كان جلال منكبا على الأوراق التي فوق مكتبه يراجعها بدقة واهتمام قبل أن يرتفع رنين هاتفه الجوال معلنا وصول رسالة نصية ، وبكل لهفة ترك تلك الأوراق التي كان منشغلا بها وأخرج الهاتف من جيبه ليقرأ الرسالة التي وصلت .. عندما نظر إليه إبراهيم زميله في العمل وجد أن ابتسامة الرضا ارتسمت على شفتي جلال ، فغمز له إبراهيم قائلا :
– يبدو أن أمل هذه قد فتنت بك حقا !!
انطلقت ضحكة ساخرة من حنجرة جلال قبل أن يقول وهو يكتب ردا على الرسالة :
– إنها مراهقة ولديها مشكلة عاطفية ولن أبخل بمساعدتها ..
ومع آخر حروفه كانت جملة : تم إرسال الرسالة بنجاح تظهر على شاشة هاتفه الجوال ، ثم نهض من مقعده على عجل وقام بترتيب الأوراق المتناثرة فوق مكتبه والتفت إلى زميله إبراهيم قائلا :
– أنا مضطر للخروج الآن .. فاليوم هو ذكرى زواجي من أريج .. وأعتقد أنه من المناسب أن أشتري هدية لها في ذكرى زواجنا العاشرة ..
هز إبراهيم كتفيه بحيرة وهو يقول :
– عجزت أن أفهم نوع الحب الذي تكنه لزوجته .. إنك غريب ..
ابتسم جلال دون تعليق ، ثم غادر المكتب بعد أن ألقى لمحة سريعة على سورته في المرآة وكأنه يتأكد من وسامته .. وما أن اختفى عن ناظري إبراهيم حتى تنهد هذا الأخير قائلا :
– ولكني أعرف يقينا أني أحسدك على جاذبيتك !!
***************
الحب تعرفه القلوب ولا تدركه العقول ..
تأملت أمل هذه العبارة المكتوبة على شاشة هاتفها والتي وصلت للتو من جلال .. كان ذهنها شاردا في محاولة لمعرفة معنى ومغزى هذه العبارة ولم تشعر بأصابعها وهي تعبث بخصلات شعرها .. إنها تشعر بأنها أمام شخص مبهر عندما تفكر فيه .. بهرها بأفكاره الغير عادية .. بهرها بأسلوبه الشيق .. إضافة إلى أنه منحها شعورا بالأمان ..
لم تتصور في يوم أن عبثها بالهاتف سيضع أمامها شخصا بهذه المواصفات .. نعم هو متزوج ولكن هذا لا يهمها .. فهي تريده كما هو .. صديقا لا زوجا ..
ما زالت تذكر ذلك اليوم الذي سألته فيه عن ما ستفعله زوجته أريج لو علمت بما يدور بينه وبينها من محادثات هاتفية .. قال لها :
– إنها زوجتي وأنا أعرف كيف أرضيها .. وأنتي مثل أختي فلا تقلقي على شيء ..
لم تكن أمل تدرك إن كانت الغيرة هي التي سيطرت عليها وقتها .. لكنها في قرارة نفسها عزمت أن تعرف هل سيتجاهلها جلال من أجل زوجته ؟؟
إنها تؤمن في قرارة نفسها أنه لا يوجد رجل صادق .. لذلك وضعت خطتها .. واتفقت مع صديقتها على أن توصل خبر علاقتها مع جلال إلى زوجته أريج .. وقد تم لها هذا .. وها هي الآن تنتظر النتيجة التي سيحصل عليها جلال جراء هذا الامتحان ..
***************
كانت السعادة تشع من عيني جلال وهو ينظر إلى البائع الذي يقوم بوضع الخاتم الذهبي في علبة أنيقة ويغلفها بمهارة .. ستكون مفاجئة مذهلة لأريج .. هكذا كان جلال يقول في نفسه .. ثم تناول العلبة الأنيقة بعد أن دفع للبائع ثمنها .. وأسرع إلى سيارته وهو يطلق من بين شفتيه صفيرا على لحن أغنية مشهورة ..
كان جلال يدرك أن زوجته أريج ليست بارعة الجمال .. لكنه يعلم أكثر من غيره بأنها تحبه لدرجة لا توصف .. إنه يعشق اهتمامها به .. ويعشق غيرتها عليه .. ويعشق دموعها عندما تبكي من أجله .. ويعشق ابتسامتها عندما تكون لأجله .. وهو اليوم يريد أن يرى ابتسامتها ترتسم على وجهها بمجرد أن يفاجئها بالهدية ..
وبشكل غير إرادي التفت إلى الكرسي المجاور له حيث تستقر العلبة الأنيقة وكأنه يريد أن يتأكد من وجودها .. وبمجرد أن عاد ببصره إلى الطريق وجد أمامه شابا يقود دراجته .. ولم يستطع جلال أن يتفاداه بسيارته.. ورغم أنه ضغط الفرامل بأقصى قوته .. إلا أن ذلك لم يعفيه من أن يصطدم بذلك الشاب ..
***************
أسرع جلال يغادر سيارته للاطمئنان على الشاب وهو يشعر بالجزع مخافة أن يكون قد أصابه أي مكروه .. انحني نحو الشاب محاولا أن يساعده على الوقوف وهو يقول له بكلمات بدا واضحا فيها نبرات التوتر :
– هل أنت بخير ؟؟ .. أنا آسف لم أكن أقصد ..
تحامل الشاب على الألم الذي يشعر به في قدمه وقال بعصبية :
– وأي فائدة سأجنيها من أسفك هذا ؟؟ إن قدمي تنزف ..
شعر جلال بالحرج وهو يشاهد أعداد الناس تتزايد حوله لمراقبة الموقف .. وبدأ الدم يصعد إلى وجهه .. وخرج صوته مبحوحا وهو يقول :
– دعني أذهب بك إلى المستشفى .. هذا أفضل ..
نفض الشاب الغبار من على ملابسه ثم ركب دراجته وهو يقول بضيق :
– لا بأس .. إنه حادث بسيط .. أستطيع أن أكمل طريقي ..
تسلل الارتياح إلى جلال وهو يشاهد الشاب ينطلق بدراجته ليبتعد عن ناظريه .. ثم عاد بسرعة إلى سيارته دون أن يلقي بالا لتلك العيون التي تنظر إليه بفضول .. وبمجرد أن تحركت سيارته حتى أطلق تنهيدة قوية ..
***************
– جلال أرجوك يجب أن تقود وأنت أكثر حذرا في المرة القادمة ..
نطقت أريج بهذه العبارة وهي تقدم كوب الشاي لزوجها جلال الذي تناوله منها وهو يقول والابتسامة تعلو وجهه :
– ليس هناك أفضل من شاي أريج بعد غداء دسم ..
توردت وجنتاها بحمرة الخجل فأسرع جلال يستغل هذه اللحظة كعادته وسألها :
– هل تخافين علي حبيبتي ؟؟
كانت أنفاس أريج تتردد بصوت مسموع .. هي تعلم أنها تحبه .. لكنها قلبها الآن يعاني ألما ونزيفا لم علمته عن علاقته بالفتاة المراهقة أمل .. وازداد الجرح ألما وهي تقرأ بعض الرسائل المتبادله بينهما في هاتفه الجوال .. دائما تشعر بالضعف أمامه ولا تستطيع أن تغضبه .. لكنها هذه المرأة لم تعرف من أين جاءتها الجرأة لتقول له :
– أخاف عليك أكثر من تلك التي تسمي نفسها أمل ..
كان جوابها مباغتا لجلال الذي نظر إليها مشدوها .. لكنه لم ينفعل وسرعان ما استرد هدوءه .. مجرد أنها تعرف اسم أمل فهذا يعني أنها تعرف أكثر مما يتصور .. وجد أن الإنكار عديم الجدوى في مثل هذه الحالة .. استرد ابتسامته وهو يقول :
– إنها فتاة صغيرة حاولت أن أساعدها .. فاعتبرتني أخا أكبر لها .. لا ينبغى أن تغاري منها يا أريج لأني أحبك .
اغرورقت عيناها بالدموع وهو تقول بصوت لا يكاد يكون مسموعا :
– حتى لو تجاوزت الستين من عمرها سأظل أغار عليك دائما ..
نهض جلال من مكانه واقترب منها ليمسح تلك الدموع التي سالت بيده .. ثم همس في أذنها :
– أنا آسف ..
لقد سمعت هذه الكلمة أيضا منه قبل أربع سنوات .. ولكنه لا يدرك أن الألم أكبر من قبول اعتذاره .. لقد جرح أنوثتها .. لكنه يعرف دائما كيف يجعلها تعود إليه أكثر شوقا ولهفة .. وعندما تأخرت في الرد عليه احتضن كفها بين يديه قائلا :
– أريج ذلك الشاب الذي اصطدمت به سامحني دون أن يعرفني ..
رفعت عينيها إلى عينيه وهمت أن تقول له : لكنك تعمدت أن تجرحني ولم تتعمد أن تصيبه .. لكن كلماتها التي نطقت بها كانت :
– إني أسامحك قبل أن تخطئ ..
ابتسم في رضا وطبع قبلة دافئة على جبينها ثم جذبها معه في رفق إلى غرفة نومهما وهو يقول لها بسعادة :
– دعيني أريك هديتي إليك في ذكرى حبي لك .. ستعجبك حتما ..
وفي تلك الأثناء كان هاتفه الجوال يطلق النغمة المميزة لوصول رسالة نصية .. رسالة أخرى جديدة تحمل الرقم الخاص بأمل ..
***************
ثمن عمري يضيع في زحمة الأوهام
قضى صبري أعد الوقت والأيام
وين الوفاء ؟؟
يا ناس قولوا وش بقى ؟؟
هموم والدنيا شقاء
مضى عمري وأنا اللي بالعمر ضحيت
شربت المر من كاس الشقاء وعانيت
زماني ما صفى لي بيوم
وحالي حالة المحروم
حسايف يا زمن وشلون ؟؟
تساوى الظلم والمظلوم
يا دنيا وش بقى فيني
أعاني الهم والنسيان
يا دنيا ضاعت سنيني
وجزاي الجرح والنكران