. وبشكل غير متوقع ابتسمت في سخرية قائلة:-
-" عندما تعودين إلى ديارك لا تنسي أن تمري على أخي العزيز .. هنِّئيه بعيد ميلاده الذي يحتفل قبل موعده بيومين .. وأخبريه أن لا ينساني بشيء من بقايا الحفلة .. وباركي للآخر صفقاته الناجحة ..".
أطرق الجميع برأسه أسفًا وخجلاً من هذه الزهرة ، فأُغلقت آلات التصوير بلا مقدمات وانسحبنا نجر أذيال العار والخزي .. تاركين من خلفنا نبض صمود لا ينتهي ..


أختكم / يراع

Exit mobile version