ممسكاً بآخر ورقة تقويـم !

سكون تام يحيط بالغرفة ، كل شيء هادئ ، لا يقطع ذلك السكون إلا صوت دقات الساعة وآيات تتلى من إذاعة القرآن الكريم ..
المكتب هناك كل شيء فوقه مرتب ، الأوراق ، الأقلام ، التقويم ، الأجندة والآلة الحاسبة ، كل شيء في مكانه ، فاليوم يوم غير عادي ..
قطع ذلك السكون والهدوء دخول أبا عبد الله ، حاملا ملفاً كبيراً بيده ، رماه بقوة فوق المكتب ، سحب الكرسي الجلدي ورمى بجسده المنهك عليه ، لقد بذل جهداً كبيراً اليوم من مراجعة وإدخال الحسابات وعد وتصفية والتأكد من أن كل شيء سليم ..

لفت نظره التقويم المعلق على الحائط ، ولفت نظره أكثر الورقة الأخيرة والوحيدة المتمسكة به ، جذبه إليه ، أمسك الورقة بيده ، تشبث بها وكأنه يتشبث ببعض عمره ، كأنه يمسك 1430 لعله يبقى ، وكأنه يرجوه أن ينتظر ، ينتظر لعله يصحح ما أخطأ فيه ، لعله يستسمح ممن ظلمه ، عله يتدارك بيته وأولاده بعد أن انشغل عنهم طول أيامه ..
غرق في بحر من ذكرياته السعيدة والمرة في 1430 ، تذكر لحظات سعادته ، تذكر يوم رزق بمولود كم كان سعيداً حينها ، تذكر يوم تخرج ابنه وأنهى دراسته ، تذكر يوم رزق زيادة في الراتب ، تذكر يوم اشترى سيارته الجديدة ، مرت كل هذه الذكريات أمامه ، ومر معها ذكريات أليمة ، يوم توفي صاحبه ، ويوم كسرت يده ، ويوم سرقت محفظته ويوم مرض ولده ويوم ويوم ….
هكذا الدنيا تمر سريعاً فلا يبقى لنا إلا ذكرياتها ، اللحظات السعيدة تمضي فلا يبقى إلا ذكراها الجميلة ، والحزينة أيضاً تمضي ولا يبقى إلا ذكراها المؤلمة ..

تذكر الأحداث التي وقعت حوله في العام المنصرم ، فمن غزو انفلونزا الخنازير للعالم وذهاب الكثير من الضحايا ، وانتصار أهل غزة الأبطال على اليهود في اعتدائهم الأخير ، واستمرار الحصار على غزة واستمرار الصمت والسكوت العالمي ، واعتداءات عدة من اليهود على المسجد الأقصى ، ووفاة العالم الجهبذ ابن جبرين رحمه الله ، والحرب على الحوثيين في اليمن والتي وصلت إلى السعودية ، واستمرار الأزمة المالية العالمية ، وغلاء الأسعار والمعيشة ، وغرق عروس المملكة ( جدة ) ، والزلازل التي حدثت في العيص ، وغبار الرياض ، إلخ …

ذلك الكم الكبير من الأحداث مر عليه سريعاً وبشكل غير مرتب ، كان يضحك مرة ، ويقطب وجهه مرات ، يسعد بذكرياته مرة ويأسى بها مرات ، وكاد يغرق في ذكرياته ، ويسبح معها بعيداً ، لولا انقطاع تفكيره فجأة بصوت السديس يقرأ : (( فمن يعمل مثقال ذرة خير يره * ومن يعمل مثال ذرة شراً يره )) ، رمى التقويم جانباً ، وتذكر قول الحسن البصري : ( يا ابن آدم ، إنما أنت أيام ، إن ذهب يومك ذهب بعضك ) ، عزم على أن يكون 1431 أكثر إيجابية وسعادة ، عزم على أن يقوي صلته بربه وخالقه ويزيد في إيمانه ، عزم على أن يهتم بأولاده وأهله وأن يخفف من مشاغله ، عزم على أن يكون يوم 1 / 1 بمثابة بداية صفحة بيضاء جديدة وسعيدة ..


عبدالــرحــمـــن الكــيـــلانـــي
29 / 12 / 1430 هـ

Exit mobile version