رسائل المجموعة

غفلـَة !

*تنويه :
[ليس بالضرورة أن يكون كل ما نكتبه يحكينا ]

كما كل يوم منذ سنواتٍ عدة.. يرن المنبه في تمام الساعة السادسة صباحا ً فيضربُ بكلتا يديه على كعكة أحلامي التي تقلبتُ على فراشي طوال الليل لكي أخبزها ثم أزينها .. كما كنتُ أشتهيها دائماً، حيثُ تتكفل ضربته ببعثرة أجزاء الكعكة على جدران عقلي بشكلٍ مشوه.. لا يترك لي حتى فرصة المسح على بقاياها و تذوقها مثلما يفعلُ الأطفال – و الكبار أيضا ً – !.

أضغط على زر “الغفوة” متأففة ًمحاولة ًاستجداء بقايا النوم التي بدَأَتْ تفرُّ سراعا من أهدابي و كأنها على اتفاقٍ مع السيد المنبه لإفساد فرحة لقائي بأحلامي أثناء النوم !.

أصحو و في داخلي شئ من الغربة رغم أني في أحضان الوطن و بقربي أفراد أسرتي، و ما زالت رسائل الأصدقاء الهاتفية و البريدية تملأُ أدراج القلب.

أتفقد أطرافي لأتأكد أني لم أفقد أحدها في رحلة البحث عن النوم ليلة البارحة، لأطمئن أن الأرق لم ينل من أي ٍ منها كما نال من كفاءتي العقلية و مقدرتي على التركيز و رغبتي في الإقبال على الحياة ..

نافذة غرفتي اليتيمة اعتادت على زياراتي الصباحية، أطل منها على العالم حيثُ تُزَّف الشمس إلى قلب السماء بكل رويةٍ وجمال، يالَ هذه السماء متى ستبكي .؟ متى ستحزن .؟ لتُسعِدَ قلوبنا و ترويها فرحا ً..

تجتاحني رغبة طفولية بقذفها بحجارةٍ صغيرة كما يفعلُ الصبيةَ ببعض، كي تتألم وتبكي لتروينا ..
(أفضلُ ما قد أستطيع فعله هذا الصباح هو الركون لحضن الشاطئ و الاختلاء بكتابٍ جديد)
أوووه أنفضُ هذا الخاطر عن رأسي بقوة و أركض لأجهز نفسي قبل أن يسرقني الوقت و أنا برفقة السماء !.

*
قُبالة المرآة الخرساء أضرب برذاذ الماء البارد على وجهي لعلّه يطردُ بقايا الأرق عن عيناي ويُنعش شيئاً من شحوبي..
أمام َ هذه الصامتة المُزيِّفة للحقيقة كل الأشياء تبدو على ما يُرام و كل الأشخاص يبدون أجمل مما هُم عليه بالواقع،
إنها كاذبة حتى لو شبهوا أصدق الأقرباء بها، فليست كُل المرايا صافية و مستوية.
ما يجعلني قريبة ً منها على الرغم من بغضي لها هو أني قادرة على كسرها و إعادة تجميعها بسهولة..
ليتَ حياتي سهلة الترتيب كأجزاء المرايا المتناثرة.
أتأمّلها فيمضي الوقت.. ثم يعود خرير الماء الذي ينساب من فم الصنبور بوفرة لإيقاظي..
– أتوضأ على عُجالة و أخرج سريعا ً لأسابق الوقت مجدداً..
أقفُ بحيرة قُبالة خزانة ملابسي أتأمل بعض ثيابي بينما تطرق عقلي علامة استفهامٍ ضخمة: أيّها سأرتدي هذا الصباح..؟
أمرر سبابتي المرتخية على تلك القِطع المُتراصة جنباً إلى جنب، أشعرُ ببعضها يتميز غضباً..
تكادُ تلك الثياب أن تصرخ بي: ” هَرِمنا.. واشتعل الرأسُ شيباً، فارتدينا أو اعتقينا !! “
-اممم ربما سأهِبُكم لمن يحتاج إليكم فعلاً، لكن ليس الآن .. فالوقتُ يمضي و أنتم كُثر !

يرتمي اختياري على جسد فستان باهت محشور في الزاوية القصوى من خزانتي .. يُشبه روحي المُرهقة هذه الفترة..
أُلقيه بين يدا السرير ليتنفّس بعضاً من السعةِ والحرية بينما أُسرّح شعري بخفّة و أُخفي بعضاً من صُفرةُ وجهي بمساحيق التجميل
.كم أكره تلك الألوان التي تُقلّب الحقائق وتخفي جمال الإناث أكثر مما تكشف عنه..
من موبقاتها أنّها تحوّل بعض الزهور الفاتنة اليانعة إلى عجائزٍ مشوّهات،
ألا ليتهنّ يتنبّهن لهاتفٍ يهمسُ في آذانهنّ كلما هممنّ إلى تشويه أنفسهنّ:

هذي الجميلة فتنة المتأمل .. فهي التي جَمُلت و لم تتجمل
إهمالها لجمالها فيه الهدى .. ما الصدق إلا بالجمال المهمل *

أتأسفُ على حال تلك الوجوه الصغيرة..
فأعاود مسح ما لوّثتُ وجهي بهِ من مساحيق،
وأكتفي بصُفرة بشرتي الوراثية تلك التي زادها الإرهاقُ عناداً وتشبثاً بي..
سأرتضي برفقتها دون مواراتها عن أعين البشر.. فلربما كانت هي الموضة الجديدة بين أوساط الفتيات ! – خاطرٌ ساذج

بعجالةٍ نفسية وفكرية، وبطءٍ حركيٍ معهود أرتدي فستاني.. حجابي.. و خاتمي النحيل..
أخرج حافيةَ القدمين.. يستفز برد الأرضية أقدامي لتُسرِع الخُطى..
أقفُ حائرة أمام ازدحام الأحذية اللي تركب بعضها البعض لكثرتها ولضيقِ مكانها.. أرتدي أقربها تحاشياً لتجمّد أقدامي.

أُقبّل رأس أبي الأشيب وأشعر بأن الصباح الحقيقي هو ذلك البريق المُطلّ من وجهه والذي يُلخّص حنانَ العالمِ أجمع..

أجلسُ بجانبه .. أتمتّع برائحة القهوة العربية وأشربها فنجاناً تلوَ الآخر بلا اكتفاء، وسط تنعّمي بأحاديث أبي الثوريَّة المفخخة بتلميحاتٍ مُتقنة، تمرُّ حذرةً بمحاذاة كل المصائب السياسية دونَ الوقوع بشراكها – تفرّ من أعماق القلب ضحكة صادقة بمجرد تذكري لحماسةِ حديثه وذكاء تحليلاته وصدق توقعاته !

*
أُلقي نظرةً أخيرةً متأنيةً على مظهري.. أُرتب بعضَ بعثرتي وأخرج..
عند عتبة المنزل..
أشعر بيدٍ صغيرةٍ تقبضُ أحشائي ، وصوتٌ يهمس لي بعنف : نسيتِ شيئاً مهما !
أتراجع إلى الداخل متأففة ..
التفتُ بسرعةٍ تكاد تدقّ عنقي..
ألمحُ سجادة الصلاة مفروشةٌ أمامي لكني لم انتبه ! ذكَّرتني أخيراً بأني لم أُصلِّ الفجر حتى الآن..
أركض إليها بينما أحاول خلع حذائي.. أنقرُ أسرعَ ركعتينِ يعرفها البشر. أُسِّلم لاهثة. فأعاود الركض مُرتديةً حذائي. متوجهةً إلى السيارة..

بينما أنسجُ في قلبي وعداً بألا أؤخر الصلاة مرةً أُخرى..
و ألا يكونُ هذا الوعد ذو مصيرٍ يُشبه مصير الوعود التي نُكِثَت من قبله.



تابعوا جديد شبكة أبونواف على فيس بوك وتويتر

   

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى