بسم الله الرحمن الرحيم
إلى مجموعة أبو نوّاف البريدية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عدنا ، والعوْد أحمد . رسالتي هذه نقلتها لكم من كتاب عيون الأخبار ، وهذا
الكتاب مكون من أربعة أجزاء للمؤلف ابن قتيبة – رحمه الله – وهذا الكتاب
أكثر من رائع .
أتمنى لكم قراءة ممتعة .
*********
دخل شاب على المنصور فسأله عن أبيه ، فقال : مات رحمه الله يوم كذا وكذا
، وكان مرضه رضي الله عنه كذا وكذا ، وترك عفا الله عنه من المال كذا
وكذا . فانتهره الربيع وقال : أبين يدي أمير المؤمنين توالي الدعاء لأبيك
؟ فقال الشاب : لا ألومك ، إنك لم تعرف حلاوة الآباء . فما عُلِم أن
المنصور ضَحِك مثل ضَحكِهِ يومئذ وكان الربيع لقيطا .
قال رجل من العرب : أُريتُ البارحة في منامي كأني دخلت الجنة فرأيت جميع ما
فيها من القصور ، فقلت : لمن هذه ؟ فقيل : للعرب . فقال رجل عنده من
الموالي : أصعدت الغرف ؟ قال : لا . قال : فتلك لنا .
ومن حمقى قريش الأحوص بن جعفر بن عمرو بن حريث ، قال له يوما مجالسوه :
ما بال وجهك أصفر! أتشتكي شيئا ؟ وأعادوا عليه ذلك ، فرجع إلى أهله
يلومهم ويقول لهم : أنا شاكٍ ولا تعلمونني ؟! ألقوا عليّ الثياب وابعثوا
إلى طبيب .
تكلم ابن السّماك يوما وجارية له تسمع كلامه ، فلما دخل إليها قال : كيف
رأيتِ كلامي ؟ قالت : ما أحسنه لولا أنك تكثر ترداده ! . قال : أردّده حتى
يَفْهَمَه من لم يَفْهَمْه . فقالت : إلى أن يَفْهَمه من لم يَفْهْمَه قد ملَّه من
فهمه ! .
قال ابن عون عن الحسن قال : جلسوا عند معاوية فتكلّموا وصمت الأحنف ، فقال
معاوية : يا أبا بحر ؛ ما لك لا تتكلم ؟ قال : أخافُكم إن صدقْتُكم ، وأخاف
الله إن كذبت .
قال معاوية بن قرة : مرض أبو الدّراداء ، فعادد صديق له فقال : أي تشتكي ؟
قال ذنوبي . قال : فأي شي تشتهي ؟ قال الجنة . قال : فندعو لك بالطبيب ؟
قال : هو
أمرضني .
غضب معاوية على يزيد ابنه فهجره ؛ فقال له الأحنف : يا أمير المؤمنين
أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ، ونحن لهم سماء ظليلة ، وأرض ذليلة ،
فإن غضبوا فأرضهم ، وإن سألوا فأعطهم ، ولا تكن عليهم قُفْلا فيملّوا حياتك
ويتمنوا موتك .
قدم على زياد نفر من الأعراب فقام خطيبهم فقال : أصلح الله الأمير ! نحن
، وإن كانت نزعت بنا أنفسنا إليك وأنضينا ركائبنا نحوك التماسا لفضل
عطائك ، عالمون بأنه لا مانع لما أعطى الله ، ولا معطي لما منع ؛ وإنما
أنت أيها الأمير خازن ونحن رائدون ، فإن أُذن لك فأعطيت حمدنا الله
وشكرناك ، وإن لم يؤذن لك فمنعت حمدنا الله وعذرناك . ثم جلس ؛ وقال زياد
لجلسائه : تالله ما رأيت كلاما أبلغ ولا أوجز ولا أنفع عاجلة منه . ثم
أمر لهم بما يصلحهم .
دخل العتابيّ على المامون ، فقال له المأمون : خُبِّرتُ بوفاتك فغمّتْني ، ثم
جاءتني وِفادتُك فسرّتني . فقال العتابي : لو قُسِمتْ هذه الكلمات على أهل
الأرض لوَسِعَتْهم
وذلك أنه لا دِينَ إلا بك ولا دُنْيا إلا معك . قال : سَلْني . قال : يَداكَ
بالعطية أطلقُ من لساني .
قال ابن عباس رضي الله عنه : ثلاثة لا أكافئهم : رجل بدأني بالسلام ،
ورجل وسّع لي في المجلس ، ورجل أغبرّت قدماه في المشي إليّ إرادة التسليم
عليّ . فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله عز وجل . قيل : ومن هو ؟ قال
: رجل نزل به أمر فبات ليلته
يفكر بمَنْ يُنزله ، ثم رآني أهلا لحاجته فأنزلها بي .
قال العُتبي : قلت لرجل من أهل البادية : إني لأعجب من أن فقهاءكم أظرف من
فقهائنا ، وعوامّكم أظرف من عوامّنا ، ومجانينكم أظرف من مجانيننا ، قال :
وما تدري لِمَ ذاك ؟ قلت : لا . قال : من الجوع ؛ ألا ترى أن العود إنما
صفا صوته لخلوّ جوفه ؟ .
قال رجل لثُمامة : إن لي حاجة . قال ثمامة : ولي إليك حاجة . قال : وما هي
؟ . قال : لا أذكرها حتى تتضمن قضاءها . قال : قد فعلت . قال : حاجتي ألاّ
تسألني هذه الحاجة . قال : رجعت عما أعطيتك . قال ثمامة : لكني لا أردّ ما
أخذت .
قال ابن سرين : كنا عند أبي عبيدة بن أبي حذيفة في قبة له ، وبين يديه
كانون له فيه نار ، فجاءه رجل فجلس معه على فِراشه فسارّه بشي لا ندري ما
هو فقال له أبو عبيدة : ضع لي إصبعك في هذه النار . فقال له الرجل :
سبحان الله ! تأمرني أن أضع لك أصبعي في هذه النار ! فقال له أبو عبيدة :
أتبخل عليّ بأصبع من أصابعك في نار الدنيا ، وتسألني أن أضع لك جسدي كله
في نار جهنم ! قال : فظننا انه دعاه إلى القضاء .
ذمّ رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – فقال علي – رضي
الله عنه – : الدنيا دار صِدق لمن صَدّقها ، ودار نجاة لمن فَهِم عنها ، ودار
غنى لمن تزود منها ، مهبط وحي الله ، ومُصلّى ملائكته ، ومسجد أنبيائه ،
ومتجر أوليائه ، ربحوا منها الرحمة ، واحتسبوا فيها الجنة . فمن ذا يذمّها
، وقد آذنت ببينها ونادت بفراقها وشبّهتْ بسرورها السرور ، وببلائها البلاء
ترغيبا وترهيبا ، فيأيها الذامّ الدنيا المعلّل نفسه ، متى خدعتك الدنيا أم
متى استذمت إليك ؟ أبمصارع آبائك في البلى ؟ أم بمضاجع أمهاتك في الثرى ؟
كم مرّضتَ بيديك ، وعلّلت بكفّيك ، تطلب له الشفاء ، وتستوصف له الأطباء ،
غداة لا يُغني عنه دواؤك ، ولا ينفعك بكاؤك .
أختكم : كراع النمل .
قد ينمو القليل فيكثر ، ويضمحل الكثير فيذهب ، ومن أدمن الاستفتاح فتحت
له الأغلاق ، وأولى الأمور بالنجاح المواظبة ، وتنشأ من الحبة الشجرة ،
ولن يدوم شيء على حال ، والعناء مقرون بالرجاء ، مع العجلة تكون الندامة
، وفي التثبت تكون السلامة …