مقال جميل قرأته في مجلة المجتمع .. عدد الأسبوع الماضي .. يتكلم عن شخصية سلطان مالي … صاحب أشهر رحلة حج .
منسى موسى.. أغرب حاج في التاريخ
يحتل الحج مكانة عظيمة للغاية في نفوس وعقول الأفارقة أو التكروريين أو السودانيين، فلقب الحاج من أعظم الألقاب لديهم، غير أن "منسى موسى" سلطان مالي هو صاحب أشهر رحلة حج في التاريخ، وتسمى رحلته ب "حجة الذهب"، التي فيها من الواقع ما يقترب من الخيال والأساطير نظراً لكمية الذهب الضخمة التي أنفقت.
فمنسى موسى أعظم سلاطين مملكة مالي الإسلامية التي قامت على أنقاض مملكة "غانا" الوثنية التي أسقطها المرابطون سنة (1087م)، والتي سيطرت عليها بعد ذلك مملكة "كانجابا" المسلمة بقيادة الملك "سنديانا"، حيث تأسست مملكة "مالي" عام (1240م).
وقد توسعت "مالي" وأصبح حاكمها يعرف ب "منسى" أي الملك الأكبر، ومن هؤلاء جاء "منسى موسى" أعظم ملوكها والذي حكم من سنة (1307م) إلى سنة (1332م)، ويعد عصره من أزهى العصور.
وخلال فترة حكمه اتسعت حدود دولته اتساعاً كبيراً، فامتدت شمالاً في الصحراء الغربية حتى اشتركت حدودها مع مراكش (المغرب)، وغرباً إلى المحيط الأطلسي، وشرقاً حتى دولة الهوسا، وعرف عن جيشها النشاط الكبير، حتى إنه فتح (24) مدينة من مدن السودان في فترة قصيرة للغاية.
وقد ازدهرت المدن التجارية في عهده، وكان أشهرها مدينة تمبكتو، فكانت ملتقى للقوافل التجارية من مراكش وشمال إفريقيا ومصر، وتمتعت الدولة بثراء كبير نظراً لسيطرتها على مصادر الذهب والنحاس والملح.
كانت المدن في مالي تتمتع بقدر من الأمن والازدهار، وهو ما أتاح لها أن تكون صالحة لأن تصبح مراكز لنشر الثقافة الإسلامية، فكانت تمبكتو منارة للإسلام في منطقة السودان الغربي.
اشتُهر "منسى موسى" بالتقوى والورع، ويصفه أحد المؤرخين بأنه "كان متديناً محافظاً على الصلاة والقرآن والذكر". وأنه "عندما ذهب إلى الحج ترك ابنه محمداً على العرش، وبعد عودته من الحج كان يريد أن يترك العرش لابنه ويعود إلى مكة لكي يقيم هناك إقامة دائمة، ولكن الأجل لم يمهله".
وتجمع المصادر التاريخية على أن خروج "منسى موسى" إلى الحج كان سنة (724ه- 1324م)، ويقال إن السبب المباشر لهذا الحج أنه قتل أمه عن طريق الخطأ، فأسف لذلك أشد الأسف، وندم على فعله، وخاف عقاب الله، فتصدق بأموال كثيرة، وعزم على صوم الدهر كله، وأنه سأل بعض العلماء عما يفعله، فنصحوه بالحج وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم .
عمل "منسى موسى" بنصيحة هؤلاء العلماء وخرج من عاصمة دولته قاصداً الأراضي الحجازية للحج وللتكفير عن خطئه.
بدأت رحلته الفريدة للحج من على نهر النيجر إلى مدينة "ولاته" الواقعة شمال شرق مدينة "كومبي صالح" عاصمة غانا، ثم غادرها إلى مدينة "قوات"، حتى مدينة القاهرة.
ويذكر المؤرخون المعاصرون أن موكب حجه كان أكثر من (60) ألف جندي، وأنه كان يسير أمامه (500) عبد يحمل كل واحد منهم عصا من الذهب الخالص، وصحبه في الرحلة حوالي (14) ألف جارية يقمن بخدمته وخدمة حاشيته، ومن يقرأ التفاصيل التي أوردها المؤرخون يعتقد أن "منسى موسى" خرج بجيشه وخزينته وجزء كبير من دولته للحج في تلك الرحلة الأسطورية.
ولم يكتف "منسى موسى" بهذا الحجم الكبير من الجنود والذهب، بل حرص على أن تكون الرحلة بها كافة وسائل الراحة، فصحبه عدد من الطباخين المهرة، فكان يقيم الولائم أينما توقف.
ويقول ابن خلدون وابن حجر: "إن "منسى موسى" حمل معه من بلاده مائة جمل من الذهب للإنفاق على الرحلة".
قدر البعض كمية الذهب الموجودة في الرحلة بحوالي (50) ألف رطل، لكن المبالغة في الكمية تكشف عن حجم الثراء الذي كانت تتمتع به مالي والتي نعت ملكها آنذاك ب "ملك الذهب"، وأرضها "أرض التبر".
أنفق "منسى موسى" كل أمواله في رحلته ما بين توزيع الهدايا والصدقات والعطايا، حتى إنه أعطى سلطان مصر هدية قوامها (5) آلاف مثقال ذهباً، وكان يوزع في كل مدينة يمر بها آلاف القطع الذهبية، وقدر بعض المؤرخين مجموع ما أنفقه في رحلته ب (20) ألف قطعة ذهبية، ونتج عن هذا الكرم الذهبي انخفاض سعر الذهب في مصر لمدة قدرها البعض ب (12) عاماً.
أصيب "منسى موسى" في رحلته بمرض كان يصيب الإبل عن طريق العدوى، وقد نتج عن كرمه الذهبي أن استدان في رحلته، بل إن بعض التجار ذهبوا معه إلى مالي للحصول على أموالهم، وللتعرف على هذا البلد الذهبي. ونتج عن تلك الرحلة أن تعرف الأوروبيون على مالي باعتبارها بلد الذهب وسعوا لاحتلالها بعد ذلك.
وتوفي "منسى موسى" سنة (1332م) بعد حكم استمر (25) عاماً.
المصدر : مجلة المجتمع الإسلامية ..