قصة قصيرة: انعكـاس !

في ذلك الطريق الطويل بتلك الليلة الهلالية ، كانَ الزوجانِ يقصدانِ السفرَ إلى وجهةٍ اختارها فيصل وتلهّفَ إليها فضولُ مُنى ، وكعادةِ الطرقِ الطويلة فقط كانت مظلمةً تارة ، ومضاءةً بالإناراتِ تارة أخرى ، أرخت منى مقعدها ووضعت يديها خلف رأسها واستغرقت تتأمّلُ السماء من النافذة العلوية ، مضى وقتٌ طويلٌ وهي على حالتها هذه ، حتى ترنّحَ النعاسُ على عتبةِ جفنيها ، فمطَت جسدها ، وانقلبت على يسارها ، وضمت إليها ساقيها متدثّرةً تحتَ غطائها ، انتبهَ فيصل الذي انشغل بالتركيزِ في مسارِ الطريق إليها ، وأراد أن يقطعَ صمتَ الأجواء ويشغلها عن النوم بمحادثتها ، فسأل :

– فيمَ كنتِ تفكّرين !

رسمت على شفتيها ابتسامةَ كسولٍ ناعسة ، وبعدَ برهة تحدثت :

– ممم ، أفكرُ كيفَ أنّ لحياتنا انعكاساً على صفحةِ الكون ..

عقدَ حاجبيهِ مستنكراً ، وعيناهً معلّقةٌ بمسار الطريق ، فاستطردت منى حديثها قائلة :

– يبهرنا شدّة توهجُ النجومُ في العتمة وكثرتها ، في حينِ انّ هذا المشهد الجماليّ الآسر لا نراه في المدنِ المستنيرة ..

– صحيح ، لأنّ مجال البصر واقعٌ في نطاق الإضاءة ، فيكونُ ذلك مدعاة لتشتيت البصر عن رؤية هذا الجمال في المدنِ المستنيرة ..

– (تحدّثت بشقاوة) ولكننا نستطيعُ رؤية ذات النجوم في العتمة عندما نصبحُ في نطاقٍ مضاء ..!

– (أجابها متحدياً) لم تأتِ بجديد ! بالتأكيد نستطيع عند استخدام التلسكوبات والمناظر الفضائية ..

– (ضحكت لأن تفكيره محدودٌ على التقنية والالكترونيات ، ثم تحدثت) لاااا ، هنالك وسيلة أخرى أكثر بساطة وأعمقُ إحساساً تجعلنا نرصدُ هذا الجمال ..

اكتفى بالصمتِ منتظراً إجابتها ، فاستطردت قائلة :

– عندما نركزُ عليها حتى في وسطٍ مضاء فإننا نراها جليّة بوضوح ..

– مممم ، وأي الصور في حياتنا أقربُ لهذا الإنعكاس !
– (أطبقت جفنيها وتحدثت بهمسٍ خافت) أحلامنا ، أمنياتنا ، أهدافنا ، تبرزُ جليّةً ويتوهّجُ جمالها عندما نختلي بأنفسنا ، ولكن بمجرّدِ ان نختلطَ بضوضاء الحياة تختفي ! وكلما زادت الضوضاء والمشتتات تلاشت النجوم من السماء – كما نرى – ، في حين أننا لو ركزنا عليها متجاهلين جُل انواع المشتتات لرأيناها بوضوح ، وحققناها بسهولة أكبر ..
– مممم ، حديثكِ شبيهٌ بقصةٍ حصلت معي في الماضي ، (…)

واستطردَ يروي لها حكايةً حلمٍ قديمٍ راودهُ في أولِ أيامِ شبابه ، والمراحل التي مرّ بها سعياً لتحقيقه ، والضوضاء والمشوشات التي كانت تسرقهُ من حلمهِ حتى ركّزَ عليهِ وبلغه ، ثمّ سألها عن نوع القهوة التي تحبُّ أن يطلبها لها الآن ، ولكنهُ تفاجأ بغطها في نومةٍ هادئة ، فأحسنَ تدثيرها بغطائها ، وطلبَ لنفسهِ قهوةً مرّة ، تعينه على التركيز حتى منتهى طريق السفر ..

Exit mobile version