مؤشر نمو الجريمة يقفز

السعودية: مؤشر نمو الجريمة يقفز 110 في المائة خلال 4 أعوام

72512جريمة في عام 2001 والحديث يذهب إلى تزايد البطالة * إعادة النظر في شأن السجون لعدم كفاية العقوبات الصارمة
الدمام: فارس بن حزام

* في شهر مارس (آذار) الماضي أصدرت محكمة محافظة بيشة (جنوب السعودية) حكماً بإعدام ثلاثة شبان خطفوا مؤذناً كان في طريقه لأذان صلاة الفجر وأسكروه قبل أن يغتصبوه ويقذفوا به من باب سيارتهم أمام منزله، وبعد أيام قليلة هاجم شاب (عاطل عن العمل) في مدينة الدمام (شرق السعودية) أحد رجال الأعمال الذي كان يهم بالدخول إلى أحد البنوك التجارية وسط المدينة ليصيبه بأعيرة نارية من مسدس شخصي في قدمه ويخطف حقيبته التي تحوي 560 ألف ريال (150 ألف دولار) وبعد أن واجه مقاومة من مرافق المجني عليه لم يتردد في منحه طلقة أخرى في فخذه ليطلق حينها ساقيه للريح، وعندها تواجه مع شرطي تعامل معه بطلقة نارية ثالثة على قدمه أعاقته عن اللحاق به، وسجلت الحادثة في رابعة النهار وأمام جمهور واسع، ولم تمض 24 ساعة حتى سجلت مدينة جدة (غرب السعودية) حادثة مشابهة تقريباً حين سطا شبان ملثمون على احد البنوك التجارية واستولوا على 150 ألف ريال (40 ألف دولار) في وقت كان فيه البنك يعج بالعملاء، وعلى الرغم من التنامي السريع في الجريمة، إلا أنها وفق ما يتبين للأجهزة الأمنية لم ترق إلى مستوى العمليات الإجرامية المنظمة.
السعودية التي يعيش فيها اكثر من 20 مليون نسمة من بينهم 5 ملايين من المقيمين بدأت في الآونة الأخيرة تعترف بتنامي الجريمة وتنوعها حتى غدت سجلات الشرطة تشهد حالات فريدة وحديثة في السلوك الإجرامي لدى أفراد المجتمع، مما دعاها إلى توجيه النداءات إلى الجهات المختصة بتكثيف الدراسات والأبحاث لما يحدث في المجتمع الإسلامي المحافظ الذي تحدثت عنه أحدث إحصائية أمنية صادرة من إدارة الدراسات والإحصاء في جهاز الأمن العام، حين أشارت إلى أن الحوادث الجنائية التي وقعت في السعودية قفزت بنسبة 110 في المائة خلال 4 سنوات، فبعد أن كانت الحوادث المسجلة في عام 1997 ما مجموعه 34238 جريمة، تصاعدت الى 60722 جريمة إلى أن وجد أنها في عام 2001 قد بلغت 72512 جريمة، في وقت سجلت فيه قضايا محددة، كانت نادرة إلى وقت قريب، تصاعداً ملحوظاً، وهي مثل الانتحار الذي عرف في السابق لدى العمالة المقيمة، إلا أنها أخذت طريقها إلى المواطنين لتشكل قفزة جديدة من 259 حالة انتحار في عام 1997 إلى 596 حالة عام 2000 لتنخفض إلى 454 في السنة التي تلتها.
وتشكل قضايا الانتحار، تحديداً، هاجساً لدى المهتمين بقضايا المجتمع والمتابعين للمتغيرات الاجتماعية التي تعيشها السعودية بمختلف مناطقها وفئاتها وطوائفها، بعد أن شعرت الجهات المختصة بتنامي رقمها خلال السنوات الأخيرة، ويعلق عليها استشاري الأمراض النفسية الدكتور نعمان بأنها أمر طبيعي ونتاج متوقع للحالة المعيشية التي تسجل انحداراً في السعودية اقتصادياً واجتماعياً.
وفي مختلف القضايا نجد أن حوادث القتل بلغت 191 حادثاً، ومحاولات القتل والتهديد به 763 حالة، والخطف 121 حالة، و8625 حادثاً أخلاقياً، و34861 سرقة، و8610 في شرب وصناعة الخمور، و288 في تعمد الحرائق، و9980 حادث اعتداء، و823 حالة تزوير، و764 تزييف، و441 حالة نصب واحتيال، و169 في انتحال شخصية، و2959 في هروب وتغيب وغالباً ما تسجل لدى الفتيات، و767 حالة في حيازة سلاح بدون ترخيص، و2850 حادث لم تعرفه الإحصائية الصادرة من جهاز الأمن العام.
وما زالت الغيوم تخيم على النسب الحقيقية لمعدل البطالة في السعودية، وعلى الرغم من الإحصائية الصادرة من مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) التي تحدثت عن الرقم 7.31 في المائة، نجد أن بنوكاً تجارية بالسعودية تتحدث عن نسب مضاعفة لذلك الرقم، فقد قدم البنك السعودي الأمريكي في أحدث إحصائية صادرة منه الرقم 14 بالمئة كنسبة لمعدل البطالة في السعودية مستندة الى دراسات ومعلومات ميدانية، في وقت يكرر فيه وزير العمل والشؤون الاجتماعية الدكتور علي النملة، الذي يتبوأ الجهة المناط بها توظيف الشباب، تصريحات صحافية حول معدل البطالة بأنه لا يصل إلى 9 في المائة، وساهمت جميع تلك الأرقام في تشويش الصورة أمام المتابعين الذين لا يجدون رقماً واضحاً يرتكزون عليه، إلا أن ما كشفه تقرير مؤسسة النقد هو تنامي الجريمة لدى العاطلين عن العمل، حين بينت الأرقام ارتفاع الجريمة بينهم بنسبة 320 في المائة فيما بين 1990 و1996، إضافة إلى توقعاته بزيادة أخرى مع حلول عام 2005 تصل إلى 136 في المائة، خاصة بما أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن 45 بالمئة من المواطنين هم من الفئة العمرية التي تقل عن 15 سنة، وهو الأمر الذي يرى المختصون أنه سيفجر أزمة في التركيبة السكانية خلال العقد القادم. وتثير المتابعين للحالة الاجتماعية والأمنية في السعودية نقطة رئيسية واحدة، وهي أنه كيف لنظام حازم في تعامله مع أي جريمة أن تنمو بهذه الصورة، وكأن العقوبات الصارمة والتشديد في التعامل مع المجرمين لم يقدم أي نتيجة تجاه وقف ذلك النمو المتزايد.
ويرى الدكتور محمد نعمان استشاري الأمراض النفسية والعصبية في جانب من الجريمة أن الانتحار ظاهرة عالمية، ودراسات الانتحار جميعها غربية المرجع، ويندر أن توجد دراسة في العالم العربي لموضوع الانتحار وعدد المنتحرين، ولكن الدراسات تأتي على صورة عامة.
ويوضح الدكتور نعمان أن الدول الغربية توجد فيها مؤسسات طوعية لمنع الجريمة، ولكن لم يحدد إحصائياً مدى نجاح هذه المؤسسات، سوى في طرح الدراسات، ناصحاً كل من يجد في نفسه الرغبة في الانتحار أو حين تكتشف أسرة أن ابنها لديه نزعة إجرامية ما، بأن تكون هناك مبادرة عاجلة بزيارة طبيب نفسي لمصارحته، مؤكداً أن الأطباء النفسيين بدورهم يجب أن يكونوا حساسين في الاستجواب والاستفهام عن النيات الإجرامية للزائر. ومن رؤية اجتماعية للعملية الإجرامية وتناميها السريع في تصاعده يذكر نعيم آل هويدي، اختصاصي اجتماعي، أن الإنسان قد يواجه في حياته العديد من المشكلات والعقبات، منها البسيطة والمركبة والمؤلمة والأشد ألماً وقسوة، والمؤقتة والمستمرة، مشيراً إلى أن الفرد العادي الذي يتمتع بذات قوية يمكنه مواجهة هذه المشكلات بقدر مناسب من القدرة والنجاح، فقد يجد حلاً نهائياً، أو حلاً مؤقتاً، او لا يجد لها حلاً على الإطلاق، فيحاول أن يعيش بها، أما إذا كان الفرد عاجزاً عن مواجهة مشاكله، فإنه يلجأ لأساليب متنوعة هروباً من مواجهة الواقع، مثل اللجوء إلى التدخين أو تعاطي المخدرات، أو الجريمة، وما إلى ذلك، وقد يكون الهروب نهائياً باللجوء إلى الانتحار. ويتناول آل هويدي الأمر من زاوية دينية من حيث أن الدين كمنظم اجتماعي وفكري يحمل علاقة بالجريمة، فالدين حرم ذلك، والقرآن الكريم دعا إلى فهم الحياة الإنسانية فهماً جامعاً من جميع جوانبها، مشيراً إلى أن ضعف الوازع الديني هو أحد أسباب الجريمة. ويشير آل هويدي إلى أن التفكك الأسري يمثل أحد أسباب الإقدام على الجريمة، حيث أن للتنشئة الاجتماعية أهمية كبرى على شخصية الفرد، وهي تبدأ من الأسرة، فإذا كانت الأسرة محطمة ومليئة بالمشاكل، فكيف يمكن أن ينشأ الفرد صحيحاً في مثل هذه البيئة؟ مضيفاً بأن جرائم الأطفال تكون أحياناً هروباً من ظروف قهرية غير محتملة أهمها الحرمان من الحب، وتكون في أحيان أخرى بمثابة عقاب للمحيطين به.
ويذهب آل هويدي إلى ان الحزن من مسببات الجريمة، فالحزن انفعال سوي، ولكنه ينقلب عند بعض الأفراد إلى اكتئاب مرضي، ففقد الحبيب مثلاً يؤدي إلى حالة حزن وحداد، يعيش الحزين فيها نوعاً من التعذيب إلى حد تحطيم الذات وإفنائها، وقد تسير به إلى فعل أي جريمة تعبيراً عن الحالة التي يعانيها، أو يؤدي ذلك إلى العزلة والوحدة التي تقود بدورها إلى الهامشية والحزن وسيطرة الأفكار الشيطانية والنزوع نحو الشر وقطع الأواصر الاجتماعية، وبالتالي الاتجاه إلى الجريمة، كما أن القهر والإحباط الناتج عن حالات الفشل المصحوب بإحساس داخلي بالعجز وقلة الحيلة، فيجد الإنسان نفسه مقهوراً في طموحاته، مما يؤدي إلى إحباط يستمر إلى النكوص والوضعية والاتكالية، ليصل المرء إلى خيبة في الأمل والفشل والكآبة والميول الإجرامية، كما أن التغيرات والأزمات الاجتماعية التي تحدث للفرد من خلال تعرض حياته لتغيرات اجتماعية مفاجئة وغير محسوبة ينجم عنها ضرر نفسي أو جسدي يؤدي إلى اضطرابات نفسية أو عقلية متفاوتة، طبقاً لنوع الأزمة وقابلية الفرد وتحمله لها.
وفي الطرح المعلن لمعضلة الجريمة في السعودية بدأت الصحف المحلية قبل أكثر من عامين في طرق هذا الباب الشائك باستحياء من خلال نشر الأخبار الأمنية التي تتحدث عن الجريمة بمختلف أصنافها، وهو الأمر الذي أثار القائمين على جهاز الأمن في الشهور الأولى، إلا أن الأمر أصبح معتاداً نسبياً لديهم، وبدأوا في إعلان القضايا الهامة عبر بيانات رسمية، لكي لا تنتج عن اجتهاد الصحف معلومات مغلوطة، في حين كانت أجهزة الأمن، قبل أعوام قريبة، تخفي أي حادث عن وسائل الإعلام.
وتتحدث بعض المعلومات المتسربة من أجهزة الأمن أن المؤسسات الإصلاحية المتمثلة في السجون العامة كانت خلال السنوات الماضية منبعاً ومصدراً للجريمة، ويقول السجين (إ. غ.) بعد أن أطلق سراحه قبل أعوام، أن المجرم يسجن في قضية سرقة أنبوبة غاز فيخرج بعد شهور من السجن وقد تعلم مختلف فنون سرقة السيارات والمنازل وصولاً إلى أسرع طرق تزوير الوثائق، كنتيجة طبيعية لاختلاط الثقافات والفنون الإجرامية.
وشعرت وزارة الداخلية بخطورة الأمر في داخل السجون، إضافة إلى إيمانها بالتنامي المتزايد للجريمة، فواجهت الأمر بتعيين الأمير الشاب محمد بن نايف مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية الذي غربل الأجهزة الأمنية وأعاد تنظيم أهمها وحقق نجاحاً بخطواته تلك، وفي مقدمتها إعادة النظر في إدارة السجون من خلال رسم تنظيم جديد لمهامها وإعادة هيكلتها، وتعيين أحد الأكاديميين العسكريين على رأسها، فصدرت قرارات إصلاحية بفصل إدارة السجون عن جهاز الأمن العام، ووضعت خططاً إصلاحية من خلال برامج اجتماعية هادفة لتأهيل السجناء لمرحلة ما بعد السجن، إضافة إلى الدراسة الجادة لنظام قد يصدر لاحقاً يتحدث عن مبدأ الغرامة عوضاً عن السجن والإيقاف في بعض القضايا غير المرتبطة بحقوق خاصة للآخرين.

Exit mobile version