سعادة الدكتور حلتيت أبو نفس شينة
كان متفوقًا منغلقًا منتفشًا .. ليس بعالم دين ولا متخصص في العلوم الشرعية ..
تم اختياره معيدًا في قسم اللغويات في الجامعة .. ومع الزمن نبت في دماغه قفلان اثنان حجباه عن التفكير كما الأسوياء ..
سافر لأمريكا للبعثة فرجع بالماجستير والدكتوراه وخمسة أقفال ..
مظهر الدكتور حلتيت يذكرك بالستينات الميلادية حيث الجاكيت (المقلم) والشماغ (المتنتّش) والجيب الأمامي المزيّن ببقعة الحبر في أسفله .. ولديه حذاءان للصيف وجزمة للشتاء لم يغيرها حتى في أمريكا .. سيارته جيب تويوتا فيها فئران وجراثيم .. ولا يرى أبقاه الله شراء السيارات الأمريكية لأنه مقاطع لجميع البضائع الأمريكية باستنثاء سبع سنوات دفع فيها الأموال للأمريكان (لما قال بس) !
أيام البعثة كان يسكن في أورلاندو/ فلوريدا ولطالما طلب منه أولاده زيارة عالم ديزني لكنه كان يعتذر بالدراسة حتى في أيام الويكند لم يكن لديه وقت لأنه خصصها لقراءة مصادر اللغة والأدب كالكامل للمبرد والأمالي للقالي وأدب الكاتب لابن قتيبة، والبيان والتبيين للجاحظ، اولأغاني وكليلة ودمنة ومقامات الحريري والهمذاني والمعلقات وغيرها .. مر عليها كلها ونخرها كما تفعل الدودة ..
سعادة الدكتور حلتيت ابتسم ثلاث مرات في حياته، مرة حين اشترى سيارة رخيصة ومرة حين باعها على زميله المقيم بربح ومرة ثالثة حين تسلّم مسؤوليةً في القسم ..
يدخل مستر حلتيت قاعة الدراسة وهو ينظر إلى الأرض ويزفر ثومًا وبصلاً بعد عشاء الأمس حيث تعود على ذلك كل مساء .. ولا مانع من الكرّاث في فترة الاستراحة بين المحاضرات ..
طلب منه ابنه (المعتصم بالحي القيوم) أن يشتري له آي فون فرفض مباشرة والسبب معروف وهو أن آي فون أمريكي الصنع أمريكي الثقافة وصاحب الشركة بوذي مرتد .. ثم قال له ابنه: وماذا عن جالكسي؟ فسكت لأيام ثم أهدى ابنه جوال نوكيا (الكوبرا) اشتراه من محل الجوالات المستعملة ..
ابنة حلتيت (شجرة الدر الرزينة) – و قد كان هو من يختار أسماء أبنائه وبناته – طلبت منه زيارة بعض محلات الماركات لتشتري منها كما تفعل بعض صديقاتها .. وبعد محاولات منها وشد وجذب وبكاء أوصلها لمحل أبو ريالين بشرط أن لا تشتري بأكثر من عشرة ريالات ..
تقدم الزمن وتم تعيين أبو الحلاتيت رئيسًا للقسم فسام أعضاء القسم سوء العذاب استعبد صغارهم وأهان كبارهم وأخّر معاملاتهم وترقياتهم ..
مما يُذكر عن العقوبة حلتيت أنه (حمار شغل) .. فقد تعوّد على الفطور باكرًا جدًا على 16 نوعًا من النواشف تعدها له زوجته كل صباح مع قليل من الحنيني والفريك والقشد في الشتاء ولا مانع من العريكة .. حتى توشك (كرشته) على الانفجار .. ثم يغادر البيت إلى العمل قبل الشياطين .. ويخرج آخر الناس ليجد زوجته وقد أعدت له مائدة عليها الرز واللحم والدجاج والمرق مع لحم الحاشي والسلطة الخضراء والسلطة الحارة وسلطة الزبادي و(طاسة/غرشة) لبن وماء وفاكهة ثم يختمها بالبطيخ والشمام .. ثم ينام القيلولة (نومة جدي إن شاء الله) ..
يقوم سيء الذكر حلتيت ليصلي العصر ثم يتوجه لمكتبته فيبحر في بطون الكتب الصفراء ذات النكهة المميزة حتى المساء ثم ينام ..
يُدعى أحيانًا لمناسبة زواج فـ(يطق البشت) ويذهب لقاعة الأفراح ويقحم نفسه لإلقاء موعظة بائسة مكرورة فاترة خاثرة ثم يعود للبيت ببطن مكتنز بما لذ وطاب ..
رغم تخصص الدكتور زفتيت أقصد حلتيت غير الشرعي إلا أنه كثيرًا ما ينصح الطلاب ويحذرهم من الإسبال وإذا ناقشه أحدهم وأخبرهم أن ثمّة أقوالًا أخرى في مسألة الإسبال يبدأ يزمجر وينتفخ وترى الزَبَد يجتمع عند ملتقى شفتيه .. ويحوقل ..
في إحدى المرات قال له أحد الطلاب: يا دكتور نريد علمًا .. لا وعظًا .. ما تقوله نسمعه في المساجد أو في الإذاعة وما جئنا للجامعة إلا لتحصيل العلم والمعرفة وأنت أستاذ قدير وقارئ نهم ولديك علم تستطيع أن تقدمه لنا فتختصر علينا الكثير من القراءات. عندها أطرق أبو الحلاتيت برهة ثم أمر الطالب بأن يخرج من القاعة لأنه طالب غير مهذب .. اخرج .. اخرج يا مزعج .. اخرج يا فرخ .. اخرج يا أجوف ..
مرة في أحد ممرات الكلية صادف السيد حلتوتي أحد الأساتذة الزائرين من دولة عربية فأمعن النظر فيه وأدار النظر حوله .. عندها حاول ذلك الأستاذ أن يكسر تشنج الموقف فسأله قائلاً: متى اجتماع القسم يا دكتور؟ فرد عليه حلتوتي: إذا جمعت ما تفرق فيك .. هداك الله .. هداك الله .. ثم انصرف دون أن يفهم الأستاذ مقصوده .. عندها لحقه الأستاذ الزائر بلطف وقال له: ماذا تقصد يا دكتور حلتيت؟ فقال له: قبل أن تحضر غدًا لا بد أن تلبس الثوب والغترة ويفضّل نعال (زبيريات) وحاول أن تتكلم بلهجة عربية ثقيلة وكلمات موزونة ما استطعت وكن وقورًا .. فأنت أستاذ جامعي .. كن وقورًا ولا تضاحك الطلاب في الأسياب .. حسسهم أن العلم عزيز المنال .. ربّهم على الصبر .. عذّبهم .. عرفت الآن؟ اجمع هذه المتفرقات في شخصيتك حتى تستقيم على المنهج .. ثم انصرف حلتيت تاركًا الأستاذ الزائر (فاقٍ ثمه) !!
في أحد الأيام أحضر ابنه (شهريار) ورقة من المدرسة تفيد بضرورة حضور الدكتور حلتيت لمجلس الآباء الذي تقيمه المدرسة مرة كل عام ! فما كان من أبي الحلاتيت إلا أن (شخّص بالبشت البني الوحيد) وذهب للمدرسة ناويًا المشاركة بكلمة قصيرة حول ذات الموضوع الفاتر كالعادة وحين وصل وجد الجميع مشغولين بالحديث في قضايا الطلاب .. عندها بادره أحد المدرسن قائلاً: أهلاً وسهلاً يا شيخ .. في أي صف يدرس ابنك؟ فقال حلتيت: في الصف الرابع .. ثم أخذه لأساتذة الصف الرابع وبعد الترحيب به عرف الأستاذه ابنه (شهريار) وأخبروه أنه يدرس في الصف الخامس ..
السيد حلتيت لا يزال يعمل أستاذًا جامعيًا ..
..
نلتقي لاحقًا إن شاء الله مع المبتعث (جيمس بوند أبو نشقة) إلى اللقاء ..
الليث البنفسجي