عُذراً أصدقائي , إنّي بكم مُضحّي !

خلف مكتبي ( ليس لديّ مكتب أصلاً ) , أنا و كتاب مملّ يقتلني بما يحمله في أحشائه و أقتل به وقتي , و أمنّي النّفس به , علّ أسطره تكتنز شيئاً , ينعش الفكر و يفيقه من غيبوبته و كوب ( شاهي ) ليس به من اللّذة شيء سوى حب استوطن الأعماق و اقتران بعادة مزاجيّة و العاداتُ مقدّسة لدينا كالسواد الأعظم من القطيع , ذات حدود ناريّة لا يمكن تخطّيها كأعظم شعيرة ,كنتُ أبحث عن علّة و سبب خارجي , يكن هو سبب ( انشكاحي ) , و أريح الداخل قليلاً و أوكله إلى إجازة لحظية ..!أبحثُ عن انشكاح في مكان لا يحضره ( وباء الطفش ) , و لا التغنّي بالحزن المُصطنع المُزعج و البؤس اللّعين و الكلمات السحريّة القاتلة للسعادة , و التي تعجّ بها قواميس ( ربعنا ) الأفاضل , حتى في أسعد المناسبات و أبهجها ..!

قررتُ أن يكون أن يكون ( انشكاحي ) , لمناسبة ما , و في وقتٍ معلوم , و لأمدٍ محدّد , كي يرضى علينا القوم رضوان الله عليهم , فنبّشت و نقّبت , كأني أبحث عن ملف في جهازي المكتظ المغلوب على أمره , فقررتُ أن يكن عيد الأضحى هو الشمّاعة التي أعلق عليها سعادتي ..!
و لأجعله يوماً حافلاً أقيم به مهرجاناتي السنويّة و احتفالاتي بين أشهر مكانين عرفتهما طيلة حياتي : المطبخ الذي أعدّ به ( الشاهي ) في ( البرّاد الأصفر المحروق ) , و حجرتي التي أعشّش بها و أشخبط ..!
و لا ننسى الزيارة المجيدة للمسلخ ( معلمنا الأثري و التاريخي ) في عجاج الازدحام و الأنفس التي تبلغ التراقي عصبيّةً من استغلال (الجزّارين ) هذا اليوم ..!

ليست هذهِ هي مشاريعي لهذ اليوم الحافل , بل قررتُ و كلمة ( قرار ) تعني : أن أعني ما أقول !
لن ألقي خطاباً يحوي قراراتي , و لن أهذي كما أفعل ( بعض ) الأحيان ..!

بل سـ أقرر

– و هنا تقطع المشهد موسيقى توحي بالتهديد و الوعيد , كالتي يعزفها توم مع جيري –

قررتُ أن أضحّي بـ ثُلّة من ( الصّحاب ) , مع الأضحية , قرباناً للسعادة , و ترياقاً روحيّاً لطرد الأرواح الشريرة ..!
ذلك أنّهم اقتحموا باب ( الصداقة ) , في يومٍ أنساني الشيطان أن أقرأ به المعوذتين و آية الكرسي ..!
فباتوا رفقةً عن خطأ , ثمّ استحالوا وبالاً و سقماً , لكلّ منهم أرشيف عليه اسمه الثلاثي ( مرفق بشجرة القبيلة ) , و صورة من الهويّة , و بعض السوابق ..!
لا يخفى أن كلمة ( سوابق ) لا تشمل الماضي ( الأغبر) فقط , بل أيضاً جانب من الأفعال المشرفّة , بمعنى أبسط : ( الصالحات و الطالحات على حدٍّ سواء ) ..!
و ليس عليّ سوى الختم ..!
وعند بلوغ الملف حدّه الائتماني , تبدأ عملية الفصل من مهنة ( صديق ) , و يضافون مؤقتا لقائمة الحياد لحين التأكد , فيرجع أو يُنحّى كليّاً ..

حقّاً , الحياة جميلة , لكن أن تبدأ يومك في وجه ( نكديّ ) بالفطرة , يسألك لما تبتسم في الصباح بلا سبب , لهو أمرٌ في الدرك الأسفل من الإحباط ..!
ماذنبي إن استطعتُ أن أتخلّص من كل الضغوط و أحبسها في ركنٍ قصيّ من الدماغ
حتى تسأمني و تواري الثرى , أقصد تواري الدماغ !

و آخر منه الكثير من النسخ ( حقٌ عليهم الحرق ) , ما إن نُبدي التفاؤل , حتى يطلق رصاص ( التشاؤم ) , و ينقل إلى الجالسين عدوى النكد القاتلة ..!

آخر لا تفتأ أن تستمع بالصمت , حتى لا يترك لك لحظة إلاّ و يحشوها بالكلام الفارغ , فتمضي المتعة و يبقى ( الكلام الفارغ ) زعيم المجلس !
و لا تستغرب أن يصفّ ضمن أمنياته : تبديل أمّه و أبيه , أو الرحيل للفضاء و العيش على الشمس !

أحدهم لا يرتدّ طرفك إلاّ و هو عليك رقيبا , تتحول فجأة من شخص مُسالم , إلى مطلوب أمنيّا , و مراقب للتقصّي لماذا , لا أدري !

عندما أفضّل التصرّم من ارتباط ( رفقة ) مزعج يعجّ و يلجّ بوجهات النظر المتضاربة , و حديث لا يروق إلاّ بمجاملة تثقل كاهلي , و تعيي تركيزي , و جدال أعلم مسبقاً أنه لا يغيّر الأفكار الموروثة و المُستمدّة من خليط البيئة و الثقافة و القناعات , فيحمى الوطيس و أوجه كل سؤال بهزّ رأسي – للخلاص فقط – , و أنسلّ بهدوء , فأجد الأيدي تتلقّف الهاربين من العدالة , لترجعهم , فأضطر إلى خلق الأعذار الوهميّة مُسبقاً و تقديمها إلى زعيم المجلس , أو ادّعاء هاتف طاريء و اصطناع ملامح التعجل و القلق , ليتم انقاذي من ( غوانتانامو ) ..!

كتابٌ يرافقني دائما , أعدّه أنيسي بالمقام الأول , و قاتل الملل و الوحدة , أذكر أنه ظهر ( بالخطأ ) , فاختُطف من يدي , و تداولته الأيدي و أنا أنظر بعين المكسور , و داخلي يصرخ ( خذوا شكليطتي , خذوا قهوتي , و أعطوني كتابي ) , فيستعيره هذا و يقف ذلك في طابور انتظار الإعارة , و تستمر الحياة لكن كتابي لا يعود !

و آخر لا ينفكّ عن الإفتاء في أدقّ و أصغر التفاصيل , و مراقبة الناس و تخمين درجاتهم عند الله حتى حرّم ما لم ينزل به سلطان , فبات أثقل على القلب من الجمل الميّت على الأرض ..!

و آخر أتجانس معه في الكثير , لكن شاءت الأقدار أن يحمل صفة هي عليّ كالسمّ يجري في الدماء
يختم آخر كلّ جملة بالسؤال : متأكد ؟
أشعر بأنّي أكذب الناس و هو الصدّيق , و أنّ صداقتنا قامت على كذبة , لا ينفكّ عن التأكد من أي حقيقة تقال , أو واقعة , و لا يخجل عن البحث و التقصّي عمّا قلته في حضوري !
و عندما فاض الكيل , نصحته بزيارة عيادة نفسية للتخلّص من الواسواس اللعين !

أمّا أحدهم , فكلّ نهاية إسبوع , و هاتفي على موعد مع اتصاله ( له نغمة مُخصّصة لينال حظه من التجاهل ) , ليسألني , إلى أين ذاهب لأرافقك ؟
و مرافقته لي كالموت الأسود , رغم أنّ الموت لا لون له إلاّ أنّ الحياة بوجوده سوداء , فالأكيد أنّ الموت سيكون بالمثل !
أذكر أنّني ذهبت و إيّاه لمطعم , عقب إصراره على الخروج , و انتزاعي من جحري , خرجنا و هو قد أتى بأخويه المرعبين معه فأكلوا الأخضر و اليابس , و لم يبقَ على قائمة الطلبات شيئاً لم يطلبوه ,أو يتساءلوا عن مذاقه !
و أنا المسكين على المائدة مع كوب القهوة , يكاد يُغشى عليّ من هول ما رأيت , و عندما جاء الحساب , بدأ ( يتحلطم ) و أخويه , و عندما طال تحلطمهم , دفعتُ كي – نخلص – , و في قرارة نفسي التوبة النصوح عن ذنب الخروج معه ..!

فهل ألام إن خلصتهم من أنفسهم قرباناً للسّعادة ؟

مُستحيل

Exit mobile version