مقالات

لو كان آخر يوم لك .. !!

لم تكن مصادفة أن يتعمد أحمد ابتكار أنشطة إبداعية يضفي بها على جلسته مع صديق عمره الحميم إبراهيم
جواً من الحماس والمتعة والتشويق
فهما قد ملا من الأطروحات الروتينية والحكايات المستهلكة والنقاشات المشبعة
ويبحثان عن الجديد دائماً الذي يشُعران معه بالتغيير.
لكن المدهش هنا هو انقلاب السحر على الساحر
فما أن باغت أحمد صديقه إبراهيم بالسؤال حتى تغيرت أجواء المكان
وتبدلت قسمات الأوجه وبدأ العرق يتصبب من جبين الصديقين
رغم أن الفصل كان شتاءً، وبرودة المكان تملأ زوايا تلك الغرفة!
كان الصديقان قد اتفقا على أن يطرحا سؤالاً مشتركاً
ومن ثم يجيبان عليه بصراحة وتجرد، وكان لهما ما أرادا.
ولكن اللعبة المشوقة التي توقعا كانت أشبه بالحلم الذي ينقل صاحبه إلى عالم آخر.
لم يتهيأ له ولم يستعد!
كان النزال والسباق على سؤال ذهبي وعميق
بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى والذي كان
ماذا لو كان آخر يوم لك؟!
كانت القرعة تشير إلى أن إبراهيم هو أول من يجيب
فرفع عينيه وبدأ يسترجع شريط العمر ويلتمس قرب نهاية الرحلة التي اعتقد أنها لا زالت في أولها!
وبدا متردداً في أسلوبه متحشرج الصوت في أحرفه
زاد التوتر والقلق في فضاء الجلسة وبدا السؤال كأنه بلا إجابة
لكنه ما فتئ أن يبحث عن جواب لذلك السؤال الذي كان جزءا من نشاط يومي يمارسانه
فأحبا أن تكون تلك الجلسة فيها من المصارحة الشيء الكثير ليضفي على اللقاء بعداً جديداً.
كانت إجابات إبراهيم تدل على أنه غير قادر على الإجابة بالشكل المطلوب والدقيق
فحاول نقل الدور لأحمد الذي رفض بدوره هذا التناقل
بحجة أنه لا يجد جواباً شافياً كذلك
نظر الصديقين لبعضهما نظرة الدهشة، حيث كان السؤال ثقيلاً ولكنه واقعي ووجيه!
لكن البشر يؤجلون التفكير فيه أو حتى يؤجلون العمل بمقتضاه وإن فكروا وتدبروا.
نظر إبراهيم لأحمد قائلاً:
أين نحن من هذا التفكير الجاد والمجدي والهام؟ وهل هو سؤال بلا إجابة يا تُرى؟
تذكر أحمد وإبراهيم صديقهما مؤيد الذي مات صيف العام الماضي
وهو في ريعان الشباب، وكان موته قبل زواجه بأسابيع ثلاثة فقط!
امتد النقاش بالصديقين طويلاً، وانتهى هذا النقاش المتجلي والمثمر على
أن يعيش كل واحد أي يوم قادم كآخر يوم من حياته
وسوف تتغير حياتهما بشكل كبير
فاعترف إبراهيم بتسويفه في أشياء كثيرة، واعترف أحمد بإهماله وتقصيره في أشياء كثيرة
واعترف الاثنان بغفلتهما عن أشياء كثيرة
كانت تلك الجلسة غاية في الأهمية لشابين متطلعين طموحين
فكانت بمثابة كشف حساب دوري له ما بعده من القرارات والتحولات الكبرى بالغة الأهمية.
فاستطاعا من خلال تلك الساعات أن يؤسسا لمرحلة جديدة من حياتهما
حياة مختلفة عما قبلها في الفكر والعمل
في المعتقدات والممارسات، في التعاطي مع الحياة كفرصة وليست كنزهة
في التعامل مع الوقت وتقديره ورفعه فوق منزلة المال
في العمل بكل جدية في الدنيا والعمل بكل تفان لما بعد الموت.
،،،
تخيلت هذا الحوار الجريء والمعبر ينتقل في وقت قياسي إلى
جلسات الناس ومسامراتهم، لقاءاتهم وحواراتهم
وتخيلوا معي ردود الأفعال وما سوف يُطرح في حديث من هذا النوع كامل الدسم.
كيف لا وأنت تسأل شخصا ما بهذه الطريقة وتقول له
فلان.. تبقى لك 24 ساعة فما أنت فاعل؟
لاح لي في الأفق من ضيعوا الأعمار والسنين
ما هو ردهم؟ بل وما هم صانعون فما تبقى من ساعات ودقائق تتناقص؟
جرب طرح هذا السؤال على نفسك في حالة تجلٍّ وصفاء ووحدة وكاشفها بلا أقنعة
واسأل: ماذا سوف أصنع وماذا سوف أُصَوِّب وأعدل وأحسن؟
ما هي الحقوق التي سوف أردها؟
وما هي الشخصيات التي أخطأت في حقها وجاء وقت الاعتذار والتسامح؟
ما هي الشطحات التي يجب أن أعود عنها؟
سل نفسك:
ماذا قدمت لحياتي؟ وماذا قدمت لعائلتي؟ وماذا قدمت لأمتي ومجتمعي ومحيطي؟
سل نفسك: ماذا قدمت لربي الذي منحني كل شيء؟
سل نفسك: ماذا صنعت بفرصة الحياة من أعمال وإنجازات ومبادرات وإبداعات؟
وهل عشت أنانياً لنفسي أم باذلاً للآخرين؟
هل استمتعت بالعطاء أم استمعت بالأخذ؟
هل كنت أُنساً وفرحاً لمن حولي وبرداً وسلاماً عليهم، أم مصدرا للكآبة والبؤس والمعاناة؟
هل أنا زارع الورد أم ناثر الشوك؟
هل جربت لذة التطوير المستمر والتغيير إلى الأفضل في حياتي؟
هل أنا الإنسان النموذج المستقيم أم الإنسان المضطرب عدو نفسه؟
هل أنا من غرس الفسيلة التي أمرنا الله بغرسها حتى والقيامة
تقوم وهو كناية عن عمارة الأرض واستمرار العمل والإنتاج والعطاء في كل الظروف؟
أم أنني كنت عالة على نفسي وعلى وطني وعلى مجتمعي؟
هل قدرت قيمة الحياة وفرصة العيش ونعمة الحواس
والإمكانات العظام التي حباني إياها الله عز في علاه
وهي لا تقدر بثمن ولا يعرف لها حد؟
أم أنني عشت تائهاً حائراً متخبطاً بلا أهداف أو أحلام أو طموحات أو وجهة في الحياة؟
هل كنت ذاك المؤمن القوي الذي أراده الله
أم أنني كنت الضعيف المستكين المغلوب على آمره؟
هل عشت بمسؤولية أم حييت بلا مبالاة؟
هل كنت الإنسان المسلم المتوازن العامل ليومه وغده، لحياته وسرمده؟
هي أسئلة كبرى تطرق العقل فتوقظه
وتلهم النفس فتدفع بها لميدان الحياة وساحات الكفاح وتفجير الطاقات.
سؤال يخلق حالة من الارتباك الآنية
ولكنها تسبق حالة من الاتساق والتجانس والسلام بعد طول بعثرة وتوهان وتناقض.
دوماً أرى الناس يقفون أمام المرآة ليروا ظاهرهم ليجملوه ويرتقوا به
ولكن قليل منهم من يقف أمام المرآة لكي يكتشف أعماقه السحيقة
فيصلح ما تعثر ويجبر ما كُسر وينقي السرائر ويُنير البصائر بالهدى والبشائر.
دمتم بطول عُمر .

: محبرة الحكيم :
وحدها الأسئلة العظيمة
تنقل البشرية عبر التاريخ
إلى مدارك الفلاح والرشد والخلود.

…..

سلطان بن عبدالرحمن العثيم
مستشار ومدرب معتمد في التنمية البشرية والتطوير CCT
باحث في الفكر الإسلامي والسيرة النبوية الشريفة

ايميلي
مدونة نحو القمة
أسعد بقربي من عالمكم الجميل عبر
تويتر

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لو كان اخر يوم لي لخفت ليس على نفسي بل من الله ولبكيت ليس على الدنيا بل على نفسي 🙁

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى