خلق الله عز وجل الإنسان لغاية الخلافة في الأرض، وأن يعبد الله حق عبادته ويحكم بشرعه ويمتثل لأوامره ويجتنب نواهيه، وأمره ببعض العبادات التي فرضها عليه والتي لا يكتمل إسلام المرء دونها، ويخسر الدنيا والآخرة، ومن تلك العبادات وأهمها الصلاة، عماد الدين، وكلنا نعلم الحديث الطويل الذي ذُكر فيه عندما عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء وفرض الله عز وجل الصلاة على النبي محمد ومن أسلم ومعه وطلب منه التخفيف حتى أصبحت خمس صلوات بدلاً من خمسين.
قال تعالى في سورة الإسراء ( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ( 78 ) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ( 79 ) ) ، يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم آمراً له بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها (أقم الصلاة لدلوك الشمس) قيل لغروبها وقيل لزوالها، وهي بذلك الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقوله (وقرآنَ الفجر) يعني صلاة الفجر. وقد بينت السنة النبوية الشريفة بتفاصيل هذه الأوقات، على ما عمل عليه أهل الإسلام اليوم، مما تلقوه خلفاً عن سلفٍ، وقرناً بعد قرنٍ، كما هو مقررٌ في مواضعه.
(ومن الليل فتهجد به) أمرٌ له بقيام الليل بعد المكتوبة، كما ورد في صحيح مُسلِم، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سُئِل: (أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ ؟ قَالَ : ” صَلَاةُ اللَّيْلِ “). فإن التهجُّد: ما كان بعد نومٍ. وقال الحسن البصري : هو ما كان بعد العشاء، ويُحمَل على ما بعد النوم.
وفضلاً عن أن الصلاة عبادة، فهي ترفع كفاءة القلب، فقد بيّنت بحوثات دقيقة علاقة الصلاة بشكلها الصحيح بصحة الجسد، فقد تبين أن طبيعة الركوع والسجود والقيام، هي صحّة للعمود الفقري، وتندر إلتهابات المفاصل بين المصلّين بجميع أنواعها، ويندر مرض النقرس بين المصلّين، ويندر حصول الدوالي بين المصلّين، وجلطات الأوردة العميقة، ويندر بين المصلين الإحتقان الدموي في الحوض، الذي يسبب البواسير والنزوفات الرحمية، ويندر بين المصلين ضيق الصدر، الذي هو بسبب تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في الرئتين، فالزفير القسري الذي يحدثه الركوع والسجود، ينشّط الرئتين، وينشّط القلب مع الرئتين، ويندر بين المصلين التيه والخرف الشيخي، لأن السجود والإطالة فيه من شأنه أن يروّي الدماغ بالدم، والتيه والخرف الشيخي في بعض أسبابه نقص في تروية أوعية المخ، لذلك السجود يجعل الدم ينصبٌّ على أوعية الرأس بشكلٍ قسري، بفعل الجاذبية، لذلك يندر التيه والخرف الشيخي بين المصلين.
صدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لبلال “أرِحنَـا بِهَا يَا بِلَالْ”، فقد عَلِم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الصلاة طمأنينة للروح، وراحة للجسد، سبحان الله العظيم على هذا الفضل العظيم، الذي منّ به علينا، وما زال العلم الحديث بتقنياته الحديثة يكتشف المزيد والمزيد من خبايا القرآن العظيم الذي يحمل في طياته كونٌ من الأسرار، وجعل الله عز وجل لعباده مجالاً للتنافس لنيل الدرجات وزيادة الأجر والثواب طمعاً في رحمته ورضاه، فجعل الذين يقيمون الليل ويتركون لذة النوم من أجل الله عز وجل أعلى درجة من غيرهم ولهم الفضل العظيم.